الشعب السعودي والقضية الفلسطينية.

كانت قضية فلسطين محل اهتمام الملك عبدالعزيز، فعندما أراد البريطانيون – أثناء معاهدة جدة سنة 1345هـ 1926م – وضع مادة في الاتفاقية يعترف بموجبها الملك عبدالعزيز بمركز خاص لبريطانيا في فلسطين، رفض تلك المادة وتوقفت المحادثات حتى تنازل البريطانيون عن تلك المادة. ومنذ اندلاع أحداث الثورة الكبرى في فلسطين سنة 1355هـ 1936م وحتى صدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين الصادر في شوال 1366هـ سبتمبر 1947م كانت رؤية الملك عبدالعزيز لحل القضية تقوم على ما يلي: 1- وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين. 2- إصدار تشريعات لحماية أملاك الفلسطينيين. 3- حصول فلسطين على الاستقلال عن بريطانيا وضمان حقوق الأقليات الموجودة بها. 4- أن العرب ليسوا مسؤولين عما حل باليهود على يد النازيين. وحاول الصهاينة التأثير على تحركات الملك عبدالعزيز لدعم الفلسطينيين ومؤازرتهم عن طريق مشروع وايزمان الذي كان يقضي بدفع عشرين مليون جنيه إسترليني للملك عبدالعزيز مقابل ابتعاده عن قضية فلسطين، وقدم هذا المشروع بواسطة فيلبي فسخر الملك من المشروع(1). وبعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين في 16/ محرم سنة 1367هـ 29 نوفمبر 1947م أرسلت الحكومة السعودية مذكرتين إلى بريطانيا وأمريكا احتجاجاً على قرار التقسيم، وأمر الملك عبدالعزيز بفتح باب التطوع أمام السعوديين لنصرة إخوانهم في فلسطين، وأرسل الملك قوة نظامية من حوالي 1200 جندي تتألف من 6 سرايا مشاة وسرية رشاشات وسرية مدرعة للقتال في فلسطين بجانب الجيش المصري(2). كما تطوع عدد من الأهالي للجهاد مع الفدائيين الفلسطينيين، وأذكر بالمناسبة فهد المارك الذي التحق بحرب فلسطين وشارك بالجهاد مع عدد كبير من أبناء المملكة المقيمين بالشام للتجارة والذين يسمون بالعقيلات وغيرهم. وألف عدداً من الكتب بعد توقف المعارك عن القضية أذكر منها: (كيف ننتصر على إسرائيل؟) و(سجل الشرف) عن شهداء فلسطين و(افتراها الصهاينة وصدقها مغفلو العرب) وغيرها. وقد سمي شارع باسمه في مدينة طولكرم وعن تبرعات السعوديين لفلسطين بدءاً من التبرع بمائتي ريال إلى ريال واحد، وقد توالت التبرعات فيما بعد حتى تجاوزت الملايين. منها ما كان نقداً ومنها ما كان من المجوهرات الذهبية والفضية التي تبرعت بها النساء، وغيرها من المواد العينية. وكان يتكرر ذلك عبر سني الاحتلال الإسرائيلي وأثناء طغيانه. وفيما يلي استعراض سريع لبعض الصحف السعودية المبكرة ومتابعتها لأخبار فلسطين. ففي العدد 659 من الجريدة الرسمية (أم القرى) الصادرة يوم الجمعة 15 جمادى الأولى 1356هـ الموافق 23 يوليو سنة 1937م. نجدها تحمل العناوين الرئيسية البارزة (الشعب العربي السعودي يغضب لشقيقه في فلسطين.. المظاهرات في طول البلاد وعرضها- الإضراب يشمل جميع المتاجر والحرف والأعمال.. الهتاف بحياة فلسطين مسلمة عربية مستقلة.. برقيات الاحتجاج لدى المراجع العليا تهز أسلاك البرق في طول البلاد وعرضها). والعناوين الفرعية (المظاهرات والإضراب في المملكة العربية السعودية.. احتجاجاً على اقتراحات تجزئة فلسطين. هتافات المتظاهرين – تبادل الخطب بين المجتمعين – الاجتماعات في المساجد – برقيات الاحتجاج إلى المراجع العليا – إقفال المتاجر. تمهيد: « أذاعت المحطات اللاسلكية يوم الأربعاء الأسبق خلاصة تقرير اللجنة الملكية البريطانية عن المقترحات التي وضعتها بشأن فلسطين، وحملت إلينا الصحف العربية التي وصلت بعد ذلك ببضعة