
الشيخ محمد سرور الصبان المولود في مدينة القنفذة عام 1316 هـ، الموافق 1898 م، والمتوفى في القاهرة في 2 شهر ذي الحجة عام 1391 هـ، واحد من شخصيات المملكة البارزة التي اقترنت مسيرتها بتسنم مسؤوليات رفيعة في الدولة والريادة في مجالات الثقافة والإعلام والعمل الخيري. كان خلال حياته مثل الشجرة الباسقة الوارفة الظلال والتي أفادت بثمار عملها بلادها ومجتمعها وأظلت تحت أغصانها عدداً كبيراً من المثقفين والباحثين في المملكة، ولم يتحدث هو شخصياً عن بدايات حياته إلا مرة واحدة، في معرض الإجابة على بعض أسئلة قراء مجلة «الرياض منتصف عام 1374 هـ، الموافق لشهر فبراير 1955 م (انظر الصورة المرفقة). ولن أكرر هنا ما سبق إيراده في مقالات مهمة نشرت خلال الأعوام السابقة، أو في فصول من كتب وهي إسهامات تذكر وتشكر- وأذكر من أوائلهم محمد علي مغربي الذي عاصره وعمله معه، في كتابه المرجعي «أعلام الحجاز في القرن الرابع عشر الهجري» ولاحقاً الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في كتابه «أعلام بلا إعلام» والأستاذ عبدالله بن سعد الرويشد والأستاذ أحمد بن عبدالمحسن العساف والأستاذ منصور العساف والأستاذ صلاح الزامل وآخرون- بل سأقصر الحديث على ما يستحق أن يضاف إلى سيرة الصبان، التي لم تكتب حتى الآن كما يجب، وأعتقد أن كتابتها- بسبب ضخامة إنجازات صاحبها وتعدد اهتماماتها ومجالات إسهاماتها- تحتاج إلى جهود عدد من الباحثين. وللأمانة أقول بأنني لم أطلع على كتاب صدر عن الشيخ الصبان بعنوان «معالي الشيخ محمد سرور الصبان حياته وآثاره» عام 2004 م، لمؤلفه الأستاذ هاني ماجد فيرزوي. وقبل أن أورد بعضاً مما يتعلق بإسهاماته في مجال الثقافة والإعلام أورد بعضاً من محطات حياته: •عمل حتى بلوغه سن العشرين مع والده في مجال التجارة. •عام 1336 هـ، الموافق 1918 م، التحق بالعمل في بلدية مكة المكرمة، كاتباً ثم محاسباً ثم معاوناً لرئيس البلدية. •عندما أعاد الملك عبدالعزيز بعد دخوله مكة المكرمة تشكيل بلدية مكة أعيد الصبان إلى وظيفته نفسها معاوناً لرئيس البلدية، وإضافة إلى ذلك اصبح أميناً لسر المجلس الأهلي لمكة المكرمة، وهو مجلس منتخب من 15 عضواً إضافة إلى ثلاثة عينهم الملك عبدالعزيز، رحمه الله. وأصبح الصبان رئيساً للمجلس الأهلي بمكة- بالانتخاب- قرابة ثلاث سنوات- إضافة إلى عمله مديراً عاماً لوزارة المالية- إلى حين استقالته من رئاسة المجلس. «صوت الحجاز»، خبر ترأسه للجلسة الأولى للمجلس البلدي في العدد 221، في 7/6/1355 هـ، الموافق 25/8/1936 م، وخبر قبول المقام السامي استقالته من رئاسة المجلس في العدد 359، في 8/2/1358 هـ، الموافق 29/3/1939 م. •وبعد صدور الأمر السامي بترفيع وكالة المالية العامة» إلى وزارة وصدور الأمر الملكي بتعيين الشيخ عبدالله السليمان أول وزير لها في «المملكة الحجازية والنجدية وملحقاتها» في 11/4/1351 هـ، الموافق لشهر أغسطس 1932 هـ، صدر الأمر السامي أيضا بتعيين الصبان مديراً لإدارة هذه الوزارة- أو الوزارات في وزارة. «صوت الحجاز»، العدد 20، في 19/4/1351 هـ، الموافق 22/8/1932 م. •مدير عام وزارة المالية، «البلاد السعودية»، العدد 595، في 15/4/1365 هـ، الموافق 18/3/1946 م، ثم مستشار وزارة المالية، العدد 900، في 23/5/1369 هـ، الموافق 12/3/1950 م. •مستشار