من أجل مكتبات شعبية.

لأن هناك عزوفًا كبيرًا عن القراءة، عالميًّا وعربيًّا، ومن مختلف الشرائح العمرية، فإن علينا أن نلاحق الناس بالكتب والمكتبات في كل مكان بدلًا من انتظارهم حتى يرتادوا المكتبات البعيدة عنهم. ومن الأفكار المفيدة في ذلك إيجاد مكتبات شعبية وغير مكلفة ومتوزعة في مختلف المواقع في كل مدينة وقرية. ويمكن أن تتخذ المكتبات أشكالًا متنوعة؛ منها حافلات كبيرة كالتي تستخدمها مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض، التي تسير رحلات إلى مختلف مناطق المملكة. ويمكن تطوير فكرتها بحيث يزداد عددها وتكون مستقرة في جميع مناطق ومحافظات البلاد طوال العام. ويمكن أن تحذو المكتبات الأخرى الكبيرة في المملكة حذو هذه المكتبة، حتى لو كان ذلك بواسطة حافلات صغيرة محملة بالكراسي والطاولات التي توضع بجوار الحافلات، حيث تتاح الكتب لعامة الناس للقراءة والاطلاع. فحينما تكون الكتب قريبة من الناس ويرونها يوميًّا- سواء كانت على شكل مكتبات عامة أو مكتبات للبيع- فإنهم يُقبلون عليها وتمتد أيديهم إليها، تمامًا كما يحصل في شارع المتنبي في العراق حيث الكتب مصفوفة في الشوارع في حر الصيف وبرد الشتاء، وفي سوق الأزبكية في مصر في محلات شعبية للغاية، وفي حفرة الكتب في المغرب، وكذلك في شارع الحلبوني في سوريا الذي توجد به أكثر من خمسين بسطة أرضية بكتب رخيصة. ولو صاحبت أمثال هذه المكتبات الشعبية فعاليات ثقافية وفكرية وترفيهية بسيطة ومتواصلة، مع مسابقات ولقاءات مع بعض الكتاب في حفلات توقيع كتب، فلربما أقبل الناس أكثر على الكتب وعالم الكتب. تُعد المكتبات الشعبية خيارًا مناسبًا لمختلف المجتمعات، حتى تلك التي تتمتع باقتصادات قوية؛ لأن أي فائض لديها يمكن أن يخصص لتنمية قطاعات أكثر أهمية، بدلًا من وضعها في مبان باذخة لمكتبات لا يرتادها إلا الباحثون والكتاب ونخبة المجتمع، في حين تبقى غالبية الناس، الذين هم أكثر حاجة إليها، بعيدين عنها. ويمكن لتكاليف مبنى واحد لمكتبة كبيرة مؤثثة ومجهزة (مع أهميتها) أن تجهز عشرات وربما مئات المواقع لمكتبات صغيرة ثابتة ومتنقلة، يمكن أن تستقطب شرائح اجتماعية أكبر وتحقق المطلوب منها، وتسهم في زيادة دقائق القراءة في مجتمعاتنا.