أيام، نص تلك المقترحات. وما كاد الناس يطلعون عليها ويقفون على نصوصها، ويتفهمون ما جاء فيها، حتى أسقط في أيديهم واستطارت ألبابهم، واستولى على نفوسهم الشديد المؤلم من الجزع والألم فقد اعتبروا تجزئة فلسطين التي ترمي إليها تلك المقترحات، نكبة ومصيبة لها ما بعدها. وما كاد يمضي على ذيوع هذا النبأ يوم أو يومان حتى كانت النفوس قد بلغت نهايتها من الأسى والفجيعة. وأصبحت مكة يوم الاثنين الماضي على حركة غير عادية، فقد اعتزم سكان العاصمة أن يعلنوا عن شعورهم ذاك، وأن يبلغوا صوتهم إلى الأمم المتمدنة بما يجول في نفوسهم، وبدؤوا حركتهم بالإضراب العام الشامل طيلة ذلك اليوم والقيام بمظاهرات سلمية يلفتون بها النظر إلى شعورهم. وما كادت شمس الضحى ويتناقل الناس هذا الخبر، حتى حملته أسلاك البرق إلى مختلف بلاد المملكة فكان من أثره أن اتصل الشعور واتقد الحماس، فأضربت المدن والقرى، واجتمع الأهلون في المساجد وطافو بدوائر الحكومة ومصالحها متظاهرين على ما يراه القارئ مفصلاً. وبدأ في وصف المظاهرات وطرق مسيرتها والخطب الحماسية التي ألقيت فيها بدءاً من مدينة الطائف. ثم العاصمة مكة المكرمة يليها مدينة جدة. والمدينة والجوف. وأضاف «ومن تحصيل الحاصل، وتكرار القول أن نحاول وصف ما جرى في سائر بلدان المملكة العربية السعودية من الإضراب الشامل والمظاهرات المتعددة التي جابت طول البلاد وعرضها، والهتافات الحماسية التي انشقت عنها حناجرهم». وخصصت الصفحتان الرابعة والخامسة من الصحيفة لبرقيات الشعب السعودي والمسؤولين والجاليات بمختلف طبقاته المرفوعة إلى جلالة الملك المعظم ونائبه احتجاجاً على مقترحات تجزئة فلسطين وتقسيمها. وقد أجاب جلالة الملك الجالية الفلسطينية بالقاهرة بما نصه: «وصلتنا برقيتكم وسنعمل كل جد للمساعدة على ما فيه تحقيق الأماني الوطنية إن شاء الله». واختتم وصف المظاهرات بقوله: «.. فقد يكفي القارئ أن يطلع على الوصف الموجز الذي كتبناه عن المظاهرات في الطائف ومكة وجدة، ليقيس عليه مدى اتقاد الشعور في نفوس الأهلين ويقدر بنفسه ما يستطيع تصوره من حرج الحالة في سائر بلاد المملكة العربية السعودية، فقد امتد إليها الشعور العام بامتداد أسلاك البرق وفي سرعته الخاطفة حتى عم كل مكان وكل قرية وكل ضاحية». كما ورد في العدد الأول من جريدة (صوت الحجاز) الصادرة بمكة المكرمة بتاريخ 4 ابريل 1932م من أخبار البلاد العربية: فلسطين «اشتدت الحالة في فلسطين وضجت البلاد لعدم نزول الأمطار مدة طويلة. وأقيمت في عدة مدن منها صلاة بالاستسقاء وطلب الرحمة من الله تعالى». فشل الحركة الصهيونية «ما زالت تتوالى الأنباء بفشل الحركة الصهيونية وتفكك وحدة الصهيونيين، وإيابهم بالفشل والخذلان». ص5. كما تنشر في عددها 266 الصادر يوم الثلاثاء 12 جمادى الأولى 1356هـ الموافق 20 يوليو 1937م. تصف الوضع في جميع أنحاء المملكة تحت عنوان رئيسي بارز (المظاهرات في المملكة العربية السعودية احتجاجاً على تقسيم فلسطين. أسواق مكة تسيل بجمهور الشعب – جدة والطائف والبلاد تضج صاخبة- أرباب الصنائع والحرف.. الحوانيت تقفل أبوابها- أبناء المدارس يضجون في الأسواق. أصوات الخطباء تثير حماس الأمة). وتنشر بالتفصيل أخبار المظاهرات التي جرت مع مواضيع مختلفة منها (في فلسطين) و(فلسطين المظلومة) وخلاصة تقرير اللجنة الملكية البريطانية. وبعد نشرها تفاصيل أخبار المظاهرات في مكة وجدة والطائف تواصل وصف ما جرى بالمدينة المنورة وينبع والوجه، وتفرد خبراً عن المظاهرات في الجوف «جاءنا من مراسلنا في الجوف