الدافع

ما هو المحرك الأول للإنسان في الحياة، ذلك الذي يستولي على إرادته كلها؟ هذا السؤال بذل كثير من الفلاسفة والمفكرين والعلماء وذوي الفضول، جهودا متواصلة للإجابة عنه، فهل وصلوا إلى إجابة مقنعة، أم لا زالوا يبحثون؟ فرويد قال بيقين بأن المحرك الأول للبشر هو الجنس، أما عالم النفس الآخر ألفرد أدلر فيرى أن القوة الدافعة في حياة الإنسان هي الشعور بالنقص. عالم ثالث يقول: إن الدافع هو البحث عن معنى للحياة، أخر بقول إن الدافع هو حب التملك أما عالم النفس إبراهام ماسلو فقد وضع ما يجسد الدوافع البشرية تجسيدا هرميا، وجاء سلامة موسى ليقول إن الدافع للبشر هو الخوف. أنت حين تقرأ هذه الأقوال تجد أن كلا منها يحمل قبسا من الصدق تطمئن نفسك إليه، وترف عليك منه نفحة من اليقين. وهذا يعني أن وضع تحديد لرغبات الإنسان وطموحاته وما يتوق إليه في اتجاه واحد ، أمر متسرّع، بل غير ممكن. وقد عبر الجواهري عن نفسه، وبالتالي عن كل نفس بشرية، حين قال: (حنانيك نفسي لا يضق منك جانب / إذا ضاق من رحب النفوس جناب / ولا تعرفي حدا فأنت مفازة / ستبقى طويلا تقتفى وتجاب) نعم. الإنسان مفازة أو غابة لم يكتشف منها بعد إلا القليل. لم يحاول الإنسان، منذ البدء، اكتشاف عالمه الباطني، بل اتجه إلى اختلاق علل للأشياء من حوله ومن فوقه أسطوريا، ولكنه راح يكتشف شيئا فشيئا إلى أن أضاءت العلوم الحديثة الطريق إلى اكتشاف داخله. أما المقولة المضيئة التي وجهها سقراط لكل إنسان (اعرف نفسك) فقد بقيت في إطارها النظري؛ لأن وسائل المعرفة آنذاك كانت محدودة، وليست متاحة إلا للقليل. أعتقد بيقين أن كل شاعر وشاعرة، بل كل محب للحياة وبهجتها، يتمنى أن يعود زمن الأساطير، ويتمنى أن العلم حين مر على ذلك الزمن غض بصره، وترك السحر الأسطوري يصارع ما في الحياة من قسوة، على حبها، ولكن العلم لا يلتفت إلى الخلف، حتى بالنسبة له نفسة، فما بناه قبل جيل قد يهدمه في لحظة بدون أسف. والشيء الذي يجعل العلم وما أنجز من فتوحات لصالح البشر محل ازدراء هو تحوله إلى تجارة وإلى وسيلة للحروب الهمجية على وجه الأرض.