
فقدت الدراما السعودية والعربية الفنان محمد الطويان، بعد حياة حافلة بالأعمال الفنية التي راقت للمشاهد السعودي، واستحوذت على وقته واهتمامه طيلة ما يقارب الستين عامًا، قدم الفقيد خلالها ما يقارب 50 عملًا منوعًا ما بين تمثيل في مسلسلات، ومسرحيات، وافلام، وكتابة. المتأمل في حياة الفنان محمد الطويان يجد أن فضولًا أوجد علاقة وثيقة ما بينه وبين الفن منذ الصغر، حيث ذكر رحمه الله أن بداية التحاقه بالفن كانت في حفل مسرحي أقحمه فضوله فيه مشاركًا، فكانت بذرة تعلقه بالفن، وحدث وهو في عمر الثالثة عشر ان اتفق مع أصدقاء له بتأسيس مسرح، وكان مسرحًا بدائيًا أو منبرًا مسرحيًّا بسيطًا بالمعنى الأصح كما أفاد، عُني بتقديم اسكتشات نالت رضى واقبال الحاضرين، ووصل بهم الأمر ألى ببيع تذاكر وبأسعار افاد عنها الطويان رحمه الله بالرمزية. في عام 1965 للميلاد انتقل الى مدينة الرياض للدراسة، ذلك الانتقال المتزامن مع تأسيس التلفزيون، مما شجعه ورفاقه علي إبراهيم وسعد خضر وعبدالعزيز الحماد وعبدالرحمن الخريجي وحمد وأحيه أحمد الهذيل أن يتوجهوا اليه للمشاركة، وما استحدثوه من جهود شخصية، أوردها صديقه الفنان علي ابراهيم في هذا التقرير. فرصة الالتحاق بالتلفزيون شابها منعطفات، فتوجه محمد الطويان حينها إلى المعهد العلمي وانبثاق فكرة أداء مشهد مسرحي مع عبد العزيز الحماد، وتقديمها للتلفزيون مُمنيًا النفس بقبوله، وهيّأ له الحظ الحسن جلسة مع مدير محطة تلفزيون الرياض فوزان الفوزان، وبصحبة الكاتب المخرج إبراهيم الحمدان، فكانت الموافقة على عرض أول مسرحية حملت عنوان “أحلام سعيدة ياحسن” في عام 68 تكللت بالنجاح. وقد شارك في مسرحية “ أحلام سعيدة ياحسن” كل من محمد العلي وعلي إبراهيم وسعد خضر، فكانت منصة انطلاق مستمر نحو عالم الدراما، وبأعمال فنية ظلت قيد ذاكرة المشاهد، مما أوجدت له مكانة فنية متينة جعلت من وفاته الحدث الأصعب لدى محبيه الرفاق والجمهور، تبين عبر كلمات تأبين بعثوها لمجلة اليمامة، تحكي المواقف والذكريات التي مازالت راسخة في الأذهان. الفنان علي ابراهيم محمد الطويان صاحب المشتركات الواحدة محمد الطويان أخ وصديق وزميل داخل المجال الفني وخارجه، تجمعُنا مشتركات عدة، بداية من حب الفن وعشق التمثيل منذ الطفولة، مرورًا بالحي الواحد، وصولًا إلى مجال التدريس الواحد، كون كل منا مدرس للتربية الفنية، مما أوجد ترابطًا حميميًا تجاوز عقود. التقينا في التلفزيون عام 1392 هجرية، ومهّد هذا اللقاء معرفة بسيطة، وكان أول عمل تلفزيوني مسلسل جمعني معه هو “أحلام سعيدة ياحسن” سبقها أعمال مسرحية من جهد ذاتي وقوده الشغف، الى حين تأسيس التلفزيون السعودي، والعروض التي كنا نقدمها، وحكايتنا معها. الحكاية أننا اتخذنا من محل لبيع الوجبات الخفيفة مجاورًا للتلفزيون منصة لعروضنا الفنية، وشهدت آنذاك اقبال ملفت من مرتادي