ما يلي: في ثلاثة الأيام الماضية قام الأهالي هنا بمظاهرات ضد القرار الصادر في .. تجزئة فلسطين وحضروا أمام قصر الحكومة. طالبين من الإمارة رفع احتجاجهم لذلك.. للمواقع المؤلمة والاستياء مستول على نفوس جميع طبقات الشعب.. مراسلكم بالجوف». مع نشر برقيات الاستنكار المرفوعة لجلالة الملك من عدد من المسؤولين وأفراد الشعب. وفي العدد الأول من جريدة (الظهران) الصادرة بالدمام بتاريخ 26 كانون الأول 1954م يلقي الملك سعود كلمة بمناسبة مرور عام على تبوئه عرش البلاد، يقول فيه: «.. ونحن كعرب ذوي حق لا نطلب إلا أن يضع الناس أنفسهم في وضعنا ويتخيلوا برهة واحدة أنهم منا ليشعروا بفداحة مصيبتنا وسوء نكبتنا بفلسطين، ثم بألمنا العميق وجرحنا الدامي وتحرقنا المستمر مما يلاقيه إخواننا عرب فلسطين في هذه المحنة، التي لم يرو التاريخ لها مثيلاً.. فعلى الذين وجدوا هذا الداء الوبيل في جسم بلاد العرب إن أرادوا السلم والسلام لهذا الجزء الحساس من العالم أن يعترفوا بما اقترفوا من ظلم وأن يعالجوه بالوسائل الناجحة والدواء العاجل المحقق للشفاء، لا يمكن في الحال والاستقبال لا في محاولات فاشلة لإيجاد صلح بين العرب والصهاينة، لا يمكن أن يتم إذ لا يوجد عربي يجري في عروقه دم العروبة قبل مثل هذا الصلح على حساب العرب ولن يتم ذلك ان شاء الله..». وفي العدد السادس عشر من أخبار الظهران الصادر في 18 أيلول 1955م يُجري مدير وكالة الأنباء المصرية مقابلة مع جلالة الملك سعود، ويسأله عن خطة الصهيونية العالمية في الضغط على العرب وإحراجهم بحيث يقبلون نوعاً من التصالح مع إسرائيل. فيجيبه بقوله: «إن الصهيونية العالمية تؤلب اليوم جميع قواها السرية والعلنية لحمل العرب على كسر الطوق المضروب من قبلهم عليها لتتنفس وتعيش لتحقيق غايتها القصوى من التوطين الصهيوني في بلاد العرب، ومع الأسف أن الغرب بأسره واقع تحت ضغط الصهيونية العالمية، ولهذا فهو الذي يعينها على باطلها وهو المتحمس لسلامتها والمدافع عن كيانها على حساب العرب.. ولقد بحت أصواتنا ونحن نناشد الغرب التفكير في مغبة سياستهم الظالمة بالنسبة لحياتنا.. وواجب العرب ألا يزيدهم الغرب على هذه المحاولة الحمقى إلا عناداً وتصميماً وإيماناً بأن هذا لن يكون ما لم تزل جميع مظالمهم التي أصبحت معروفة ولا فائدة في إعادة تعدادها وذكرها، والرجل الذي يستطيع أن يمد يده لمصافحة إسرائيل ليس بعربي..». وفي العدد 22 الصادر في 16 كانون الأول 1955م يكتب ابن أحمد في زاوية (مع الأحداث) موضوعاً مطولاً عنوانه: (لن يحل مشكلة اللاجئين إلا العرب). وفي العدد 28 الصادر في 10 فبراير 1956م تحت عنوان (ليعلم الطغاة!!) يكتب عربي من القطاع الفلسطيني الأردني موضوعاً مطولاً يختتمه بقوله: «عاش كفاح الشعب العربي.. فلسطيني وأردني في سبيل طرد الانجليز من الأردن.. عاش كفاح الشعوب العربية جمعاء في سبيل الحرية والوحدة.. عاشت دول الأحلاف العربية.. مصر وسوريا والمملكة العربية السعودية.. قائداً ورائداً للعرب.. ع.أ». وفي العدد 38 الصادر في 31 يناير 1957م يكتب رئيس التحرير الأستاذ عبدالكريم الجهيمان افتتاحية العدد تحت عنوان (إسرائيل ليست عدونا الأول). ومنها قوله: إسرائيل إذاً ليست عدونا الأول بل عدونا الأول هو تلك الدول التي كونت إسرائيل.. عدونا الأول هو تلك الدول التي اعترفت بإسرائيل دولة شرعية بعد إعلان مولدها بساعات ولا أقول أياماً وشهوراً. وفي العدد 43 الصادر في 16 ابريل 1957م تنشر صور تحت عنوان (فظائع الصهيونيين ووحشيتهم) وتعبر عن القطائع