وزارة المالية، ونائب المشرف العام على الحج والإذاعة. «المدينة المنورة»، العدد 503، في 4/2/1373 هـ، الموافق 12/10/1953 م. •صدر مرسوم ملكي بإنابته عن وزير المالية الشيخ عبدالله السليمان خلال مدة غيابه بمعية الملك سعود خلال سفر جلالته إلى باكستان، وذكر أنه وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء ومستشار جلالة الملك. «البلاد السعودية»، العدد 1524، في 13/8/1373 هـن الموافق 16/4/1954 م. •صدر «بلاغ رسمي من ديوان جلالة الملك المعظم بقبول استقالة معالي الشيخ عبدالله السليمان من وزارة المالية والاقتصاد مع شموله بالعطف الملكي والرعاية السامية»، وذكر في الخبر أن الشيخ السليمان تشرف صباح الاثنين 1 محرم 1374 هـ بمقابلة الملك ورفع لجلالته استدعاءً يعرب فيه عن سوء حالته الصحية وبلوغه سناً يتعذر عليه فيه تحمل أعباء وزارة المالية...، وأن جلالته قبل استقالته... ونشر في العدد نفسه نص المرسوم الملكي الكريم رقم 6515 بإسناد أعمال وزارة المالية والاقتصاد إلى الشيخ الصبان. ونشرت في العدد نفسه كلمة بتوقيع الصبان بعنوان «تقدير كريم» تضمنت الثناء والتقدير للشيخ السليمان وتقدير جهوده في خدمة الدولة. العدد 1631، في 2/1/1374 هـ، الموافق 31/8/1954 م •بعد خمسة أيام من إنابته بأعمال الوزارة، عين الصبان وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني بالمرسوم الملكي رقم 31 وتاريخ 6/1/1374 هـ، وقضى المرسوم بدمج وزارة الاقتصاد في وزارة المالية وتسميتها «وزارة المالية والاقتصاد الوطني». العدد 1635، في 7/1/1374 هـ، الموافق 5/9/1954 م. وبقي الصبان في ذلك المنصب حتى 3/8/1377 هـ، الموافق 5/3/1958 م، أي ثلاث سنوات وثمانية أشهر. •إضافة إلى عمله وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني كُلف بأمر من جلالة الملك سعود بعمل وزير الداخلية، نيابة عن وزيرها الأمير عبدالله الفيصل عدة مرات، خلال فترات سفره للخارج أو إجازاته الرسمية. انظر على سبيل المثال «البلاد السعودية»، العدد 1728، في 26/4/1374 هـ، الموافق 22/12/1954 م، و»اليمامة»، العدد 88، في 23/12/1376 هـ، الموافق 17/7/1957 م. بعد انتهاء عمله وزيراً للمالية والاقتصاد الوطني انتقل للإقامة في القاهرة في داره- «قصر العروبة»، الذي فتحه لاستقبال ضيوفه- حسب موقع «مكَّاوي» على الإنترنت- ومنهم أبناء الجالية السعودية في مصر. ومنذ نهاية الأربعينيات كان الصبان خلال تواجده في القاهرة يستضيف كبار الشخصيات السعودية التي تزور مصر وأبناء الجالية السعودية. وأذكر منها على سبيل المثال ما نشرته صحيفة البلاد السعودية في العدد 911، في 2/7/1369 هـ، الموافق 19/4/1950 م، بعنوان: «حفلة غداء تكريمية لصاحب السمو الملكي الأمير فيصل المعظم يقيمها سعادة الشيخ محمد سرور الصبان»، ذكرت أنها كانت بداره و»حضرها أكثر السعوديين في القاهرة، وفي مقدمتهم رجال الدولة وأعيانها الموجودين حالياً في القاهرة». وكان للشيخ الصبان مكانة كبيرة في مصر، لدى مسؤوليها ومثقفيها، وقد نشرت صحيفة «صوت الحجاز» في أعداد مختلفة بين عامي 1351 و1358 هـ أخباراً عديدة تدل على العلاقة التي ربطته بالزعيم الاقتصادي المصري الكبير طلعت حرب، مؤسس بنك مصر، والتي توثقت خلال زيارات طلعت حرب للحجاز، لتنظيم شئون الحج المصري خلال خمسينيات