يوم التأسيس.. في البدء كانت الوحدة.

تأتي مناسبة يوم التأسيس لهذا العام في وقت تشهد المملكة فيه تأسيس واقعٍ وموقعٍ جديدٍ لها بين الكبار في الساحة السياسية الدولية. تأسيسٌ لمكانة لها تأثيرها وأثرها في هذا العالم. في الأيام القليلة ذاتها التي يتزامن فيها يوم التأسيس لهذا العام مع استضافة القمة الروسية الأمريكية بشأن الحرب في أوكرانيا إشارةٌ إلى أنه الإقرار بمكانة عاصمة القرار. لم يعد فقط القرار العربي.. وإنما العالمي الآن. تأسيسٌ من العدم، لكيانٍ بات ناراً على علم، متربعاً على القمم، ومتسيداً كل الأمم، وماضٍ في مسيره يفوح منه الإباء والشمم. المناسبة – وفي هذا التوقيت بالذات – تجعلنا نستشعر معاً درامية البدايات وقسوة التحديات.. الصعود والهبوط.. السقوط ثم النهوض.. إنها قصة نجاح القرن الحالي من الألفية الثالثة، لكن امتدادها يبلغ من العمر ثلاثة قرون. جديرٌ بهذه الحكاية أن تروى جيلاً بعد جيل، ويتشربها الصغار في التعليم؛ حكاية «كيف أصبحت هذه الصحراء القاحلة والقاتلة أنموذجاً مدنياً ناجحاً من بين كل التجارب المدنيّة والتنموية في العصر الحديث»؟ حكاية التحولات الكبرى والجذرية التي جعلت من هذه الصحراء نقطة جذب عالمية، ومداراً لأكبر الأحداث وأهمها. كل هذا يجعل للمناسبة في هذا العام طعماً خاصاً، ونكهةً مختلفة قليلاً لأنها ممزوجة بطعم النجاح. في غمرة الشعور بالنشوة لن ننسى من كافحوا واستشهدوا قديماً وحديثاً في سبيل توحيد هذه البلاد، أو في الذود عنها، طيلة ثلاثمئة سنة. الكثير الدماء الزكية التي بُذلت لهذه الأرض، منذ معركة «بُسل» وحتى الحرب مع الحوثيين في الحد الجنوبي. مسيرةٌ ممتدة من الفداء والبذل من أجل أغلى ما يملكه الإنسان وهو الكرامة في الوطن، وشهادةٌ ببطولة إنسان هذه الأرض، وانسجامه الاستثنائي مع قيادته. إنها أيضاً حكاية حب عمرها ثلاثة قرون! هذا هو يوم التأسيس.. صلةُ الماضي بالحاضر، وربطٌ لأجزاء الحكاية من أولها؛ من أجل تتويجها بالثمرة التي نتفيأ بركتها في هذه المرحلة، ولكن.. لا تزال الحكاية مستمرة.. لم ولن تنتهي فصولها بعد، وإنما هناك الكثير من المنعطفات الأكثر إبهاراً، ننتظرها، وينتظرها المستقبل.