المتكررة، التي لجأ إليها الصهيونيون إبان غاراتهم المتكررة على قرى نحالين والرهوة وقرندل وقبية الواقعة على الحدود الأردنية». وفي العدد الأول من مجلة (الخليج العربي) الصادرة بالأحساء في الأول من شهر سبتمبر 1956م تنشر دراسات في الأدب العربي الحديث، وتخصصه عن شاعر فلسطين (عبدالرحيم محمود شاعر الوطن الذبيح) ترثيه، ويستعرض الكاتب مروان الطاهر نماذج من شعره. يليه خبر من غزة «وقع اشتباك على الحدود المصرية على أثر توغل ثلاث سيارات إسرائيلية حوالي ستمئة ياردة داخل الحدود المصرية أثبت فيه الجيش المصري جرأته». ونجد في مجلة (الإشعاع) الصادرة بالخبر في شهر المحرم 1376هـ عباس مهدي خزام يكتب تحت عنوان (إسرائيل الجرثومة الخطرة)، ويشدو الشاعر سليمان الشريِّف بقصيدة ( فلسطين لبيك). وفي مجلة (الناصرية) صحيفة أنجال جلالة الملك سعود الصادرة عام 1378هـ يكتب الطالب عبدالرحمن بن أحمد آل سعود تحت عنوان: (فلسطين عربية وستبقى عربية) «الحديث عن فلسطين الحبيبة ذو شجون، تمتزج فيه شتى العواطف وأسماها، والعواطف من أقوى حوافز الإنسان، لذا نجد العرب جميعاً يتحدثون عنها بحب أكيد، ويذكرونها بألم وحسرة، ثم تداعب مشاعرهم الآمال المشرقة والأماني الحلوة القريبة، فيستولى عليهم الحقد الجارف والعزم والتصميم على تخليص فلسطيننا الغالية..» ويختتم مقاله بقوله: «نحن الشباب. شباب العروبة.. علينا أن نهيئ أنفسنا وأن نستعد من أجل فلسطين العربية، من أجل أن نخوض معركة الوطنية، من أجل أن نطرد أولئك المستعمرين المغتصبين من أجل أن نجليهم عن الأرض العربية الطيبة فلسطين.. من أجل ايماننا بأن فلسطين عربية، ويجب أن تبقى عربية إن شاء الله، وأن غدا لناظره قريب». وفي صحيفة (القصيم) العدد السادس الصادر في 5 يناير 1960م نقرأ قصيدة (سنعود..!!) للشاعر إبراهيم المحمد الدامغ.. نختار منها قوله: سنخوضها رغم الصهاينة العداة الهاربين سنخوضها حرب الجلاء ونطرد المستعمرين قدم العروبة في قلوب الثائرين الصاعدين لهب سيلتهم الطغات ويحرق المتحججين سنخوضها ونعود للوطن السليب مظفرين سنعود والأكتاف تكسوها زهور الياسمين والراية البيضاء تخفق فوق هام العائدين ونجد جريدة (الفجر الجديد) الصادرة بالخبر في عددها الأول 11 رجب 1374هـ تنشر قصيدة (أنات لاجئ.. إلى المشردين في أوطانهم) للشاعر عبدالرحمن محمد المنصور قيلت على لسان لاجئ عربي عندما شاهد عصابة يهودية تنقض على مدينته الآمنة (الناصرة) وتلهب ظهور النساء والأطفال بالسياط، بينما وقفت عصابة ثانية ترسل حمم النار على تلك المدينة، فقال هذا الشاعر الثائر باعثاً حقده وغضبه العارم، على تلك العصابة الآثمة التي اغتصبت وطنه العربي السليب فلسطين الشهيدة. وفي العدد الثاني الصادر في 25 رجب 1374هـ الموافق 19 مارس 1955م يكتب محمد الهوشان تحت عنوان: (دجال من وراء الأطلسي) يتحدث فيه عن (الفرد.م ليلنتان) مؤلف كتاب (ثمن إسرائيل) الذي قدم إلى شركة الزيت الأمريكية بالظهران ورغب في مقابلة والتحدث إلى نفر من (أبناء البلاد الأصليين) على حد تعبيره. قال إنه وجه له سؤالا: لا شك أن كتابك جعل العالم العربي يفهم أن هناك فرقاً بين (الصهيوني) و(اليهودي) ولكن هل هناك منظمة أمريكية تقاوم الصهيونية لها صحافتها القوية وكُتابها القديرون؟ وكأن السؤال لم يرقه.. فسأل عن سبب سؤالي هذا.. وانتهى الحديث بإبلاغ رسالته بأن أسلم وسيلة لحل هذه القضية هي الاعتراف بوجود إسرائيل على أساس التقسيم.. وإيجاد حلف عسكري واقتصادي بين الدولتين الفلسطينية العربية والإسرائيلية.. وأن تشرف الولايات المتحدة وانكلترا على هاتين الدولتين.. وانتهى اللقاء بعدم الاتفاق على خطته. وتنشر جريدة (البلاد) الصادرة بجدة في 24 شعبان 1374هـ تحت عنوان (جلالة الملك يوعز إلى(فلبي) بمغادرة البلاد..)