
جاء النقيب جورج فورستر سادلير مبعوثا للحاكم البريطاني في الهند بهدف مقابلة إبراهيم باشا للتحالف معه ضد القواسم، وكان ذلك في السنة التي أتم فيها ابراهيم القضاء على الدولة السعودية الأولى بوحشية منقطعة النظير. دون النقيب يوميات رحلته، وقد صدرت في كتاب بعنوان “من القطيف في الخليج إلى ينبع في البحر الأحمر خلال عام ١٨١٩ “ ترجمه عدنان السيد محمد العوامة. أمل سادلير أن يلتقي الباشا في الأحساء، لكن إبراهيم كان قد ارتد عائدا الى جدة، فتابع سادلير رحلته وراء الباشا ضمن قافلة الجيش التركي المنسحب. شاهد آثار الدمار التي ألحقها جيش ابراهيم بالدرعية وغيرها وسمع من شهود العيان عن فظائع الغزو المصري - التركي، والمخازي التى خلفها وراءه. مرت القافلة بمنفوحه والرياض وكلتاهما هرب إليها بعض سكان الدرعية، ورغم البؤس الذي بدت عليه البلدتان فقد رفضتا استقبال القافلة لأنها تحت قيادة ضابط تركي، وأخيرا قبل أهلها تزويد القافلة بالمؤن مقابل أسعار مرتفعة. أشار سادلير إلى وفرة مياه البلدتين وكثرة بساتين نخيلها، وذكر أن محصولهما السنوي من التمور قد استُهلك من قبل القوة التركية. وخلال اقامتهم في منفوحة علم سادلير بغدر الباشا بأربعة من شيوخ آل سعود، سبق أن شملهما برحمته، وتعهد بحمايتهما في المستقبل، إلا أنه عند انسحابه أمر مأمور الملابس بقتلهما، فدعاهم إلى وليمة تم فيها اغتيالهم. يصف مدينة شقراء بأنها تقع على ارض منخفضة وفيرة المياه والنخيل، صمدت ثمانية أيام داخل سورها أمام جيش الباشا، تم تحطيم السور، لكن المدينة بقيت عامرة. وعندما وصلوا مدينة عنيزة وجدوا أن انتقام الباشا قد حولها إلى دمار، مدينة عنيزة حاضرة القصيم، تتوسط الطرق إلى البصرة في العراق، والخليج والبحر الأحمر والمدينة وبلاد شمر. وبالتالي فهي مركز الجزيرة العربية من المنظور الجغرافي والتجاري والسياسي. وقد التقى سادلير فيها تجارا قدموا من الكويت ومن الزبير. في الطريق إلى المدينة مروا بواد غزير المياه يقول سادلير أن الوادى ما زال مكسوا بهياكل الوهابيين العظمية بعد المعركة التي انتصرت فيها جيوش الباشا على أرضها. يكتب سادلير أنه في ختام حديثه عن مهمته سيعرض من خلال مذكرات دونها، روايات أحسن الممثلين المطلعين على مسرح عمليات الباشا الأخيرة في الجزيرة العربية. وهذه هي روايته: قام الباشا بتجنيد كثير من المتطوعين سخرة وتكليف كل منهم باصطحاب جمل محمل بالمؤن على حسابهم، وخلال الحملة لم يكن الحصان المصري ندا للحصان العربي ما أدى إلى إلزام الجنود بالحصول على أحصنة من السوق المحلي لم تتحمل حكومة الباشا أيا من نفقاتها، وعندما وصل الباشا إلى ينبع في طريقه نحو المدينة قرر أن يعتزل مباهج باخوس (الخمرة) وأمر بإتلاف كل المخزون الذي حمله معه من القاهرة. عسكر في ينبع وطلب من قبيلة جهينة وأفخاذ من قبيلة حرب أن يزودوه بالجمال، ومن ثم أرسل قوة ضد جهينة