المحل، ورضا من الحاضرين، مبادرات كان يحركها الشغف، ووقودها زملاء فنانين في مقدمتهم محمد الطويان وبمشاركتي مع سعد خضر وعبدالعزيز الحماد وعبدالرحمن الخريجي وحمد وأخيه أحمد الهذيل. محمد الطويان فرض نفسه فنانًا يستحق أن يكون فارس للدراما، وكان لي حظوة مشاركته في مسرحية “سقوط الحساب” باللغة العربية الفصحى، التي عُرضت في شهر رمضان عام 1396 للهجرة، على مسرح للمحاضرات، وأعمال أخرى أعدها الرصيد الثمين لي في مشواري الفني طيلة ٦٠ سنة. حين تُعيد الذاكرة تلك الأيام أجدها حياة فنية مبنية على التعاون، يتوّجها الاهتمام والحرص الشديد على الجلوس مع بعضنا البعض للمراجعة والتعديل والتصحيح، في سبيل ان يصل العمل إلى درجة لا تسمح له بالعرض فقط، بل أن يرسخ في ذهنية المشاهد، ومع محمد الطويان الذي سنفتقده صديقًا نبيلًا وفنانًا حقيقيًا. رحمه الله. الدكتور فهد اليحيا وداعًا أبو فراس تعجز الكلمات ويعز الكلام، أسرق بالدمع والدمع يشرق بي، هل تكفي رسالة العزاء التي بعثها صديقي الأغلى الدكتور طارق من الشرقية “رحم الله أبو فراس رحمةً واسعة، كان بحق الممثل السعودي الوحيد الذي يقارع كبار الممثلين في الوطن العربي، عظم الله اجركم أبو لؤي وألهم اهله وذويه الصبر والسلوان”. هي لا تكفي يا محمد، فقد كنت الأخ والصديق الحبيب، نغيب عن بعضنا البعض سنة أو أكثر، وحينما نلتقي كأننا لم نفترق إلا البارحة، ولا تكفي لأنك لم تكن ممثلًا قديرًا فحسب - وهذا يكفيك فخرًا- بل لأنك فنان مثقف وكاتب ورسام وصاحب فكر ورؤية ومبدأ، وفي رثائك لا أستطيع تنميق الكلام، بل العفوية سيدة الكلام عنك. حين عرفت أبا فراس في القاهرة صيف 1982 - ان لم تخن الذاكرة- كان أن جمعتنا علاقة نسب، ولكنها أوهى ما تربطني به، كان أيامها شخص “حظيظ” مالئ الدنيا وشاغل الناس في السعودية، وهذا دوره في مسلسل “السعد وعد” 1982. شاهدت محمد الطويان وعبد العزيز الحماد في اسكتشات في مسرح التلفزيون، وهذا أخر عهدي به حتى مطلع 1983 حيث عدت إلى الرياض في سنة الامتياز، وكنت ومحمد لا نكاد نفترق تقريبًا، ومن خلاله عرفت عبد العزيز الحماد ومحمد العلي، رحمهم الله جميعًا، فأصبحنا رفقة واحدة تقريبًا، وجميعهم رائعون ومبدعون، ولكن محمدًا يبزهم بكونه مثقفًا موسوعيًا مطلعًا متابعًا وفي كل عرس له قرص. كان لا يتوانى عن مدحي إن أجدت، وعن هجائي بشكل رائع “أنت طفل جميل، بكره تكبر” وأكاد أجن، فعشت معه لحظات عودة عصويد، وكان يهذر طوال الوقت عنها، مثل طفل يتحدث عن لعبة، بل كعاشق يتخيل حبيبته التي عرفها عن بعد وستأتي قريبًا فيراها (مثل اللقاء الموعود الذي لم يتم بين جبران ومي زيادة). وعندما اكتمل العمل دعاني حيث كان والمخرج عدنان إبراهيم وبعض الفنانين والأصدقاء ومشاهدة حلقات منه قبل عرضه، فكان يتسم بجوانب سوريالية بعض الشيء، وهناك جزء لم يعرض مثل البحث عن الريال “ فين الريال” في حيلة ذهنية حسابية، ولكن الاستاذ وليد البراهيم -رئيس الشركة المنتجة أرا- طلب بحس فني وحصافة بإعادة المونتاج فنجح المسلسل بشكل كبير وفتح الباب لظهور مواهب سعودية. أبو فراس... أهرب بهذا الهذر من حزن أني فقدتك يا غالي، ولو تركت العنان لنفسي ملأت صفحات، فالسلام ٌعليك، السلام سلام ليك. الشاعر صالح الشادي. محمد الطويان حياة كرّسها للجمال. رغم رحيله، يظل إرث محمد الطويان الفني، وأثره الذي لا يُمحى في قلوب محبيه، شاهدًا على حياة كرَّسها لرفعة الجمال وللتغيير وللتعبير، فرحلته التي بدأت قبل عقود، كانت مدفوعة برؤية فريدة لتربية الذائقة الفنية في محيطه، حيث تجاوز أسلوبه الشكل المسرحي، لِيُقدِّم فنًّا يَسمو بالحياة ذاتها، محوِّلًا العادي إلى مشاهد تحمل معان عميقة ذات عمق دلالات. لم يكن محمد الطويان مجرد فنان عادي أو ممثل ساخر فحسب، بل حوَّل السخرية إلى مرآة تعكس واقع المجتمع بكل أفراحه وتعقيداته، وضحكته حملت عمقًا نابعًا من رغبة صادقة في إعادة تشكيل النسيج النفسي لمحيطه، فازدهرت في شخصيته روح الإنسان السعودي بكرمها وإنسانيتها وارتباطها الوثيق بتراثها، لنراه وقد جسَّد روح أرضه، مزاوجًا بين ترابها وتفاصيل فنه، ليخلق نسيجًا جميلا للهوية والانتماء. كأحد الرواد الأوائل في تشييد الدراما السعودية، لم يكن الطويان مُحبًّا عابرًا للفن، بل كان عالمًا بحرفته، مسلحًا بحكمة صقلتها التجارب، ورغم ما واجهه من التحديات الا انه استمر بثقة هادئة، مناضلًا من اجل رسالة الفن، مُرسيًا أساسًا لإبداع الأجيال القادمة، تاركًا بصمة لا تُنسى في المشهد الثقافي للوطن. ونحن نودعه، تظل أعمال محمد الطويان خالدةً كمنارة للإبداع، روحه الرقيقة والعميقة، التي تفاعلت مع تفاصيل الحياة، تعيش في الذكريات التي صاغها والقلوب التي لمسها، فقصة محمد الطويان ليست نهاية، بل إلهامٌ متجدد سيحرك النفوسَ وسيحكى القصص، وسيظل طيفه امامنا، مؤكدًا أن الإبداع هو أصدق أشكال الخلود، فرحم الله محمد الطويان. عبدالعزيز المبدّل محمد الطويان مدرسة لتخريج الفنانين رحم الله الفقيد الفنان والكاتب محمد الطويان، الذي وهب نفسه للفن والتمثيل، فكان من مؤسسي الدراما السعودية ومن قبل ما يقارب 60 عامًا ومع بداية التلفزيون السعودي، وبصحبة فنانين من أمثال احمد الهذيل ومحمد الهذيل ومحمد المفرح وعبد الرحمن الخريجي وسعد خضر وعلي إبراهيم وعبد الرحمن الخطيب ومطرب فواز. محمد الطويان أحد المدارس التي تخرجنا منها كممثلين، وتشرفت بالعمل معها ضمن اعمال درامية أبرزها مسلسل “عودة عصويد” تبعها بعض الاعمال في مسلسل “طاش” علاوة على المشاركة معه في مسرحيات عدة، منها “سقوط الحساب” وكانت باللغة العربية الفصحى. محمد الطويان رحمه الله صاحب خلق عال يملك صفات جميلة ورائعة، وممن يستمع أكثر مما يتكلم، وفنان متعدد وصاحب اجادة فنية لأنواع