، وتنشر في 22 رمضان 1374هـ 15 مايو 1955م أن سبب إبعاد فلبي (.. إذ كان يسمسر للصهيونية في هذه المملكة مما نشره هو في كتابه وأقره وايزمن على دعواه.. والمعلوم أنه قد أسلم قبل ذلك فقال الشاعر خالد الفرج بهذه المناسبة: الحمد لله ربي قد أسلم اليوم فلبي وذلك نصر عظيم نلناه من غير حرب ومن كفيلبي غُنم حُزنا به خير كسب والناس قالوا وقالوا كلام بغض وحب لكن منهم أديباً ربُ اطلاع ولُب يقول: ناقشت فيلبي فقال (سري بقلبي) وذكر سفير المملكة بلندن حافظ وهبة في كتابه (خمسون عاماً في جزيرة العرب) أنه قد كتب رسائل لجلالة الملك اعتباراً من 19 جماد أول 1356هـ 27 يوليو 1937هـ بشأن محاضرة المستر فيلبي- التي ألقاها بلندن- عن فلسطين، وتقريره أن العرب قابلون لهذا التقسيم، واعتراض المؤلف عليه، وأجابه الملك بأن الناس سيقولون إن هذا هو رأى ابن سعود، وأنت تعرف رأينا. ونحن نبرأ إلى الله من هذا الرأي الذي ذكره(3). وفي جريدة (البلاد السعودية) الصادرة بجدة. ففي العدد الصادر في 2/11/1377هـ نقرأ قصيدة للشاعر صالح الأحمد العثيمين بعنوان (فلسطين.. في ذكرى اغتصاب فلسطين) بدأها بقوله: سيوقد تلكمُ للذكرى الصدام ويغسل رجسها قوم كرام فإن نمنا على الأحقاد دهراً فأمجاد العروبة لا تنام وفي مجلة (اليمامة) التي تصدر من الرياض، في العدد الحادي عشر لشهر يونيو 1954م يكتب الأستاذ عبدالله بن خميس تحت عنوان (قضية فلسطين) يستعرض بداية تغلغل اليهود بتواطؤ من المستعمر الإنجليزي.. حتى تحل الكارثة لتخلق وعياً جديداً في العالم العربي.. ويختتم مقاله بـ «فلنتفاءل أكثر، ولنخلص لقضيتنا، ولنغذي هذا الشعور الذي يسود أمتنا ونفهمها أن النصر قريب أن شاء الله..». وفي العدد السادس لشهر فبراير 1955م نجد اليمامة تنشر موضوعاً عن (قصية فلسطين) من اسرار القضايا العربية الكبرى والذي تضمنه كتاب (حرب أم سلام؟) تأليف وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية جون فوستر دلس. والذي ترجمه الأستاذ ع.م لكي يطلع قراء اليمامة على شيء من خفايا هذه القضية. وفي كتاب (التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية) للأستاذ عبدالله عبدالجبار قال: « أما فلسطين الشهيدة فإن قصص البطولة والتضحية والفداء بها تكون ملحمة عظيمة مخضبة بالدماء! ملحمة يروى حوادثها الأسطورية زمر الأعداء والأصدقاء على السواء، وسوف ترويها الأجيال القادمة جيلاً بعد جيل حتى يوم المعاد. إن هذه النكبات التي مني بها الشعب العربي في فلسطين لم يزده إلا إيماناً بحقه السليب. وكان طبيعياً أن ينفعل الشعراء في قلب الجزيرة العربية كما انفعل شعراء العربية جمعاً بأحداث فلسطين.. وذكر منهم طاهر الزمخشري الذي أطلق (صرخة مدوية) في وجه النفايات الذليلة التي تبتغي لها داراً في مرابض الأسد العربية» (4). وفي مجلة (الجزيرة) الصادرة بالرياض ففي عددها الثاني لشهر مايو1960م وفي العدد الذي يليه نجد الأستاذ أحمد فرح عقيلان يكتب تحت عنوان (مئة وثلاثون يوماً في ظلمات الاحتلال الإسرائيلي) يصف فيه المحنة التي تعرضوا لها مطلع تشرين الأول سنة 1956م في خان يونس. وفي مجلة (صوت البحرين) يشارك الكتاب من المملكة – قبل صدور صحف في المنطقتين الشرقية والوسطى- فنجدها تنشر خبراً في العدد الثامن لشهر شعبان 1371هـ «تبدي الحكومة