القرن الهجري الماضي. وبخلاف ما ورد في بعض ما نشر من مقالات، فلم يكن لعودته للمملكة بعد غياب دام ثلاث سنوات في مصر علاقة بتكدر العلاقات بين البلدين بعد انفصال سوريا عن مصر في 28 سبتمبر 1961 م، بل كانت عودته إلى المملكة قبل ذلك بثمانية أشهر، في وقت كانت العلاقات خلالها جيدة بين البلدين. ودليل ذلك ما ورد في صحيفة «الحقائق» القاهرية في عددها الصادر يوم الخميس 9 فبراير 1961 م، إذ نشرت خبراً بعنوان «سرور الصبان يعود إلى السعودية»، قالت فيه: «على أثر مكالمة تليفونية من الملك سعود غادر القاهرة الشيخ محمد سرور الصبان عائداً إلى السعودية بعد غيبة دامت ثلاث سنوات، وقد وصل الشيخ سرور إلى المدينة المنورة حيث قام بزيارة قبر الرسول ومكث بها أسبوعاً. وقد غادر المدينة المنورة صباح اليوم في طريقه إلى مكة المكرمة للاعتمار.. وسيغادر الشيخ سرور إلى الرياض يوم السبت القادم. وقد علمنا أن هناك مرسوماً ملكياً معداً لمعاليه». رجل أرهقته المسؤوليات التمس الصبان من الملك سعود في ربيع الأول 1375 هـ الموافقة على تخفيف بعض من أعبائه الكثيرة، وقد نشرت جميع الصحف ومنها صحيفة «البلاد السعودية» هذا الالتماس- العدد 1991، في 21/3/1375 هـ، الموافق 7/11/1955 م- والجواب الملكي الكريم عليه. وهما نصان جديران بالتأمل ويثيران في نفس من يقرئهما التأثر بذلك الأسلوب الراقي والنبيل في التعامل بين مليك البلاد وواحد من رجال الدولة المخلصين، ونصهما الآتي: •«حضرة صاحب الجلالة .... السلام عليكم ... وبعد فإنكم يا مولاي قد تفضلتم وأوليتموني ثقتكم فأسندتم إليَّ وزارة المالية والاقتصاد الوطني علاوة على ما سبق أن شرفتموني به من اعتباري مستشاراً ملكياً ومشرفاً على الخاصة الملكية وعلى أعمال الحج ثم أضفيتم عليَّ مزيداً من العطف فأمرتم بأن أقوم بأعمال وزارة المواصلات- ثم قمت أيضاً بأعمال مديرية الأشغال العامة التي ما زالت مرتبطة بوزارة المالية فتقبلت كل ذلك بالشكر الأجزل والتقدير الكبير- والآن وقد انتهت السنة المالية فإنني أشعر بثقل الحمل وخطورة المسؤولية وأود من صميم قلبي أن تدوم هذه الثقة وذلك بأن أؤدي عملاً مجدياً ونافعاً في نفس الوقت. ولما كانت وزارة المالية والاقتصاد الوطني هي عصب الدولة وبنهوضها يتمكن جهاز الدولة من أداء مهمته فإنني أشعر بعدما قضيت عاماً كاملاً، أشعر بأنني لم أقم بواجبها كما ينبغي بل لقد استنفذت الأعمال الأخرى القدر الأكثر من وقتي وتفكيري، ولما كان الوضع الحاضر وضع تأسيسي (هكذا) لجهاز الحكومة... فإنني أرجو يا مولاي مخلصاً أن يتفضل بتخفيف ما عليَّ من أعباء حتى أستطيع أداء ما يجب عليَّ في الحقل الذي نشأت فيه وهو وزارة المالية والاقتصاد الوطني وصدور الامر الكريم بإسناد الأعمال الأخرى إلى من ترونه جلالتكم حتى أتمكن من أداء واجبي في خدمة جلالتكم كاملاً غير منقوص... الخادم محمد سرور الصبَّان» وقد جاء «الجواب الملكي الكريم» بالنص الآتي: «جناب المكرم محمد سرور الصبان اطلعنا على كتابكم المؤرخ في غرة محرم 1375 هـ الذي عرضتم فيه الأعمال التي تقومون بها وطلبكم تخفيف الأعباء الملقاة عليكم. وإننا إذ نرجح دائماً ما تدعو إليه المصلحة، نقدر لكم ما قمتم به من مجهود في خدمتنا وفي سبيل توجيه الأعمال المرتبطة بكم وإنجازها فقد أصدرنا أمرنا بما يلزم وأبلغناه للأخ فيصل، واحتفظنا لكم بوزارة المالية والاقتصاد الوطني نظراً لأهميتها واعتمادنا على الله تعالى ثم عليكم في الاستمرار على ما بدأتم به فيها من إصلاح وتنظيم كما أمرنا بإدماج المديرية العامة لشئون الحج في وزارة المالية، ونرغب أيضاً في استمراركم بالعمل في معيتنا مستشاراً ملكياً وسوف تؤدون واجبكم كما يرام بما عهدناه فيكم من إخلاص وتضحية وكفاءة إن شاء الله. سعود». الصبان والثقافة معروف أن الصبان كان نشطاً في المجال الثقافي والفكري منذ مطلع صباه. ومنذ بداية أربعينيات القرن الهجري الماضي، منتصف عشرينيات القرن الهجري الماضي، بادر إلى نشر كتابين، أولهما كتاب «أدب الحجاز أو صفحة فكرية من أدب الناشئة الحجازية شعراً ونثراً» عام 1344 هـ في 92 صفحة، و»المعرض أو آراء شبان الحجاز في اللغة العربية»، في 80 صفحة، طبعته المطبعة العربية بمصر لصاحبها خير الدين الزركلي عام 1345 هـ- 1926 م، على نفقة المكتبة الحجازية بمكة المكرمة، التي أسسها الصبان وإخوانه عام 1922 م، وفي الصفحة الأخيرة من الكتاب إعلان عنها ورد فيه أنها تعنى ببيع الكتب وقبول وكالات الصحف والمجلات. ولا أشك في أن استكتاب من أسهموا في هذين الكتابين وتحريرهما وإعدادهما للنشر ثم طباعتهما قد أستغرق من الصبان شهوراً- إن لم يكن عاماً أو عامين من العمل الجاد والمضنى. ولتبيان بعض إسهامات الصبان العديدة- رغم مسؤولياته الجسيمة والعديدة في الدولة وفي العمل الخيري- في خدمة الثقافة العربية والتراث العربي، استشهد- من بين كم كبير من المقالات- بثلاثة مقالات لرجل عني بتحقيق كتب التراث وكرَّس حياته لها وللمخطوطات العربية، وهو الأديب والكاتب الكبير أحمد عبدالغفور عطار- رحمه الله-، وهما مقالان يفصل بينهما سبع سنوات: الأول هو مقاله «تهذيب الصحاح»، المنشور في «البلاد السعودية»، العدد 1108، في 3/3/1371 هـ، الموافق 2/12/1951 م، والذي يقول فيه: «وقد بحثت عن نسخة ثانية من مختصر الزنجاني في المكتبة الظاهرية بدمشق وفي المكتبة الأحمدية بحلب وفي مكتبات لبنان وسوريا ومكتبات مكة والمدينة والطائف فلم أجد، كما أنني بحثت في مكتبات القاهرة... وراجعت فهارس مكتبات القاهرة وراجعت فهارس المكتبات الموجودة بتركيا والعراق والهند... ومن حسن حظ هذا البلد الأمين أن يكون أحد أبنائه البررة مالك هذه النسخة الفريدة ألا وهو حضرة الأستاذ الشيخ محمد سرور الصبان وأن يكون هذا الرائد العظيم ناشر هذا المعجم وطابعه على نفقته الخاصة. وقد وكل الشيخ الصبان إليَّ وإلى الصديق العلاَّمة الكبير محمد عبدالسلام هارون أحد الأساتيذ بالجامعة المصرية تحقيق مختصر الزنجاني وتكملته وسوف يكون هذا المعجم بفضل الله من أوسع المعاجم العربية وأدقها وأضبطها وأوفاها، فسنضيف إليه سبعين ألف مادة من صحيح العربية... ومحمد سرور أديب ممتاز وشاعر صادق حي الشعور، ولكن بروزه في ميدان الاقتصاد وسياسة المال غلب على بروزه في الميادين الفكرية فاشتهر في ميدان الاقتصاد أكثر من اشتهاره في ميدان الأدب والعِلْم... وإنني أقرن بهذه البشرى بشريات أخرى أعظمها مساعدة الشيخ الصبان إياي في نشر «التكملة والذيل والصلة» للصغاني عندما أنتهي من تحقيقه، كما أنه استعد أن يقدم من المساعدات ما يُمَكِّنْ لمعجم «تهذيب اللغة» للإمام الأزهري أن يُطبع ويُنشر، ولكن معالي الدكتور طه حسين باشا