
يأتي يوم التأسيس المضيء ليقول للعالم أننا أصحاب حضارة عظيمة، ممتدة وفريدة، نحنُ أصحاب التاريخ العريق، والمجد الوثيق، بدأنا ميلاد الضوء من مئات السنين على يد الإمام محمد بن سعود، الذي أسسّ لمرحلة حضارية من جذور الحضارة العربية والإسلامية وبهوية سعودية وطنية ، تحملُ ملامح هذه البلاد لغةً وقيماً وفكراً و فنّاً. هذه الهوية تجلّت في ملامح عدة أبرزها: أولاً : الجانب الثقافي والفكري: إن إرساء الإمام محمد بن سعود لدعائم الدولة السعودية أدى لتغيير ثقافي عميق، فلقد نقل مفاهيم مجتمع الجزيرة العربية آنذاك من مفاهيم المجموعات الفئوية والقبليّة والعرقية الضيقة إلى قيم الدولة الحديثة، تلك القيم المدنية والإنسانية القائمة على العدالة والقانون وسيادة الدولة والمواطنة، بالإضافة إلى استجلاب بعض المظاهر المدنيّة في فن العمارة والعملات وأساليب التجارة عبر التبادل الاقتصادي، فبعد تأسيس الدولة توطّد الأمن في قلب الجزيرة العربية وأصبحت الدرعية منفذاً آمناً وحيويّاً للحجاج القادمين من فارس والعراق نحو مكة المكرمة، كل هذا شكّل مرجعية ثقافية متينة ذات أفق مدني أشد تطوّراً. كما أنه أتى بقيم المُواطنة، فنُقلت ذهنية ابن الجزيرة العربية آنذاك من نمط مرتبط الخرافة والجهل والأسطورة وتقديس ما لا يُقدّس إلى فكر معرفي أكثر استنارة واتساعاً، ومن هُنا تأسّسَ نمط فكري مختلف قائم على التعليم وقابل للتجديد. ثانياً: الجانب الاجتماعي: جاء التأسيس فاستوعب كافة الانتماءات القبلية والفئوية والعرقية الضيقة في نسيج وطني واحد متسع قائم على واجبات وحقوق المواطنة. هذا النسيج جاء ليُذيب الحواجز بين أفراد المجتمع الواحد دون أن يُلغي الاختلاف الحيوي بين هذه الفئات، بل يؤطّره وينظّمه، وهنا ظهر نسق اجتماعي عادل ومرن في آنٍ واحد. لذا رُسمت ملامح حضارة مضيئة عبر تكوين ثلاثية الحضارة: المرجعية الثقافية المتطورة، والنمط الفكري المختلف، والنسق الاجتماعي المنسجم. هذه الهوية التي تجمع كل أبناء المجتمع تحت مظلة قيم المواطنة الكبرى، تلك القيم التي قام التأسيس بزرعها وجاءت رؤية ٢٠٣٠ للتأكيد عليها، فإذا كانت الفنون الشعبية والأزياء والأهازيج هي الجانب الجمالي والحسي الفنّي للهوية، فالقيم الوطنية العُليا كقيم المواطنة، والمساواة، والعدالة، والنزاهة، وسيادة القانون، وتمكين المرأة، وغيرها الكثير هي الجانب الإنساني والثقافي العميق. وهنا في الجوف في ظل أميرها فيصل بن نواف بن عبدالعزيز حفظهُ الله تماهت الأطياف والوجوه حاضرةً وبادية في لوحة الوطن الأخضر حبّاً وانتماءً وولاءً. وتجلّت على وجوه أبنائها جميعاً ملامح التأسيس الأول، وحملوا في أرواحهم قيم الوطن المتسع وفي أذهانهم عراقة وبراعة الماضي الأصيل، وأخذوا على عاتقهم المُضي في مد ضوء الحاضر إلى مسافات بعيدة وجديدة. فمن نجد المجد وفي نبض الجوف انسكبت الحكاية قبل قرون، فأشرقت قصيدة الوطن المضيء على أرض الجوف زيتوناً معطاءً وتراثاً وفيّاً وقلوباً متدفقة بالعمل والإخلاص والامتنان. فهذه الأرض تستظلُّ بقيم الوطن سماءً، وتنمو نخيلاً عاشقاً على ترابه، فمنذ مصافحتها للحكم السعودي، امتلأت بضوئه وتوحّدت في صفّه واستلهمتهُ تاريخاً، وهويةً، وحاضراً، ومستقبلا. والآن يحق لنا أن نقول أننا أمام حضارة مكتملة الأركان، ثقافةً ومجتمعاً وفنّاً وفكراً وإنتاجاً معرفيّاً متعدد المستويات، إننا نقف أمام حضارة لا تقل عن حضارات الشرق والغرب، لقد حان الوقت لتسمية مابعد الثاني والعشرين من فبراير عام ١٧٢٧م بفترة الحضارة السعودية. *شاعرة وكاتبة منطقة الجوف