السعودية نشاطاً محموداً في مقاطعة الشركات اليهودية في العالم، فبالأمس القريب أعلنت أمانة عاصمة الحجاز أسماء الشركات اليهودية في – مانجستر- وها هي تعلن أسماء الشركات والمصارف اليهودية التي تعمل بحرية مطلقة في أراضي لبنان العربية، أما الشركات فهي: بنك زلخا، يعقوب اليا هو صفرا، نحما وبيضاء، سري دار، شركة تومي، نعيم ليفي. صامائيل عبادي، إيزاء وايلي ستون، حاييم نتنائيل. وفي العدد العاشر، شوال 1371هـ «نشرت الحكومة السعودية أسماء التجار المصدرين اليهود في بومباي وأبلغت كافة إدارات الجمارك بالمملكة بعدم تخليص البضائع التي ترد من هؤلاء التجار أو بواسطتهم، ونحن ننشر أسماء هؤلاء التجار ليطلع عليها من لم يطلع عليه في غير هذه الصحيفة. وفي العددان السابع والثامن لرجب وشعبان 1372هـ من السنة الثالثة. نقرأ «أخذت الحكومة السعودية على عاتقها الصرف على جميع الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون الطب في مصر مع مرتب شهري قدره 30 ديناراً لكل منهم، وقد عرض على هؤلاء الطلاب التعاقد مع الحكومة السعودية للعمل في جيشها مدة 15 سنة برتبة رئيس وبمرتب يبدأ بـ 200 دينار في الشهر» . «تخرج هذا العام في أمريكا 81 طياراً حربياً من فلسطين الذين يدرسون على نفقة الحكومة السعودية طيلة ثلاث سنوات وقد سلمتهم الحكومة السعودية بعد تخرجهم 18 طائرة حربية طاروا بها من أمريكا إلى جدة رأساً، يشكل هؤلاء نواة الأسطول الجوي الملكي السعودي». وفي العدد 12 لذي الحجة 1372هـم تنشر «جاءنا من الظهران أن شركة أرامكو تفكر في فصل جميع الفلسطينيين الذين يشتغلون لديها، وذلك أثر طلب تقدم به اثنان منهم بتزويد مدرسة رحيمة بمكيفات الهواء أسوة بالمدارس الأمريكية. ويقدر عدد الفلسطينيين في هذه الشركة بـ 1500 فإذا صح هذا النبأ ونرجو ألا يكون صحيحاً فإنه طعنة جديدة يسددها الاستعمار الأمريكي لهواء المشردين. وفي العدد السادس جمادى الثانية 1373هـ السنة الرابعة تنشر: «أصدرت الحكومة العربية السعودية أمراً إلى سفرائها ومفوضياتها بألا تسمح لأية طائرة مهما كان نوعها بالهبوط في الأراضي السعودية، بعد أن هبطت في أراضي إسرائيل، كما أنه لا يجوز لأية طائرة حلقت فوق الأراضي الإسرائيلية أن تحلق فوق الأراضي السعودية. وفي مجلة (الحج) العدد المزدوج الممتاز 11-12 لشهر جمادى الأول 1367هـ ابريل 1948م نجد وديع فلسطين يكتب عن القضية العربية الكبرى (فلسطين لأهلها.. أياً كان قرار المجامع اليهودية) ص127-129نختار من المقال: «لو كان في العالم عدل ولو معيار ذرة لما شهدت فلسطين ما تشهده من محن اليوم، ولا أعيت نطس أطباء السياسة حتى ظن أن علاجها يستعصي على الحل، وأن عقدتها أعسر من أن يمكن الاهتداء إلى فكها. فوجه الحق في قضية فلسطين بيِّن، ووجه الخطأ فيها بيِّن كذلك، فإن شعبها العربي ظل يقطنها نحو ألفين من الأعوام المتتالية لا يشاركه فيها أحد، وتعرض لغزاة من الخارج فطردهم وأقصاهم وشتت شملهم، وحاولت امبراطوريات أن تذله وتستعبده فأبى أن ينصاع لأمرها ورفض أن يعترف بما حققه الفاتحون من كسب وقتي. واليوم ينهض مشردون من جميع بقاع العالم يطالبون بأرض فلسطين زاعمين أنها أرض أجدادهم، وأن البريطانيين وعدوهم بمنحها بمقتضى وعد بالفور.. الخ». وفي العدد 13 من مجلة (الرياض) التي تصدر في جدة لشهر رجب 1374هـ يكتب رئيس تحريرها أحمد عبيد (لحظات حاسمة في حياة العرب) فيقول منها على لسان الملك سعود «.. أيها العرب هل ترضون أن تكونوا عبيداً بعد أن كنتم أحراراً.. هل تقبلون أن تكون بلادكم