يوم التأسيس السعودي..

مسيرة ثلاثة قرون من الوحدة والنهضة والتطور.

يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى تاريخية تُحتفى بها، بل هو قصة وطن امتدت جذوره لقرون وشهد مسيرة طويلة من التحديات والانتصارات التي شكلت حاضر المملكة العربية السعودية وجعلتها اليوم واحدة من أقوى الدول وأكثرها تأثيرًا في المنطقة والعالم. تعود بدايات هذه المسيرة إلى عام ألف وسبعمائة وسبعة وعشرين ميلادي، عندما وضع الإمام محمد بن سعود اللبنة الأولى للدولة السعودية الأولى، لتتحول الدرعية إلى نقطة انطلاق لمشروع وطني هدف إلى تحقيق الاستقرار والوحدة في منطقة كانت تعاني من الانقسامات القبلية والاضطرابات السياسية. لم يكن تأسيس الدرعية مجرد إقامة كيان سياسي جديد، بل كان تحولًا جذريًا في تاريخ الجزيرة العربية، حيث نشأت دولة قوية استطاعت فرض الأمن وجذب السكان الباحثين عن الاستقرار والازدهار. تحدث المؤرخون والمستشرقون عن أهمية هذه المرحلة التاريخية، حيث أشار المؤرخ البريطاني روبرت لاسي في كتابه “المملكة من الصحراء إلى السلطة” إلى أن تأسيس الدولة السعودية الأولى لم يكن مجرد تحول سياسي عابر، بل كان نقطة تحول رئيسية وضعت الأساس لمملكة قوية ومستقرة استمرت عبر الزمن حتى أصبحت قوة إقليمية وعالمية. أما المؤرخ الفرنسي جان جاك بيربي فقد أكد على أن الإمام محمد بن سعود أسس دولة مركزية قوية في منطقة اعتادت على الانقسام القبلي، مما جعل الدرعية تمثل نواة حكم صمدت أمام تحديات كثيرة، وأصبحت نموذجًا للوحدة والاستقرار. رغم التحديات الداخلية والخارجية، لم تتوقف الدولة السعودية الأولى عن النمو والتوسع، لكنها واجهت صعوبات أدت إلى سقوطها، غير أن الفكرة لم تمت، وظل السعوديون متمسكين بحلمهم في إعادة إحياء دولتهم. وبعد سنوات من التحديات، جاء الإمام تركي بن عبدالله ليعيد بناء الدولة السعودية الثانية على الأسس نفسها التي وضعها الإمام محمد بن سعود، مؤكدًا أن هذا الكيان لم يكن مجرد مرحلة عابرة، بل هو مشروع مستدام يعكس تطلعات أبناء الجزيرة العربية في تحقيق الوحدة والاستقرار. لكن هذه الدولة الثانية، رغم قوتها، لم تستمر طويلًا بسبب النزاعات الداخلية والتغيرات السياسية، إلا أن روح الوحدة والإصرار التي زرعها القادة الأوائل ظلت متقدة حتى جاءت اللحظة الفاصلة في التاريخ الحديث، عندما ظهر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ليكمل المسيرة ويوحد البلاد تحت راية واحدة. مع بداية القرن العشرين، بدأ الملك عبدالعزيز رحلة توحيد الجزيرة العربية، حيث استطاع بحكمته ودهائه السياسي أن يعيد بناء كيان الدولة على أسس أكثر قوة واستدامة، ليعلن في عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين ميلادي تأسيس المملكة العربية السعودية. لم يكن هذا الإعلان مجرد توحيد جغرافي، بل كان تتويجًا لمسيرة طويلة من الكفاح والتخطيط الدقيق لإرساء دولة حديثة تجمع بين التراث والتطور. وصف المؤرخ الأمريكي كليفورد بوسورث في موسوعته “تاريخ الشعوب الإسلامية” هذه المرحلة بأنها لم تكن مجرد إعلان دولة، بل كانت تحولًا جذريًا في تاريخ الجزيرة العربية، حيث استطاع الملك عبدالعزيز فرض الاستقرار في منطقة عانت من الفوضى لعقود طويلة. لم يتوقف البناء عند هذا الحد، بل بدأ الملك عبدالعزيز وأبناؤه في وضع أسس النهضة الشاملة، فتم إنشاء المؤسسات وتطوير البنية التحتية وتعزيز قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد، مما جعل المملكة خلال عقود قليلة تتحول إلى قوة إقليمية وعالمية ذات مكانة سياسية واقتصادية مؤثرة. أكد المؤرخ البريطاني مايكل كروفورد في دراسته عن تاريخ نجد والحجاز أن المملكة لم تولد فجأة، بل كانت نتيجة لمسيرة تاريخية بدأت منذ عام ألف وسبعمائة وسبعة وعشرين ميلادي، عندما وضع الإمام محمد بن سعود اللبنات الأولى لواحدة من أكثر الدول استقرارًا في العالم العربي اليوم. ومع دخول المملكة إلى القرن الحادي والعشرين، بدأت مرحلة جديدة من التطور والنهضة قادها الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حيث أُطلقت رؤية السعودية 2030، وهي امتداد لروح التأسيس الأولى ولكن بحلة حديثة تتماشى مع تحديات العصر. جاءت هذه الرؤية لترسم ملامح مستقبل مشرق يرتكز على التنويع الاقتصادي، وتمكين الشباب والمرأة، وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا، واستثمار الطاقات الوطنية في بناء مجتمع مزدهر قادر على المنافسة عالميًا. أصبح العالم يشهد نهضة غير مسبوقة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المملكة، مما جعلها نموذجًا فريدًا يجمع بين الإرث التاريخي العريق والتحديث المستمر لمواكبة المتغيرات العالمية. يوم التأسيس ليس مجرد ذكرى للاحتفال، بل هو مناسبة لاستلهام العبر والدروس من رحلة طويلة من الصمود والبناء. هو يوم يعيد إلى الأذهان الجهود العظيمة التي بذلها الأجداد لتأسيس وطن مستقر ومزدهر، ويغرس في نفوس الأجيال الجديدة روح الفخر والاعتزاز بالانتماء إلى هذا الوطن العظيم. المملكة العربية السعودية لم تُبنَ في يوم وليلة، بل قامت على أسس قوية منذ أكثر من ثلاثة قرون وظلت تتطور وتنهض حتى أصبحت اليوم واحدة من أكثر الدول تأثيرًا في العالم. هذا اليوم يذكرنا بأن النجاح لا يأتي صدفة، بل هو نتيجة للتخطيط والعمل الجاد والإيمان العميق بالهدف، تمامًا كما فعل الأجداد عندما بدأوا المسيرة، وكما يفعل الأحفاد اليوم وهم يواصلون البناء والتطوير برؤية واضحة وطموح لا يعرف الحدود.