وزير المعارف المصرية عرض عليَّ أن تقوم الحكومة المصرية بطبع «تهذيب اللغة» للأزهري بعد فراغي من تحقيقه على نفقة الحكومة المصرية واتفق معي على ذلك... وقبل ختام هذه الكلمة أشكر الشيخ محمد سرور الصبان على عنايته بالتراث العربي وقيامه بنشر معجم الزنجاني وأشكره بالنيابة عمن يشتغلون باللغة، وأرجو من أغنياء المملكة العربية السعودية وهم كثير أن يوجهوا بعض عنايتهم إلى التراث العربي والإسلامي المهمل في مكتبات الحجاز وينشروه». والثاني مقال بعنوان «محمد سرور والمخطوطات»، نُشر في صحيفة الندوة (العدد 98، في 8/5/1378 هـ، الموافق 20/11/1958 م)، يقول فيه: «ذكرت الأديب الكبير الشيخ محمد سرور الصبان بخير، وقلت في نفسي «وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر»، ودعوت الله أن يرد غربته- وكان الصبان قد انتقل للإقامة في القاهرة بين عامي 1958 و1961- فقد اشتقنا إليه كثيراً، وهو نادر بين رجالنا في كثير من خلائقه الفاضلة التي ينفرد بها عن غيره من أمثاله العظماء، وكل مسألة ولها «أبو حسن». وأقف هذه التحية على اهتمامه بالمخطوطات وفهمه إياها فهم العلماء المختصين، وهو يسخو في رفع قيمة المخطوطة مهما ارتفعت» وبعد أن يتطرق عطار إلى ظرف ألم به ودعاه إلى بيع بعض من المخطوطات الثمينة لديه- ذكر بعضاً منها- ورفضه بيعها لجهات خارج المملكة، يقول «واشترى مني الشيخ محمد سرور مئات المخطوطات بعشرات الألوف». ثم يقول: «كنت أملك أكثر من عشرة آلاف كتاب مطبوع، وألفي مخطوطة، ولكن الحاجة تُخرج الكرائم من مخابئها، وتجعل العزيز هيناً، فبعت المخطوطات، أما المطبوعات فلم يبق منها إلى ربع ما كان عندي. ومع أن قدرة وطني على الشراء قادرة- هكذا- فليس فيه من يدفع في مخطوطة عشرين ألف ريال غير فرد واحد هو محمد سرور الصبان الذي يفهم قيم النفائس. وحول متابعة الصبان لما يصدر من المكتبات العربية وجديد ما تنشره، يقول عطار في مقال طويل عنوانه «في الأدب: الذين يقرءون والذين لا يقرءون» («البلاد السعودية»، العدد 1528، 18/8/1373 هـ، الموافق 21/4/1954 م): «اشتريت ذات مرة ساعة مغادرتي القاهرة كتاب «المذاهب السياسية المعاصرة» لصديقنا الأستاذ علي أدهم ثم وصلت مكة ومنها اتخذت سبيلي للرياض وقابلت الشيخ محمد- يقصد محمد سرور الصبان- وأخذنا نتحدث في الأدب والعلم، فسألته عن آخر قراءاته فقال: المذاهب السياسية المعاصرة لعلي أدهم، فشككت في كلامه، فأنا أول من اشتريت هذا الكتاب من السعوديين وأول من قرأه منهم وأول من اصطحبه إلى الرياض، نعم شككت في كلمه وظننته يريد أن يظهر أمامي في ثوب القارئ الحريض المتتبع، فسألته عن النقاط التي أعجبته، فأشار إليها في دقة وفهم واستيعاب، فأدركت أن الرجل قارئ ممتاز. ومكتبة الشيخ الصبان من أعظم المكتبات في بلادنا...». إسهامات الصبان ومبادراته في العمل الخيري لا يذكر اسم الصبان إلا وتذكر «جمعية الإسعاف» التي أسست في مكة المكرمة أول الامر تحت اسم «هيئة الإسعاف لجرحى المجاهدين»- «صوت الحجاز»، العدد 102، في 24/12/1352 هـ، الموافق 9/4/1934 م، ثم صدر نظامها بالأمر الملكي رقم 3306، في 3 ربيع الأول 1354 هـ، الموافق 4 يوليو 1935 م ليصبح اسمها «هيئة الإسعاف الطبي الخيري...»