متى نتخلص من الطيبة الزائدة؟

 الصدقة بين الفضيلة والاستغلال:  الصدقة بين الأجر والاستغلال كجزء من هويتنا الإسلامية، نؤمن بفضل الصدقة وعظيم أجرها، فهي سبب في مضاعفة الحسنات، وتكفير السيئات، وتزكية النفس، وحماية المجتمع من الفقر. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن العمل الخيري قد يكون أحيانًا عرضة للاستغلال، سواء من قبل أفراد أو شبكات منظمة تستغل عواطف الناس لتحقيق مكاسب غير مشروعة. من هذا المنطلق، لا بد من الموازنة بين فعل الخير والوعي الأمني، بحيث يكون إحساننا موجّهًا نحو مستحقيه الحقيقيين، دون أن يصبح بابًا يُفتح أمام الاستغلال أو الإضرار بالمجتمع.  التسول بين الحاجة والاستغلال: التسول في جوهره قد يكون ناتجًا عن احتياج حقيقي، لكن في السنوات الأخيرة، لم يعد ظاهرة عشوائية، بل تحول إلى نشاط منظم تديره مجموعات تستغل الأطفال والنساء، وتفرض عليهم التسول تحت التهديد والعنف. وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أن نسبة من هؤلاء المتسولين هم من الوافدين غير النظاميين الذين يتم استغلالهم من قبل هذه الشبكات. لا يمكن إنكار وجود أفراد محتاجين فعليًا، لكن من الصعب التمييز بينهم وبين من ينتمي إلى شبكات إجرامية. لذا، بدلًا من تقديم المال في الشارع، من الأفضل دعم الفقراء عبر القنوات الرسمية التي تضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها.  أثر التسول على المجتمع :  إلى جانب الأبعاد الإنسانية، هناك انعكاسات اقتصادية وأمنية للتسول، منها:  1. إضعاف قيمة العمل: الاعتماد على التسول بدلًا من البحث عن فرص عمل يسهم في نشر ثقافة الكسل والاعتماد على الآخرين.  2. المخاطر الأمنية: يمكن أن يشكل التسول غطاءً لبعض الأنشطة الإجرامية، مثل النصب، والسرقة، وتجارة المخدرات، وهو ما يستدعي رقابة أمنية مشددة.  3. التأثير على السلامة المرورية:  انتشار المتسولين عند الإشارات والمناطق العامة قد يسبب حوادث مرورية خطيرة.  كيف نواجه هذه الظاهرة؟  مواجهة التسول لا تكون فقط بالحلول الأمنية، بل تتطلب تكاتفًا مجتمعيًا يشمل:  1. التبرع عبر القنوات الرسمية: وفرت الدولة العديد من المنصات الموثوقة للتبرع، مثل: • منصة إحسان • منصة فرجت • الجمعيات الخيرية الرسمية المعتمدة.  دعم هذه المنصات يضمن وصول التبرعات إلى مستحقيها الحقيقيين، ويحد من استغلال المتسولين.  2. تشديد الرقابة على التسول المنظم: يجب أن يكون للأجهزة الأمنية، وخاصة إدارات المرور والدوريات الأمنية، دور أكثر فاعلية في مكافحة التسول في الأماكن العامة، مع التركيز على تفكيك الشبكات المنظمة.  3. تعزيز الحلول الاجتماعية:  لا بد من توفير برامج دعم للأسر المحتاجة، تشمل فرص عمل، وتأهيلًا مهنيًا، لرفع حاجتها وبالتالي منع لجوئها إلى التسول، بإذن الله تعالى.  4. التوعية المجتمعية:  رفع الوعي حول مخاطر التسول المنظم، والتشجيع على دعم الفقراء عبر الجمعيات الخيرية، بدلًا من العطاء العشوائي في الشارع.   ختامًا : الكرم لا يعني السذاجة، والعطاء لا يتعارض مع الحذر، بل يكمله. التبرع مسؤولية، ويجب أن يكون مدروسًا، حتى نضمن أن يصل الخير إلى مستحقيه دون أن يتحول إلى أداة يستغلها ضعاف النفوس. لنجعل صدقاتنا أكثر وعيًا، ولنتذكر أن فعل الخير عبر القنوات الموثوقة هو الضمان الحقيقي لحماية المحتاجين، والمجتمع ككل.  والله من وراء القصد.