الكتابة الإبداعية وأهميتها.

الكتابة الإبداعية هي فن إنشاء النصوص التي تهدف إلى التعبير عن أفكار مبدعها ومشاعره وخياله بكل حرية وبشكل بديع، ككتابة الشعر والرواية والقصة والمسرح والمقالة والسير الذاتية والمذكرات. وتتميز الكتابة الإبداعية باستخدام علوم اللغة والبيان والبلاغة في تصوير أفكار المبدع وبثّ خيالاته والتعبير عن مشاعره ورسم لوحته الإبداعية رسمًا كتابيًا بديعًا ومشوّقًا يهدف من خلال تجويده بهذه العلوم إلى إيصالها للمتلقين بصورة باهرة الجمال والإبداع بغية الاستمتاع بها أو الاقتناع بفكره ورؤاه في موضوع من المواضيع. وتتميز الكتابة الإبداعية بالحرية ونقصد بها حرية التعبير للكاتب عن أفكاره ورؤاه، فهي إبداعية وذاتية تتحرر من القيود والإطارات التي تحدّ من إبداعه، فيطفق يكتب ويبدع من نفسه ومن خلال فكره بحرية ومرونة دون أي قيود. ترتكز الكتابة الإبداعية سواء قصيدة شعرية أو رواية أو قصة أو مقالة أو مسرح أو سيناريو أو سينما أو غيرها من فنون إبداعية على اللغة الأدبية ووجوه البلاغة المختلفة بعلوم بيانها ومعانيها ومحسناتها البديعية، وترتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة والخطاب المعبِّر الواصف، ونجد التشبيه والاستعارة والكناية وسائل لهذه الكتابة تهدف لإنتاج تجربة إبداعية مميزة تنتقل إلى المتلقي بأبهى الصور اللغوية والبيانية والدلالية التي تتضافر فيما بينها لإيصال أفكار المبدع ومشاعره للآخر بكل جودة وإتقان وتأثير. وللخيال خاصية كبرى في الكتابة الإبداعية حيث يُستخدم للتعبير عن أفكار المبدع وعواطفه بطريقة ممتعة وجاذبة للقارئ وذلك من خلال نسج عوالم وأحداث وشخصيات على درجة كبيرة من الإبداع في القصيدة أو الرواية أو المقالة وغيرها من الفنون. والكتابة الإبداعية تعتمد على عناصر أخرى في جذب المتلقي كالتشويق والإثارة والقلق وإثارتها لدى المتلقي حتى ينغمس في النص الإبداعي ويتشرّبه عقلًا وفكرًا وإحساسًا وعاطفة مما ينتج تجربة إبداعية لها أبلغ الأثر وأنجعه في المتلقين. ولا شك أن لهذه الكتابة في كل عناصرها ومقوماتها تأثيرها المشاعري والعاطفي الكبير في نفوس المتلقين بغية إظهار التأثر والاستجابة لما يبدعه الكاتب ومن ثم الاقتناع بوجهة نظره أو الإذعان لأفكاره أو الاستمتاع والتأثر وإبداء التعاطف معه ومع تجربته الذاتية في مختلف فنون هذه الكتابة. تركّز الكتابة الإبداعية على الجوانب الفنية والجمالية والأدبية للنص الإبداعي بهدف إيصال مضمونه للقارئ، كما تتميز بالأسلوب الخاص لكاتبها في التعبير، وكذلك تطرق جانب الخيال والتخييل بكل حرية، فالأمر واسع والخيارات متاحة أمام المبدع ليبحر بقرائه في خياله وما يختلج بذهنه في بحر من الإبداع يرافقهم فيه ليعيشوا معه التجربة الذاتية نفسها والمشاعر ذاتها ويغوصوا معه في أعماق النفس البشرية بأفكارها وتخيلاتها وعواطفها مما ينتج التأثير فيهم والتأثر عليهم مع هذه النص الإبداعي المميز فيطوفون من خلاله في عوالم جديدة وتجارب فريدة مختلفة مع كثير من المتعة والإثارة والتشويق. وتختلف درجات جودة الكتابة الإبداعية باختلاف شخصيات مبدعيها وخبراتهم اللغوية والبلاغية والسردية والخيالية، لذلك ليس كل من انبرى لهذه الكتابة يكون نتاجه في أعلى مراحل الجودة والسموّ، بل تتفاوت هذه النصوص بتفاوت شخوص مؤلفيها وأفكارهم وشخصياتهم. ونظرًا لأهمية الكتابة في الإبداع لا بد من تنشئة المبدعين فيها منذ الصغر، واحتواء مواهبهم وتنميتها وتطويرها، وكما قيل في القول المشهور: العلم في الصغر كالنقش على الحجر، كما أن التأسيس السليم لأي مهارة منذ البداية هو مفتاح الإبداع لهذه المهارة عند صاحبها في الغد، كما أن مادة الإنشاء والتعبير ومهارة كتابة القصة القصيرة في مناهج اللغة العربية ليست قادرة بمفردها على ذلك في المدارس وحدها، بل لا بد من ممارسات أكثر لصقلها وتهذيبها وتعميق التجربة الإبداعية في نفوس الطلاب والنشء وذلك من خلال تشجيعهم أولًا على القراءة التي تحفزّ عقولهم وتزيد خبراتهم المعرفية مع الوقت وبالتراكم، ومن ثم وضع خطط لهم للكتابة الإنشائية اليومية وتخصيص أوقات لمهارة الكتابة والإنشاء والإبداع مما يطوّر تجربتهم الإبداعية الكتابية الأدبية وغير الأدبية وينمي طريقة تفكيرهم ويوسع مداركهم ويثري خواطرهم من خلال هذه الممارسة المستمرة لهذه المهارة. كما لا نُغفل أهمية نقد هذه التجارب الناشئة وتوجيهها، وذلك بإقامة ندوات ودروس نقدية لإبداء آراء المعلمين والمختصين في هذه الكتابات الإبداعية ونقدها وذلك بإبداء الملاحظات عليها ونقدها النقد السليم المُطوِّر لها وإرشادهم وتقويم تجربتهم وتوجيههم وتحفيزهم وتشجيعهم، مما يُطور مهارة الكتابة لديهم وينمّيها فتنمو مستقيمة سليمة من الاعوجاج باسقة، ومن ثم يُطلق لها العنان بعد ذلك فتكون هذه المهارة قد تأسست التأسيس الجيد والسليم وبتوجيه وإشراف متخصصين في الكتابة الإبداعية، فينتج لنا في النهاية جيل من المبدعين من شعراء وروائيين وكتّاب وأدباء ونقّاد ومفكرين يشار لهم بالبنان ويساهمون في رفعة بلادهم بنتاجهم وآثارهم وثقافتهم. * دكتوراه في الأدب والنقد