مزاج محرج.

اهتز باب الدار بقوة حين دفعته إمراة متجللة بالسواد الكامل الذي أخفى هويتها كعادة أهل زمانها. لم يكن القصد الإخفاء فالمرأة من الواضح أنها كانت مضطربة فلو وقع خمارها عن وجهها لما أحست بسقوطه. وبدا أنها تعرف إلى أين تتجه فقد اندفعت إلى حيث مجلس القهوة المخصص لاستقبال الضيوف قبالة باب الدار. مرت بجوار أطفال يلعبون وسط الحوش وما توقفت لتسألهم، بل واصلت طريقها مقتحمة المجلس وكان فيه صاحب الدار وضيوفه من الرجال. كان الجو يعبق بأرومة حبوب القهوة المحمصة وقد تم طحنها وتلقيمها في إبريق خاص بها. بهت كل من كان بالمجلس وبعضهم هب واقفا حائرا لا يعلم ما ستفعله المرأة الغامضة وهل هي إحدى نساء الدار أم من جيرانه. رفع صاحب الدار يده يشير لضيوفه بالجلوس وأشار للمرأة أن تقترب حيث النار في الوجار تُنضج مشروب القهوة التي للتو قد أضاف لها حبوب الهال المطحونة مع قليل من الزعفران. وعندما ابتل ذلك الخليط الفاخر وسقط متجانسا مع القهوة التي قرب تمام نضجها تضوعت رائحة القهوة السعودية في المكان، عندها أصاب المرأة اضطراب أشد وأخذت تصفق نشوانة. صب صاحب الدار أول فنجان منها وناوله المرأة التي خطفته خطفا بينما واصل الصب لباقي الضيوف. أخذت المرأة تشم البخار المتصاعد من الفنجان وقد أدخلته من تحت خمارها حتى تنتشي بالرائحة وتسكن روحها. وبعد دقيقتين كانت قد ارتشفت كل ما في فنجانها من القهوة الحارة فمدته فارغا لصاحب الدار الذي كرر ملئه لها كلما فرغ. بعد أن شربت خمسة فناجين من ذلك المزيج المفرح أفاقت وكأنها فُكت من سجن مظلم. أخذت تدير رأسها تتعرف مكانها وقد هالها أنها في مكان لا ينبغي لمثلها من النساء أن توجد فيه. هبت واقفة وغادرت المجلس وبعده الدار مهرولة ولم تنبس ببنت شفة. alabudim@yahoo.com