عَمَس الكتابة واحباطات المثقف !

سأبدأ مقالي هذا بسؤال غريب : هل يَكرَه الأديب مؤلفاته ..؟! يحدث أن تُرهق نفسك عقوداً في القراءة والتأليف والنشر،ثم تفاجأ بأن مؤلفاتك لم تجد الصدى الذي كنت تأمله لأسباب كثيرة فينقلب شغفك للتأليف إلى كُره وتذمر وسخط. المؤلف مثل” أبُ خلّف أبناء كُثر ولكنهم خذلوه عندما طلب برهم عند عَجزِه ويا لها من خيبة وحسرة. ثمَّةَ مشاعر مُحبطة تنتاب الأديب الذي أصدر كُتباً في الشعر أو السرد أو غير ذلك، لكنها لم ترق لطموحاته، ولم تجد صدى ولم تُشْهُرهُ ، فينقلب ذلك إلى حسرة وانكسار ووبالا عليه ، والكل يعلم مدى معاناة الأديب في التأليف:بدءاً بالفكرة وانتهاءً بالتسويق ، وما يلحق ذلك من تعاطي القراء والنقاد مع إصداره “بما له وما عليه “. لكن الأمر قد يتحول لدى بعض الأدباء إلى “صدمة أدبية”تُحْدُث لهم نوبات من الكُره والنفور من إصداراتهم أو بعضها، فيلجأون إلى إتلاف مؤلفاتهم أو إحراقها ، أوسحبها من دور النشر ومن الأسواق ، ويمتنعون من إهدائها لآخرين ؛ بل قد يصل الأمر بهم إلى التأثر سلباً بتذكرها وذكرها ولا يريدون سماع أي شيء عنها . وكم من كتَاب أصبح كابوساً يطارده أينما ذهب وحيثما جلس ، وذلك بنقد بعض القراء والنقاد في إصداره الذي قد يتحول إلى “تهكم وسخرية وانتقاص “ وقد يَسمونه بصاحب الكتب الفاشلة أو الكاتب سيء السمعة ، يقال: أن الأدب مهنة الفقراء ، وهي أيضا مهنة الأغنياء، يتخذها الأديب الفقير نافذة لعرض معاناته وبؤسه ، أما الغني فيتخذها للتباهي وزيادة البريستيج ، والأدب والثقافة بشكلٍ عام سلاح ذو حدين، قد يكون لها آثارها الإيجابية أو السلبية على الكاتب والمجتمع ، وقد تكون الكتابة سبب تعاسة الأديب أو سبب سعادته ، وعندما يصل الحال بالأديب أن يكره مؤلفاته ويهرب منها فتلك علامة فارقة على إفلاسه. “عَمَس” الكتابة والتأليف قد تكون سبباً في معاناة الأديب نفسياً واجتماعياً ومعنويا ، فعندما يرى جهده وتعبه وسهره وقلقه لسنوات تذهب سدى؛ فإن شغفه في الكتابة يتحول لديه إلى فتور وكآبة، ومع الوقت يكره الكتابة، وهذه صور من نكوص بعض الأدباء واحجامهم عن مواصلة العطاء الثقافي والتأليف ، وميولهم للعزلة والصمت والاختفاء، ما لم يجدوا التشجيع والاحتفاء بهم ونشر عطاءهم وتسليط الضوء على إصداراتهم ودعمهم في توزيعها وتكريمهم والقضاء على الشللية التي تهمشهم وإيجاد مظلة للأدباء جميعاً يعمل الجميع تحتها أعضاء فاعلين ، لأن صدمة الأديب في فشل إنتاجه صدمة مؤلمة قد تُبعدهُ عن الساحة الثقافية إلى الأبد .