وبلادنا مسرحاً لحرب ضروس تقضي على استقلالنا، الغالب فيها غيرنا والمنتصر فيها سوانا ونحن لها حطب هشيم يوقدها غيرنا لينال غاياته وندفع نحن الثمن من حريتنا وسيادتنا بل من دمائنا وأعراضنا. هل ترضون أن تلتقوا أنتم والصهيونيون في حلف مشترك.. وزمالة سلاح.. فتقعون بذلك في العار الفظيع.. لقد عجز الأعداء عن حملكم على تحقيق هذا الصلح المشين فسلطوا عليكم بعضاً منكم يرغمونكم على ذلك ولوكره المخلصون.. الخ». يذكر الدكتور بكري شيخ أمين في (الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية) عن فلسطين وقضيتها الكاملة في الأدب العربي السعودي. وقال: «لا تمر حادثة عبر تاريخها إلا وريشة الفن تلتقطها، وتصوغها الصياغة الفنية الملائمة. ولقد أخذت من النتاج الأدبي القدح الُمعلّى،.. وقد تحدث أدباء الجزيرة العربية عن وعد بلفور، والتقسيم، واللاجئين، ونكسة حزيران، والضمير العالمي الهزيل، والسلام المزيف. وذكر نماذج مما قيل شعراً، ومنه ما قاله الشاعر إبراهيم الفلالي(5): وترعى عصبة خسئت على الأقدار مجلسها أصهيون لها دار وأرض العرب مغرسها متى كانت أوائلنا بعار الأرض توكسها وإن بلفور مَنّاها بأوطان يؤسسها أيعطيها مرابعنا أيحكمها ويخلسها أيعطي أرضنا فئة بأرجاس تدنسها سنمنعها بأسياف ونحميها ونحرسها ولا تخلو كتب الأدب من التطرق للقضية الفلسطينية، ويحسن بي الإشارة إلى مقطع قصير من قصيدة طويلة للشاعر عبدالله بن سالم الحميد بعنوان (الحجارة وسام الشهادة وسام الفرح ص258 بكتابه (القدس.. ذاكرة الماضي ورؤى المستقبل). قاتلوا عنّا.. نقاتل.. خلفكم – نحن نقاتل- . بالشعارات نقاتل بالخطابات.. نقاتل بالخلافات.. نقاتل بدم القتلى.. نقاتل باشتمال الشَّجب، والتنديد في حصون من صدى . صدئت رغم المدى شاخ فيها الذل، نساها الفدا. وللشاعر حسن القرشي قصائد باسم (لن يضيع الغد) يقول منها: ابلفور ضاع اليوم وعد الخنا البالي محاه غطاريف بنار وزلزال فلسطين أرض العرب مثوى بطولة لأجدادنا من كل أروع رئبال تسامت ثرى أن تستلين لغاصب وعزت شرى أن تستكين لختال والشاعر طاهر زمخشري يقول : ليس في الأرض للذليل ديار وفلسطين للعروبة دار وقرار التقسيم أسود داج وجلاء اليهود عنها نهار والشاعر أحمد قنديل يقول : أنا اللاجئ.. يا أماه من رأسي.. إلى قدمي فهل أحسست يا أما ه.. بالذل الذي بدمي أبعد الموطن المحبوب تصبح.. موطني.. خيمي وغيرهم كثير من الشعراء والكتاب والروائيين تناولوا القضية، نذكر منهم على سبيل المثال ما ذكره سحمي الهاجري في كتابه (القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية) «وفي قصة (الانتقام) لمحمد عبدالله مليباري يتعاون مقاتل مسلم وفتاة مسيحية على قتل اليهود في فلسطين، ويحاول الكاتب بذلك أن يوضح تكاتف المسلمين والمسيحين ضد العدوان الصهيوني. بينما نجد قصة (شبح من فلسطين) لسعد البواردي، تركز على حالة البؤس والمعاناة التي يشعر بها ساكنوا المخيمات الفلسطينية الذي أجلاهم الصهاينة عن ديارهم، وأثخنوهم بالقتل والتشريد. كما نجد في قصة (قلة نظر) لعبد الرحمن الشاعر، أن بطل القصة وجد أن الدفاع عن فلسطين هو خير طريق لتحقيق أحلامه الذاتية». والكل يُجمع على «الحرب والفداء. فقد وجد الأدباء أن قضية فلسطين لا تحل إلا على أرض فلسطين، وبالسيف والحديد والنار يُحقُّ الحق ويُزهق الباطل، وطلقة مدفع صائبة، أو غارة جوية محكمة، تفعل ما لا تفعله ألف شكوى وخطبة في مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهذا الحل هو الذي يجدي. ومن دون ذلك فليس