الاستزراع السمكي.. مستقبل واعد.

يُعد الاستزراع السمكي من أقدم الأنشطة البشرية المرتبطة بإنتاج الغذاء، حيث بدأ الإنسان في تربية الأسماك منذ آلاف السنين لتلبية احتياجاته الغذائية. ومع تزايد الطلب العالمي على البروتينات الحيوانية، اكتسب هذا القطاع أهمية متزايدة، خاصة في الدول التي تسعى إلى تعزيز اقتصادها وتحقيق الأمن الغذائي لمواطنيها. تعود ممارسة الاستزراع السمكي إلى الحضارات القديمة، حيث تشير الأدلة إلى أن الصينيين كانوا يربون الأسماك في الأحواض منذ أكثر من (2000) عام قبل الميلاد. كما اهتم المصريون القدماء، والإغريق، والرومان بتربية الأسماك في برك مخصصة. ومع مرور الزمن، تطورت تقنيات الاستزراع السمكي لتشمل أنواعًا متعددة من الكائنات المائية، مما أسهم في تلبية الطلب المتزايد على المنتجات البحرية. يؤدي الاستزراع السمكي دورًا حيويًا في الاقتصاد العالمي، حيث يسهم في تعزيز الأمن الغذائي عبر توفير مصدر مستدام للبروتين الحيواني، مما يساعد في تقليل الفجوة الغذائية. وخلق فرص عمل في مجالات التربية، والمعالجة، والتوزيع، والتسويق، خاصة في المناطق الريفية والساحلية. وتنمية المناطق النائية من خلال إنشاء مشاريع استزراع سمكي تسهم في تحسين البنية التحتية وتوفير الخدمات الأساسية. ودعم الاقتصاد المحلي عبر زيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وتعزيز الصادرات البحرية. تتصدر عدة دول قائمة الإنتاج العالمي في مجال الاستزراع السمكي، من أبرزها “الصين” التي تُعد الرائدة عالميًا حيث تنتج حوالي (60%) من الإنتاج العالمي. و”الهند” التي تأتي في المرتبة الثانية، ثم تليها “إندونيسيا” و”فيتنام” و”الولايات المتحدة الأمريكي - حسب الترتيب - ومن الدول العربية الدول العربية “مصر” و”المغرب” و”موريتانيا” وقد استثمرت هذه الدول وغيرها مواردها المائية عبر التقنيات الحديثة لتعزيز إنتاجها في هذا القطاع الحيوي الهام. شهد قطاع الاستزراع السمكي في “المملكة العربية السعودية” نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفع حجم الإنتاج من (32) ألف طن في عام 2016م إلى (119) ألف طن في نهاية عام 2022م، محققًا – بذلك - اكتفاءً ذاتيًا بنسبة (59%) كما بلغ إنتاج الاستزراع السمكي بنهاية نوفمبر 2024م (144) ألف طن، مع صادرات وصلت إلى أكثر من (27) ألف طن حتى نهاية الربع الثالث من عام 2024م. هذا وتعمل “وزارة البيئة والمياه والزراعة” على تطوير قطاع الاستزراع السمكي عبر إطلاق مبادرات وبرامج تهدف إلى زيادة الإنتاج وتحسين جودة المنتجات السمكية، وتقديم الدعم الفني للمزارعين والمستثمرين الجدد. وتنظيم ورش العمل والدورات التدريبية لرفع كفاءة العاملين وتعزيز الممارسات المستدامة، وتطوير البنية التحتية لدعم مشاريع الاستزراع السمكي وتسهيل عمليات التسويق والتصدير، إلى جانب تنظيم المعارض المتخصصة مثل “المعرض الدولي للثروة السمكية” الذي عُقد في الرياض (3-5 فبراير 2025م)، بمشاركة جهات حكومية وشركات متخصصة في الإنتاج السمكي وصناعة الأعلاف. وقد اشتركت في هذا المعرض العديد من الجهات الحكومية ذات العلاقة، والشركات المتخصصة في الإنتاج السمكي، ومصانع الأعلاف، وكان للأوقاف السعودية حضورًا مميزً في هذه المناسبة الاقتصادية والعلمية، مثل “الوقف العلمي لجامعة الملك عبد العزيز “ في “جدة” الذي اشترك في المعرض من خلال ذراعه الاستثمارية “مركز المبدعون للدراسات والاستشارات والتدريب” وكذلك وقف “ شركة مصنع مرام للأعلاف” هذا وإن مشاركة الأوقاف وحضورها الدائم والمتميز في المناسبات والفعاليات الوطنية يترجم مبادئها السامية، ويجسد القيم السعودية النبيلة. يؤدي صندوق التنمية الزراعية دورًا محوريًا في دعم وتمويل مشاريع الاستزراع السمكي من خلال تقديم قروض ميسرة للمستثمرين الراغبين في إنشاء أو توسعة مشاريعهم.، وتشجيع تبني التقنيات الحديثة مثل أنظمة الاستزراع المغلقة التي تحافظ على الموارد البيئية. بفضل “رؤية المملكة 2030” المباركة التي تستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في المنتجات البحرية، تتجه “المملكة العربية السعودية” إلى تعزيز الاستثمارات في قطاع الاستزراع السمكي على ضوء “الاستراتيجية الوطنية للزراعة” ليصل الإنتاج السمكي إلى (600) ألف طن سنويًا بحلول عام 2030م0. كما تتزايد الجهود الحكومية لدعم الاستدامة البيئية وتعزيز التقنيات الحديثة في هذا المجال. ومع النمو السريع لقطاع الاستزراع السمكي، تبرز الحاجة إلى ممارسات مستدامة لتقليل الآثار البيئية السلبية، وقد أدركت “وزارة البيئة والمياه والزراعة” ذلك مبكرا، حيث راقبت ضبط استخدام الأعلاف والمضادات الحيوية لمنع تلوث المياه. وعملت على وضع تشريعات بيئية صارمة تضمن استدامة الموارد المائية والحفاظ على التنوع البيولوجي. بعون الله، وبجهود المخلصين في الحكومة والقطاع الخاص، لم تعد “المملكة العربية السعودية” مجرد صحاري قاحلة، ومراعٍ للإبل والماشية، بل أصبحت مركزًا عالميًا واعدًا للاستزراع السمكي، ومصدرًا رئيسيًا للحوم الطرية، كما قال الله تعالى ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ (سورة النحل - الآية 14.