اقتادت ألفا من جمالها وألفين من مواشيها وقتلت مائة وخمسين من رجال القبيلة، أما فريق الباشا فجُرح منه اثنان فقط. ومن هذه الحادثة يمكن تقدير عدم التكافؤ بين الفريقين. خسر الباشا أربعمائة من رجاله ماتوا بسبب سوء الظروف الصحية حول المدينة، ثم تقدم إلى الحناكية ومن هناك أرسل قوة ضد قبيلة حرب، استولت على ألف وخمسمائة جمل، واستولى جنوده على ستة آلاف رأس من الماشية، وكمية كبيرة من التمور. وهنا وتفاديا للعقوبات التحق بجيشه كثير من شيوخ البدو وأفرادهم، فأرسل مفرزة ضد قبيلة عتيبة التي تقيم بين مكة والدرعية، فلاذوا بالفرار مع مواشيهم وجِمالهم، لكنه استطاع أسر سبعين منهم، فأقام لهم مجزرة بسيفه هو. وكان هذا أمرا مميتا لجنده بسبب نقص المؤن والخيام، إذ قام البدو بردم آبار المياه، وإتلاف كل ما لم يقدروا على حمله عند هربهم، بعدها جرد حملة ضد قبيلة شمر ضمت ستمائة من سلاح الفرسان، كلفها بحماية المؤخرة ودفع بقوة مكونة من ألف من فرسان البدو وخمسة آلاف آخرين على جمالهم. قًتل من البدو مائتان وجرح ثلاثمائة وفقدوا عددا كبيرا من خيولهم وجِمالهم، أما جنده فقتل خمسة وجُرح عشرة. وأدرك البدو أنهم تعرضوا لخداع شنيع. أمر الباشا قائده “ أوزون علي” بالزحف إلى موضع الماوية وهناك اقتتل مع جنود الدولة السعودية، انتصر جند الباشا، وعندما وصل إلى أرض المعركة أعدم جميع الأسرى، وتم قطع آذانهم وإرسالها إلى القاهرة ويقال إن عدد القتلى من جيش عبدالله بن سعود كان أكبر من عدد قوات أوزون على، أُجبر الأمير عبدالله بن سعود على التراجع إلى الرس ثم إلى الدرعية. تجمع عندها للباشا تعزيزات قُدر عدد أفرادها بألف وأربعمائة متطوع، و ستمائة من سلاح الفرسان ومئة من رجال المدفعية، وأربعمائة متطوع مغربي، وتسع قطع من المدفعية. تجهز الباشا لحصار الرس وقام بالإغارة على إحدى القبائل البائسة المنسوبة إلى عنزة. والسبب أن القبيلة تأخرت في اللحاق بجنوده، فقد أعطيت مهلة ثمانية أيام فقط، لقي الباشا القبيلة أثناء سيرها للانضمام إليه، لكنه لم يقبل عذرها، وجردها من قطعان مواشيها كلها، وقسمها على الجند الذين وصلوا من القاهرة للتو. تجلى سوء الإدارة في هجومه على الرس، فقد أمر المدفعية بنسف السور، قبل أن تتوفر الحماية لجنوده فاصطادهم رصاص المحاصَرين، وبلغت الخسارة في جنده عشرة أضعاف خسارة اهل الرس، استمر قصف سور الرس ثلاثة أيام فتهدم أكثره، وهنا أمر الباشا بردم الخندق المحيط بالسور، ردموه بالقش وجريد النخيل، وأمر ستمائة من المتطوعين بالهجوم، فمن سقط منهم في الخندق لم يتمكن من الصعود، وهنا أمر مماليكه بإطلاق النار على كل من يتراجع من جنده. فحصلت مقتلة كبيرة، وحُرم الذين قُتلوا من جنده من الدفن عقابا. استمر حصار الرس ثلاثة أشهر وكلف كثيرا من المال منها أربعمئة حِمولة جملٍ من ذخائر بندقية المشاة، وبددت المدفعية ثلاثين ألف حشوة من