؛ هذه الهيئة- التي تحولت عام 1383 هـ إلى «الهلال الأحمر السعودي» في 16 محرم 1383 هـ، كانت ثمرة مبادرة مجموعة من الشخصيات السعودية التي رأت أهمية وجود خدمات طبية تطوعية وهيئة منظمة للإسعاف تؤازر جهود الدولة، وذلك على أثر ما واجهته البلاد من حاجة إلى وجود مثل هذه الهيئة خلال الحرب اليمنية السعودية ونشوب المعارك في جبال عسير وسواحل تهامة. وقضى الأمر الملكي الكريم بأن للجمعية تلقي التبرعات من داخل المملكة وخارجها. وفي عام 1354 هـ أعيد تشكيل هيئة إدارتها بعد استقالة الهيئة السابقة برئاسة الشيخ محمد الشيبي، وانتخبت هيئة إدارة جديدة من ثمانية أعضاء، و»فاز محمد سرور الصبَّان برئاستها» («صوت الحجاز»، العدد 125، في 24/4/1355 هـ، الموافق 14/7/1936 م). وفي عهد الصبان الذي استمر قرابة عشرين عاماً شكلت لها لجنتان في جدة والمدينة المنورة تحولا إلى فرعين، ونشطت في جمع التبرعات من الأمراء والتجار والمواطنين ومن أفراد وهيئات من خارج المملكة. وقد نشرت «صوت الحجاز» عدداً من الأخبار عن تبرع طلعت حرب لجمعية الإسعاف الخيري التي كان الصبان رئيسها وأحد مؤسسيها، ومنها افتتاحية العدد 192، في 4/11/1354 هـ، الموافق 28/1/1936 م، بعنوان: «الإسعاف عمل إنساني مجيد»، حول أهمية عمل هيئة الإسعاف وضرورة دعمها... ووردت فيها الإشارة إلى تبرعات طلعت حرب بالمعدات الطبية، ودعت الموطنين للتبرع لها. كما نشرت الصحيفة في أعداد متفرقة أخباراً عن تبرعات مختلفة لطلعت حرب- لدار العجزة ودار الأيتام...- عن طريق محمد سرور الصبان. وذكرت صحيفة «البلاد السعودية»- العدد 1371، في 22/12/1372 هـ، الموافق 1/9/1953 م أن اللواء أركان حرب محمد نجيب تفضل بإعانة جمعية الإسعاف الخيري بمكة بمبلغ خمسمائة جنيه مصري، كما تفضل بإعانة فرع الجمعية بالمدينة المنورة بمبلغ مماثل، ووجهت له الجمعية الشكر. غيرا أن اللافت للنظر هو نشاط الجمعية تحت رئاسة الصبان بتنظيم المحاضرات العامة، الثقافية وذات الطابع التوعوي المتخصص، وأول من القى محاضرة فيها هما الدكتور محمد علي الشواف- عن الرمد الحبيبي-، والدكتور حسني الطاهر- محاضرة عن السيلان-، وأعقبها محاضرات ثقافية ألقاها بين عامي 1355 و 1362- 1936 و1943 م- كل من محمد سعيد عبدالمقصود وأحمد العربي ومحمد العربي واسحق عزوز وأحمد عبدالغفور عطار وإبراهيم هاشم فلالي وإبراهيم فودة ومحمد مغيربي فتيح وعبدالوهاب آشي ومحمد عمر توفيق وسليمان الحمدان والدكتور محمد خاشقجي وعبدالحميد الخطيب ويحي أبو الخير وحمزة شحاتة ومحمد حسين زيدان وأخرون. وقد تحدث عبدالعزيز الرفاعي عن تلك المحاضرات وما أسهمت به من حراك ثقافي، وآسِفَ على انقطاعها في مقال له نشر في «البلاد السعودية» في 27/5/1374 هـ، الموافق 21/1/1955 م. إلى جانب ما تقدم يتطلب الحديث عن دور الصبان خلال فترة عمله أميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي بين عامي 1962 و1970 م بحثاً مطولاً. أما قصة تأسيسه مع آخرين للشركة العربية للطبع والنشر، أول مؤسسة إعلامية في المملكة العربية السعودية في 1/1/1354 هـ، والتي أشترت امتياز صحيفة «صوت الحجاز» وواصلت إصدارها، وولدت على يديها «البلاد السعودية»، التي تحولت إلى أول صحيفة يومية في المملكة فإن الحديث عنها وعن إسهاماتها يحتاج إلى كتاب ضخم، ولعل لي عودة إلى بعض إسهامات الصبان وتلك الشركة في حلقة قادمة. رحم الله الشيخ الصبَّان وأحسن إليه.