اللاءات السعودية.

منذ أن كان لقاء الملك عبدالعزيز بالرئيس روزفلت والموقف السعودي واضح ومؤثر؛ فالأطروحات التاريخية المنشورة مؤخراً تروي كيف كان الرئيس روزفلت يتبنى وجهة نظر الملك عبدالعزيز بشأن القضية الفلسطينية، قبل أن يرحل بعد إعادة انتخابه بسنة واحدة وترحل معه الكثير من الأفكار التي لو قدرّ لها أن تنفذ لربما كان وضع القضية اليوم مختلفاً تماما. اليوم.. لم يعد الموقف السعودي من مسألة «حل الدولتين» مؤثراً في العالم العربي فحسب، بل تجاوز إلى بلدان أوروبية عديدة أعلنت تأييدها التام لقيام دولة فلسطينية مستقلة. البيان السعودي الأخير، والذي أحدث ربكة كبيرة في المنطقة؛ بسبب قوته ووضوحه وتأثيره قد جعل اللاعبين على الساحة يعيدون ترتيب الأوراق من جديد؛ فالرئيس ترامب الذي ظهر في البداية واثقاً من إمكانية تطبيق فكرته في تهجير سكان غزة عاد بعد ساعات من البيان السعودي ليستدرك أن «الفكرة ليس شرطاً أن تطبق فوراً اليوم»، وهذا في مضمونه تراجع واضح عن الموقف الحاسم والجازم منذ البداية. الملفت في البيان السعودي أنه تجاهل ما تفوّه به بنيامين نتنياهو حول فكرة إقامة منطقة داخل السعودية لإيواء سكان غزة، ولم يعقب البيان على هذه الأطروحة؛ وذلك لإيصال رسالة مفادها: أن هذا الكلام مجرد نكتة لا تستحق الرد عليها، في حين ركز البيان على الحق الفلسطيني المشروع، وإدانة العقلية «المتطرفة» لإسرائيل كما وصفها البيان، معتبراً أن تلك العقلية لا تستوعب ما تعنيه الأرض للإنسان الفلسطيني. ردود الأفعال الإقليمية والدولية على البيان السعودي زادت من تصعيد سخونة الأحداث مطلع هذا الأسبوع، حيث اشتعلت حمّى التصريحات المؤيدة للمملكة والمنددة بإسرائيل، والتي أحدثت حالة من الضغط على نتنياهو حتى داخل إسرائيل نفسها، وبروز العديد من الأصوات التي تطالبه بالتنحي وإجراء انتخابات مبكرة. فضلاً عن أن تلك التصريحات التي أطلقها نتنياهو من المرجح أن هدفها الأساس هو تشتيت الانتباه داخل إسرائيل عن قائمة الانتقادات الحادة والاتهامات التي يواجهها نتنياهو في الداخل الإسرائيلي، ومحاولته الالتفاف على ذلك الإزعاج الداخلي بعد أن وضعت الحرب أوزارها في غزة، وبدأ الداخل الإسرائيلي نفسه يجري إعادة تقييم موسع لما حدث. وأمام التحديات العديدة التي تواجه إدارة ترامب حالياً، وكذلك مع اقتراب السعودية اللصيق من روسيا والصين، وقيادتها للمواقف العربية والإسلامية وتأثيرها البالغ، فضلاً عن نجاحها الاقتصادي والسياسي واستقلالها تماماً عن تلقّي أي دعم، عكس ما هو حاصل مع إسرائيل نفسها التي تتلقى دعماً أمريكيا، هنا تصبح أمريكا هي التي في حاجة السعودية وليس العكس، وهذا ما ضاق عن استيعابه عقل نتنياهو المتطرف المؤدلج. الأحداث الراهنة، والمواقف العربية المتتالية، تعيد إلى الأذهان «قمة اللاءات الثلاث» التي انعقدت في العاصمة الخرطوم على خلفية نكسة 67 وهي ثلاث لاءات في وجه إسرائيل: لا تفاوض، ولا سلام، ولا اعتراف.. بدون دولة فلسطينية. ويقف العالم اليوم أمام اللاءات السعودية، التي اجتمع عليها أمر العرب، وهي لا للتهجير، ولا للتطبيع ، لا للوطن البديل . لتبرز مجدداً الخطوط العريضة التي تؤطر العلاقة مع إسرائيل اليوم إذا أرادت العيش بسلام في مستقبل الأيام.