الكاتب والناشر الكويتي خالد النصر الله..

نترجم آداب دول جديدة ونهتم بأجناس سردية غير مألوفة .

خالد النصر الله كاتب وناشر كويتي، وُلد عام 1987، حاصل على بكالوريوس في التربية البدنية. وصلت روايته الدرك الأعلى إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2017، فيما تأهلت روايته الخط الأبيض من الليل إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية البوكر عام 2022، ومن ثم فازت بجائزة ENGLISH PEN عام 2023. ينسج خالد النصر الله رواياته بخيوط من السرد المتقن والتأمل الفلسفي العميق. أعماله ليست مجرد حكايات تُروى، بل أبواب تُفتح على عوامل تحاكي الواقع بحس غرائبي، فهو يعيد تشكيل الواقع بالحبر والخيال. يستخدم أسلوباً يجمع بين السلاسة والعمق، والرمزية والوضوح في آنٍ واحد. حيث تمتزج اليوميات البسيطة بأسئلة وجودية معقدة. أسس خالد النصر الله دار الخان للنشر والترجمة، مُسهماً في دعم ونشر الأدب العربي والعالمي وإيصاله للقارئ العربي. يرى أن الأدب ليس مجرد كلمات تُطبع، بل رسالة تُحمل، وأثر يُنرك. حاورت مجلة اليمامة الكاتب والناشر خالد النصر الله للتعرف على تجربته الأدبية المتميزة، واستكشاف رحلته بين الكتابة والنشر. •في رواياتك، هناك دائماً حضور للبعد الفلسفي والإنساني، كيف تصف علاقتك بالفكر والفلسفة وتأثيرها على أسلوبك الأدبي؟ تُصاغ القصص من خلال حالات التأمل، الذات والآخر، العلاقات والتاريخ، وأزعم أنه لكل منا الخلاص إلى فلسفة إذا ما أمعن في الحياة وتدبرها بعيداً عن أي عاطفة أو تعصب، فإذا خلا النص من أبعاد تقود القارئ إلى ما هو أعمق من ظاهر النص فهو بالضرورة يفتقد إلى الإبداع الحقيقي. •في روايتك “الخط الأبيض من الليل”، أشرتَ إلى استخدام تقنية مستوحاة من بول أوستر. كيف أثّرت هذه التقنية على بنية الرواية وتطوير الشخصيات؟ تقنية سردية قرأتها أول مرة في رواية ليلة التنبؤ لبول أوستر، وهي شكل من أشكال تداخل القصص أو خلق قصة داخل قصة. وبالنسبة للكتابة الأدبية فإن أي طبيعة سردية جديدة، مغايرة، تشكل صدمة وإضافة لوعي المتلقي، وتقترب من عقليته وعاطفته، فإنها بلا أدنى شك تؤثر وتضيف إلى المخزون الإبداعي بشكل عام، واستخدام أي تقنية كتابية أمرٌ تفرضه حاجة النص، عدا عن ذلك يُعد افتعالاً قد يشوه البناء والمتن. •تتناول “الخط الأبيض من الليل” العلاقة الملتبسة بين الرقيب والنص. كيف ترى تأثير الرقابة على الإبداع الأدبي في العالم العربي، خصوصًا أنك كاتب وناشر؟ كيف تؤثر قوانين الرقابة في الكويت على عملية النشر؟ وهل تعتقد أنها تحدّ من حرية الإبداع أم أنها ضرورية في بعض الجوانب؟ كل الحالات، الإيجابية والسلبية، من شأنها أن تخلق جواً أدبياً خاصاً، الحرية تتيح للمبدع أن يصيغ الموضوعات ويعبر عنها دون حواجز، وقد تسهم في فوضى وتشتت وتخلط الكتابة الجيدة بالسيئة، أما الرقابة وبناء العوائق فإنها تضع الكاتب في تحد حول كيفية التعبير عن قضيته وفق قدر من الإطارات والحدود تلزمه الاجتهاد ومحاولة ابتداع طُرق في الأسلوب وطرح المواضيع، وفي ناحية أخرى، وهي الحالة الغالبة مع الأسف، تجهض العملية الإبداعية تحت وطأة الخوف وخشية الاصطدام مع السلطات، أو بسبب يأس وضمور إبداعي. •وصول روايتك “الخط الأبيض من الليل” إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) ومن ثم فوزها بجائزة ENGLISH PEN كان إنجازًا بارزًا. كيف ترى تأثير هذا التكريم على مسيرتك الأدبية؟ حالة من التقدير تمنحني الهدوء والتركيز والوقت لإنجاز كتابات أخرى بعيداً عن ضغوط الشك وإثبات قدرات الكاتب لنفسه، مع التأكيد على أن الشك حالة صحية يجب أن تكون مصاحبة لأي مبدع في أي مجال حتى يضمن لنفسه الاستمرار في التطور والابتكار والتجريب. الكاتب يموت إذا تملكته مشاعر الثقة التامة المطلقة. 5 - ذكرتَ في إحدى المقابلات وجود قصور في النقد العربي. ما هي برأيك الأسباب وراء ذلك، وكيف يمكن تحسين المشهد النقدي لدعم الأدب العربي المعاصر؟ ربما من سمات العصر اضطرار الكاتب للتحوّل إلى ناقد في بعض الأحيان، لكنها مسألة كبيرة جداً تدان فيها المؤسسات الأكاديمية بشكل أساسي، فلا أثر لما يمارسه طلاب كليات الآداب في نقد النصوص الحديثة، أو التواصل مع الكتاب من أجل إنجاز بحوث ودراسات نقدية، ولا قراءات من قبل دكاترة جامعيين في الإنتاج الأدبي الراهن، ولم يعد هناك الناقد النجم كما الأسماء السالفة التي كانت توجه القارئ إلى الاهتمام بكتابات بعينها، وفي بعض الأحيان أصبحت هذه الممارسة من قبيل التكسب والمجاملة، فالأصدقاء يكتب بعضهم لبعض دون غيرهم رغم اطلاعهم على كتابات أخرى تستحق الالتفات، بكل الأحوال، القصور يكمن في عدم تأثير النقد في وقتنا الحالي على حضور كاتب أو غيابه. •بصفتك كاتبًا وناشرًا، كيف تقيّم واقع النشر في العالم العربي؟ وما هي أكبر التحديات التي تواجه الناشرين؟ هل ترى أن سوق الكتاب العربي يسير في الاتجاه الصحيح، أم أن هناك عوائق تعيق تطوره وانتشاره؟ النشر العربي تطوّر في الأعوام العشرة الأخيرة، طردياً مع تزايد القراء والذي أسهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، بغرابة وعلى عكس المتوقع أو ما يشاع، وهذه حالة صحية تدل على وعي الأجيال الجديدة، وحركة النشر تحسنت من جهة كمية الإنتاج ونوعيته كذلك، لكن ما يعيق النشر في العالم العربي هو تأخر المؤسسات الحكومية في مواكبة حاجة القارئ والكتاب، ومجموعة من البيروقراطيات التي تخاذلت في حماية حقوق الملكية الفكرية وإعاقات لوجستية في نقل الإنتاج بسهولة من دولة لأخرى، ومِنَح الطباعة والترجمة التي تعين الناشرين على الجرأة لترجمة أعمال أو الإقدام على تنفيذ مشاريع كبيرة ومهمة يخشون القيام بها بسبب الكلفة المالية الضخمة. •ما هي المعايير التي تعتمدها دار الخان للنشر عند اختيار الكتب الأجنبية لترجمتها؟ وضعت الدار معايير عامة في البداية، منها عدم ترجمة كتب سبق ظهورها من قبل، إظهار أسماء عالمية جديدة لم يسبق نقل أعمالها إلى العربية، البحث عن آداب من دول جديدة مثل الكوستاريكي والرأس الأخضر والأنغولي، البحث عن أجناس سردية مختلفة غير مألوفة في منطقتنا، عدم توقف المشروع تحت أي ظرف قبل نشر مئة عنوان معاصر. أما المعايير الأخرى فهي مرتبطة بالموضوعات، بالتنوّع، بالجودة والأهمية، وأخيراً ملاءمتها لمزاج القارئ العربي. 8 -من خلال عملك في النشر هل تعتقد أن القراء العرب يميلون أكثر إلى الأدب المترجم أم الأدب المحلي؟ ولماذا؟ نتفق أولاً أن الشريحة الأكبر من القراء هم المراهقون أولاً ثم الشباب دون الثلاثين، وهؤلاء هم من يضمنون إما استمرار مشروع تجاري أو توقفه، ومن خلال تجربتي تبين أن هذه الفئة تميل أكثر إلى قراءة الأدب المكتوب أصالة باللغة العربية، لكنني أزعم أن دار الخان ودوراً أخرى قليلة تساهم حالياً في إشاعة الأدب المترجم بين هذه الفئة التي كانت تخشى قراءته ظنّاً منها أن الترجمات ضعيفة، وأنها لن تضاهي أو تقترب من قيمة الكتاب بلغته الأصلية. 9 -ما هو مستقبل دور النشر العربية في ظل التحولات الرقمية والتكنولوجية المتسارعة؟ في ظل صعود النشر الإلكتروني، هل ترى أن الكتاب الورقي مهدد بالاختفاء أم أن لكل منهما جمهوره الخاص؟ مستقبل النشر العربي مرهون بالنشر العالمي، الكتب الورقية مازالت تُطبع في كل أرجاء العالم، لم يتخلص منها الإنسان بعد، لكن سيأتي يوم يضطر فيه الإنسان إلى التخلي عن الطباعة الورقية لأية أسباب ممكنة، بكل الأحوال الكتاب الالكتروني أصبح متوفراً الآن على تطبيقات عدة، وهناك استعداد مبكر لهذه الخطوة. 10 - ما رأيك في ظاهرة النشر الذاتي؟ وهل تراها منافسًا أم مكملًا للنشر التقليدي؟ النشر الذاتي مصيره التوقف أو اللجوء إلى دور النشر، لأن عملية توزيع وتسويق الكتب ليست جهداً هيّناً، وكذلك المكتبات والجهات الرسمية تفضل التعامل مع مؤسسات ثقافية ذات صفة وطبيعة اعتبارية. 11 - ما الرسالة التي توجهها للكتّاب الشباب الذين يسعون إلى النشر والنجاح في المجال الأدبي؟ القراءة بقصد التعلم وليس المتعة فقط، قراءة كل الاجناس الأدبية، الاطلاع العام، الثقافة العامة، البحث المُثابر في الموضوع الذي يرغب بالكتابة عنه، الإنصات إلى الآخرين وتجاربهم، محاولة مشاركة كتابته مع قراء وكتاب آخرين، المثابرة بشكل عام، تقبل النقد بشكل عام وبقصد التعلم على وجه الخصوص، الصدق وهي الصفة الأهم، الصدق مع الذات ومع النص والانتصار للكتابة قبل كل شيء. *كاتبة سورية مقيمة في فرنسا.