إلا البقاء على الذل، والنوم على الهوان، إن سبيل النصر شوك ودم، فلا سياسة، ولا دبلوماسية، ولا مؤتمرات، ولا مفاوضات إلا الحرب، وهي التي تعيد فلسطين إلى العروبة»(6). وفي الختام أذكر أن وقع هزيمة العرب أمام إسرائيل في حرب 1967م كان شديداً ومؤلماً لنا جميعاً، فقد شكلت لجنة شعبية لإزالة آثار العدوان برئاسة سمو أمير منطقة الرياض وقتها- الملك فيما بعد سلمان بن عبدالعزيز- وتولى مسؤولية إدارتها الأديب عبدالله بن خميس، وذلك لجمع التبرعات المادية والعينية. وبادر الأهالي بجميع فئاته للمساهمة بما يجودون به، إضافة لحسم نسبة من رواتب الموظفين شهرياً بما يعادل 5% استمر لبضع سنوات وذلك لدعم منظمة التحرير الفلسطينية. ولا يخفى ما تضمنته كلمة الملك سلمان بن عبدالعزيز في افتتاح دورة مجلس الشورى منتصف عام 2024م والتي ألقاها نيابة عنه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي أكد أنه لن يتم الاعتراف بإسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية. المراجع : - موسوعة تاريخ الملك عبدالعزيز الدبلوماسي، مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ط1، 1419هـ، 1999م. - موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث – المقدمة، ط1، 2001، دار المفردات، الرياض. - القدس ذاكرة الماضي، ورؤى المستقبل. عبدالله بن سالم الحميد، دار الخنساء، للنشر والتوزيع- الرياض، ط1، 1430هـ. - الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية. بكري شيخ أمين. دار صاد بيروت، ط1، 1972م. - خمسون عاماً في جزيرة العرب، حافظ وهبة، ط1، البابي الحلبي القاهرة، 1960م. - التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، عبدالله عبد الجبار، ط1، 1959م – القاهرة. - القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، سحمي ماجد الهاجري، نادي الرياض الأدبي، ط1، 1408هـ، 1987م. الجرائد: - جريدة أم القرى العدد 659، 23 يوليو 1937م. - جريدة صوت الحجاز العدد 1 بتاريخ 4 ابريل 1932م. والعدد 266 في 20 يوليو 1937م. - جريدة أخبار الظهران العدد 1، 26 ديسمبر 1954م، والعدد 16 في 18 سبتمبر 1955م، والعدد 28، والعدد 38، والعدد 43. - جريدة القصيم العدد 6، 5 يناير 1960م. - جريدة الفجر الجديد العدد الأول 11 رجب 1374هـ والعدد الثاني 19 مارس 1955م. - جريدة البلاد 24 شعبان 1374هـ، والعدد الصادر في 15 مايو 1955م. - جريدة البلاد السعودية الصادر في 2/11/1377هـ. المجلات: - مجلة الخليج العربي – سبتمبر 1956م. - مجلة الاشعاع محرم 1376هـ. - مجلة الناصرية عام 1378هـ - مجلة اليمامة العدد 11 شهر يونيو 1954م. - مجلة الجزيرة العدد 12 شهر مايو 1960م. - مجلة صوت البحرين العدد 8 شعبان 1371هـ، والعدد العاشر، والعدد 7 و 8 رجب وشعبان 1372هـ والعدد 12 لذي الحجة 1372هـ، والعدد السادس لجمادي الثانية 1373هـ. - مجلة الحج العدد 11-12 ابريل 1948م. - مجلة الرياض العدد 13 رجب 1374هـ. هوامش (1) انظر (موسوعة تاريخ الملك عبدالعزيز الدبلوماسي، ص70. (2) انظر موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث، المقدمة، ص48-49. (3) خمسون عاماً في جزيرة العرب، حافظ وهبة، ص156-159. (4) التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، عبدالله عبدالجبار، ص343-345. (5) الحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية، بكري شيخ أمين، ص337. (6) القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية، سحمي الهاجري، ص270، 336.