المجلس.. مكانة متأصلة في الذهنية السعودية.

يعد المجلس رمزيــة للتآلــف والتقــارب بيــن أبنــاء المجتمــع، وأحــد المنابــع الاساسية لتعليــم الأعــراف والتقاليــد، وجـزءًا مـن الحياة اليوميـة ومـا يسـتجد فيها مـن أمـور، وموطن النقاشات الثقافيــة والعلميــة والاجتماعيــة والاقتصاديــة، مما أضفى عليها التنوع، فضلًا عن مكانته التي يكتسبها بحسب مرتاديه، وكذلك تختلف تكوينها وطريقة بناءها من مكان إلى آخر في المملكة العربية السعودية. ونعلم أن ثقافة المجالس لهــا جــذور متأصلــة فــي التاريــخ الســعودي، خلقت لها مكانة فـي الذهنيـة والذاكـرة الشـعبية السعودية، وهو ورمز شعبي له قدره لدى الحاكم والرعية باختلاف طبقاتها الاجتماعية، ولزامًا ألا ننس في مستهل ما ذُكر دورها المهم في توثيق العلاقة بين الحاكم الشعب، وتوطيد الولاء والانتماء وتقديم فروض البيعة والطاعة، فكان ان جمعت ووطدت ووثقت. يذكر موقع يوم التأسيس أن في عهــد الدولــة الســعودية الأولى، والتوسع الكبير الذي شهده عهـد الإمـام سـعود بـن عبـد العزيز، كان مجلسـه لا يـكاد يخلـو مـن كبـار الأمراء ومشـايخ القبائـل، إضافـة للوفـود التـي تأتي إلـى الدرعيـة، فقد كان الإمـام سـعود يعقـد ثلاثة مجالـس للاسـتقبال؛ موزعـة علـى ثـلاث فتـرات فـي اليـوم، وهـي: مجلـس فـي الصبـاح الباكـر، ومجلـس فـي العصـر، ومجلـس فـي الليـل. وكان هنــاك مجلــس خــاص يجتمــع فيــه مــع أبنائــه بعــد العشـاء، ولـم يكـن يخلـو مـن الضيـوف أيضـًا، وتحمل برنامـجًا خـاصًا يبـدأ بقـراءة القـرآن الكريـم والحديـث النبوي والتفسـير، وقـد يلقـي خلهـا بعـض العلمـاء محاضـرات أو دروس، مع بعـض المناقشـات والمناظـرات التـي يشـارك بهـا الامام سـعود بـن عبـد العزيـز؛ وتسـتمر لمـدة سـاعة واحـدة، ثـم ينصـرف عمـوم النـاس ويبقـى مـن لديـه أعمـال ليعرضهـا فـي السياسـة أو التجـارة أو غيرهـا. كمـا كان يجتمـع فـي مجلـس الامام سـعود عـدد مـن الشـعراء لإلقاء القصائد علـى الامام، فيقــوم بــدوره بتكريمهــم، إضافة إلى مجلــس مختصــر حيــن يريد الامام أن يتحـدث مـع شـخص مـا علـى انفـراد، ويكـون غالبًا بجانـب المجلـس الكبيـر. ولنا في مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم المثال وتوافد القبائل امًا مؤيدة أو مستسلمة، علاوة على ما كانت تحظى به من علم في الدين والدنيا، الأمر الذي يؤكد تأصلها وفرض نفسها واقعًا مقبولًا مطلوبًا لا غنى عنه. ويظهـر أن التنافـس فـي المجالـس صـورة مصغـرة للتنافـس فـي باقـي مجـالات الحيـاة السياسـية والاجتماعيـة وغيـره، وتحمـل دلالات ثقافيـة وتراثيـة قديمـة، وذات علاقة بالمكانـة والوجاهـة الإجتماعيـة، ولحاجـة البعـض إلـى الاعتراف الاجتماعـي بمكانتهـم مـن قبـل فئتيـن فـي المجلـس همـا: فئـة الكبـار الذيـن يتصـدرون المجلـس، والفئـة الشـعبية الكثيـرة العـدد، التـي تمنـح الاعتـراف الخفـي مـن خلال إعجابهـا بالفـرد، أمـا مجالـس العامـة مـن النـاس فغالبـا مـا تـدور حـول شـؤون الحيـاة ومـا يطـرأ مـن أحـداث اقتصاديـة أو سياسـية واجتماعية وللشعر والأدب والقصـص والحكايـات نصيـب وافـر مـن هـذه المجالـس.