الدراما، عمل بالمسرح وعمل بالسينما وكذلك بالإذاعة، وما أن يمر شخصه على ذاكرتنا الا ونذكر اعماله الرائعة كعمل “حظيظ “هذا العمل الجبار، وبوفاته فقدنا أحد أعمدة الدراما في السعودية، بل في الخليج والوطن العربي”. الدكتور صبحي الحداد محمد الطويان عراب الذائقة التشكيلية لطلابه بداية معرفتي بالفقيد وجه لوجه ولأول مرة في أحد صفوف الدراسة الإعدادية مدرّساً لمادة التربية الفنية بمدرسة الفاروق المتوسطة بجدة، الكائنة آنذاك في القصور السبعة بحي البغدادية، وتحديدًا نهاية الستينات. عرفت الفقيد الأستاذ محمد الطويان فنانًا تشكيليًاً مميزًا، علّمنا الكثير من فنون الرسم والتعامل مع الألوان بصبر وتأن، أوجدت لنا المرح نحن التلاميذ الصغار آنذاك، وقبل ان يتجه للعاصمة الرياض ممثلاً موهوبًا متمرسًا يشق طريقه بإتقان واحتراف نحو المجد في العديد من الأعمال التمثيلية. مما تسعفني به الذاكرة عن الراحل الكبير محمد الطويان، ان نشرت له في صحيفة عكاظ العديد من الأخبار حول أنشطته وأعماله ومشاركاته الفنية، حين كنت مشرفًا على الصفحة الفنية، ومحرر طبي للصفحة الطبية في بداية الثمانينات الميلادية كان رحمه الله يتصل بالصحيفة شاكرًا ومهنئًا على الاهتمام والمتابعة لأنشطته ومشاركاته، وبوفاته فقدت الدراما السعودية والخليجية واحداً من روادها، وممن صنعوا مجدًا خاصًا ومميزًا على مدى عقود، بعد رحلة فنية طويلة أثرى خلالها الدراما السعودية والخليجية بأعمال مميزة ستظل باقية ومحفورة في الأذهان. سيرة انجاز الفنان محمد الطويان من مواليد مدينة عمان بالأردن، ومن أبناء العقيلات، ونشأته كانت في مدينة عرعر من سن العاشرة، مُشكلًا مع جيل شغوف انجازًا فنيًا لا يُنسى، مٌجسدًا عبر 60 عاما من الحياة الفنية شخصيات درامية ترسخت في أذهان الجمهور من كبار السن خاصة، مثل شخصية عصويد في مسلسه “عودة عصويد” وأبو ضاري في مسلسل “عيال قرية” أوبو جهاد في “غشمشم” والى قبل وفاته كان الطويان حاضرًا في مهرجانات سينمائية، والاحتفاء بفيلمه “مندوب الليل” الذي حقَّق نجاحًا ملفتًا، وحظي بإشادات عدة من سينمائيين. بدأ الطويان مسيرته الفنية من عدد من السهرات، منها “السعد وعد” عام 1982، التي جسّد فيها دور ملفتًا هو حظيظ، وشارك في عدد من المسلسلات التي حققت نجاحًا جماهيرياً مثل “طاش ما طاش، وأبو الملايين، لعبة الكبار” ليس هذا فحسب، بل شارك في كتابة مسلسلات عدة إلى جانب دوره في اكتشاف عدد كبير من الفنانين والمخرجين السعوديين والعرب. حظي بتكريم ملفت مستحق من وزارة الثقافة عام 2024، وحيازة جائزة المسرح والفنون الأدائية في النسخة الرابعة من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية، إضافة إلى تكريمه في “Joy Awards 2025 “ ضمن رواد الفن الخليجي بجوائز صناع الترفيه الفخرية، ولكن المرض وقف حائلًا بينه وبين حضوره رحمه الله.