يوم التأسيس.. ملحمة وحدة وصمود وأمل.

مع إشراقة كل عام جديد، تهب رياح التاريخ لتمسح غبار الزمن، كاشفةً عن صفحات مجدٍ رسمت ملامح أمة خالدة.” فيوم 22 فبراير ليس مجرد تاريخ عابر، بل هو بشارة لميلاد وطنٍ جديد، تشكل من رماد التشتت، ليُصبح موئلًا للوحدة، ومهدًا للاستقرار. في هذا اليوم المجيد، نستذكر الدور الحاسم لذاك الرجل العظيم “الإمام محمد بن سعود” الذي أسس “الدولة السعودية الأولى” في عام 1139هـ -1727م، حين كانت “الجزيرة العربية” قبل أن تشرق شمس الوحدة وتنسج خيوطها الذهبية على ربوعها الشاسعة، تائهةً في ظلام التشرذم ودروب الضياع، وغارقة ً في بحور الفرقة وأهوار الاضطراب. كانت كالقلب الذي أضناه الفراق، تبحث عن نبض يجمع شتاتها ويحيي مجدها من جديد. قبل أن تبزغ شمس الوحدة، كانت “الجزيرة العربية” تعيش حالةً من التيه والضياع، قبائل متناحرة، وأقاليم متناثرة، لا قاسم بينها إلا الألم، ولا مشاعر تجمعها سوى المعاناة. وصف الرحالة “ناصر خسرو” في كتابه “سفر نامه” تلك الحقبة – البائسة - قائلاً (إن على كل جهة رئيسًا أو سيدًا مستقلًا، ويعيش الناس على السرقة والقتل، وهم في حرب دائمة بعضهم مع بعض. والسكان فقراء جدًا وبؤساء، ومع فقرهم فإنهم في كل يوم في عداء وسفك دماء، والناس جياع، ويلتزمون حمل الترس والسيف إذا ذهبوا إلى الصلاة). كانت الحياة آنذاك صراعًا يوميًا من أجل البقاء، فقد كانت “الجزيرة العربية” تترنح بين أزمات الفقر وانعدام الأمن. وكان “العالم العربي” يرزح تحت وطأة “الدولة العثمانية” ذلكم الحكم المتسلط، الذي سلب الشعوب حريتها مغلقًا دونها أبواب الأمل، فلم يكن هناك بصيص نور سوى في قلوب أولئك الذين آمنوا بأن فجرًا جديدًا لابد أن يُشرق وسط هذا الظلام الموحش، وأن التغيير ممكن، حيث ظهر “الإمام محمد بن سعود” قائدًا ملهمًا، امتلك الرؤية الثاقبة والعزيمة التي لا تلين، ليُعلن ولادة دولةٍ جديدة، تقوم على أسس العدل والإنصاف، وتتمسك بعرى الأمن والإيمان. لم يكن الطريق أمامه معبدًا بالورود، بل كان مفروشًا بالتحديات الجسام، حيث واجه “الإمام” رحمه الله - مقاومة شرسة من القوى التي اعتادت العيش في ظل الفوضى والانفلات، لكنه بقوته الإيمانية وبذكائه السياسي، استطاع توحيد الصفوف، فكانت دعوته “لا إله إلا الله محمد رسول الله” ليست مجرد شعارًا يُردد بلا وعي بمضامينه السامية، بل نداءً لإعادة بناء جسور الثقة، وجمع الشتات في وحدةٍ لم تشهدها الجزيرة من قبل. كانت رؤية الإمام المؤسس “ محمد بن سعود” أكبر من مجرد تأسيس دولة، بل كانت إعادة إحياءٍ لهويةٍ تاهت في زحام الأزمات. فامتدت إصلاحاته لتشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، داعيًا إلى العدل، ليبعث الأمل في قلوب أنهكها الفقر، ويشعل النور أمام عيون أعماها الظلام، فلم يكن مشروعه الحضاري منعزلًا عن العالم، بل كان جزءًا من حركةٍ عربية أوسع، تسعى إلى التحرر من نير الاستعمار، والانعتاق من وطأة الاستبداد. إن تأسيس “الدولة السعودية الأولى” ليست مجرد خبرٍ يروى، بل درسٌ خالد في الحكمة والقيادة، وخارطة طريق لبناء الأمم من رحم الألم. واليوم، ونحن بين يدي “يوم التأسيس” المُؤثََّل، لسنا بصدد إحياء ذكرى مضت فحسب، بل نستمد منه العزم لمواصلة البناء، ونعيد التأكيد على أن الوحدة هي سر بقاء الأوطان، وأن المستقبل يُصنع بسواعد من يُؤمنون بأن النهوض ليس خيارًا، بل قدرٌ تفرضه عزيمة الأحرار. وسيظل يوم التأسيس جسرًا يربط الماضي بالمستقبل، مذكرًا بأن المسيرة لم تكن سهلة، لكنها كانت ضرورية، وأن الأمم العظيمة لا تُبنى إلا على أسس الصمود والإيمان بوحدة المصير. وفي ذكرى هذا اليوم الأغر - نُجدد العهد بأن الوطن سيبقى منارةً تُضيء دروب الأمل، وقصةً تروى للأجيال عن رجالٍ صنعوا المجد، وأرسوا دعائم أمةٍ تستحق أن تتربع على عرش التاريخ. في الختام، لا يسعنا إلا أن نشيد بل نفخر بالجهود العظيمة التي يبذلها “خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز “حفظه الله ورعاه - وولي عهده الأمين، رئيس مجلس الوزراء “صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان” سلمه الله - في تدعيم أسس الدولة التي أرسى دعائمها “الإمام محمد بن سعود” رحمه الله - فمن خلال رؤيتهما الطموحة، وإصلاحاتهما الرائدة، باتت “المملكة العربية السعودية” نموذجًا يُحتذى به في التنمية والاستقرار، متطلعةً بثبات نحو مستقبل أقوى نماءً، وأكثر ازدهارا، حيث يَكْتُب التاريخ - من جديد - بسواعد أبناء “المملكة” المخلصين، وإرادة قيادتها الحكيمة ملحمة وحدة صمود وأمل.