الذخائر، قُتل من جنده تسعمائة رجل وجُرح ألف، فيما قُتل من أهل الرس خمسون فقط، وأخيرا حصلت تفاهمات، مُنع جنده من دخول الرس، و فُرض عليهم ألا يأخذوا شيئا من المؤن إلا بثمنه، وتعهد أهل الرس أن تبقى مدينتهم على الحياد. توجه الباشا بعد ذلك إلى الخبراء وعنيزة و بريدة فدخلها بعد حصار قصير، وأما ضرما فقد تم التفاهم بعد حصار أربعة أيام على أن يغادرها جنود عبدالله بن سعود دون أسلحتهم، ولكن الباشا أمر جنوده بذبح سكان البلدة فاستمروا يمارسون جرمهم سبعة أيام ، وكان يعطى كل جندي مقابل كل أذنين خمسة كرونات ألمانية، فملأ الجند محافظهم بالنقود. ثم وصل إلى الدرعية فحاصرها، وطال حصارها وتفرق كثير من الجند عن أميرها عبدالله بن سعود، فلجأ الأمير مع مئتين من جنده إلى حصن عائلته، ثم طلب الصلح، على أن يُؤمَن هو وأفراد أسرته وجُنده والبلد وأهلها، تعامل الباشا معه بغطرسة، وأخذه وأفراد أسرته وعائلاتهم معه في طريق العودة إلى القاهرة، هرب مشاري بن سعود، لكن الباشا المرهق لم يبلغ أباه بذلك خشية أن يؤمر بملاحقته، ويقدر سادلير أن عبدالله بن سعود لو ابتعد عن الدرعية وانتهج حرب العصابات لربما نجا، بعدها أخذ الجند يبتزون أهل الدرعية، لم يجدوا شيئا في القصر يستحق أن يُنهب، كان فيه فقط مجموعة من المصاحف. يقول سادلير أن الباشا اتبع أسلوبا جديرا بالتأمل لمصادرة الأموال، أخفى أنه تلقى أوامر الباب العالي بتدمير الدرعية. وأعلن انه يعتزم أن يعيد البساتين لأصحابها على أن يفتدوها، ومن هنا عرف ملاك البساتين وألزمهم بدفع أموالٍ فداءً لبساتينهم، ثم نفذ الأوامر بتدمير الدرعية كل مبانيها وبساتينها. وقد علم سادلير أن الحجاج العائدين إلى الخليج والبصرة قد عوملوا أسوأ معاملة، سُرق كل ما لديهم و مات كثير منهم من الإعياء، رغم أن الشاه الفارسى قد أرسل هدايا إلى محمد على وأموالا إلى إبنه ابراهيم مقابل حماية الحجيج الفارسي، ولكن جنود إبراهيم حموهم في ذهابهم من مكة إلى المدينة ثم إلى الحناكية، ولم يجرؤوا على التقدم شرقا خوفا من البدو وتركوهم لمصيرهم السيئ في الطريق. عند الدرعية كتب في مذكراته: دمر سعادته الدرعية تدميرا تاما، ولم يًبق من ذلك المكان إلا آثارا قليلة، وبما أنه لم يكن ينوي حماية هذا المكان صار من الضروري تحويله إلى خرائب . تفاوض محمد على باشا مع إمام صنعاء على أن يعيد اليه المناطق التي كانت تحت حكمه ودانت لأتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مقابل أتاوة قدرها مائة ألف دولار سنويا فوافق. بالطبع تحتاج هذه المعلومات إلى أن تحقق تاريخيا وعلى الأغلب فإن معظمها صحيح، وهنا نرى قيادة انتصرت عسكريا، ولكنها كانت تعمل بمجموعها عمل قطاع الطرق والمجرمين.، كسب عسكري مع سقوط أخلاقي وإنساني، خسر جنود الدرعية لكنهم انتصروا إنسانيا وأخلاقيا ولا عجب إذ استعادوا بعد قليل حكمهم ورسالتهم الإسلامية والأخلاقية.