ما يزال صدى حجب معرض فرانكفورت للكتاب لجائزة الروائية الفلسطينية عدنية شلبي يجول في أرجاء تفكير المثقفين العرب باختلاف أجناسهم، وتخوف يتربص بهم أن يأتي اليوم الذي تكون فيه الثقافة مجردة وعارية من قيمها الإنسانية السامية، وتصبح قوة ناعمة تتخذها السياسة أداة بطش أو عصاة تلوح بها في كل ما يتعرض مصالحها وأهدافها، ومؤلم جدًا ألا يبقى للبشرية ما يجمعهم على الحب والسلام. مجلة اليمامة وضعت محورها بين يدي كُتاب من مختلف الدول العربية، ومناشدة أن يدلوا بدلوهم اتجاه هذا التصرف الا مسؤول من كتاب فرانكفورت وتعليقهم عليه. ثقافة الموالاة قال وزير الاعلام الكويتي السابق الدكتور سعد بن طفلة” الواقع أننا قدر الإمكان نحاول أن ن.ُبعد نشاطات معينة إنسانية عن السياسة وعن مشاكلها وألاعيبها وتقلباتها وأيضا أحيانًا عدم نظافتها، ولكن القول سهل ويسير” مبينًا أن الثقافة والرياضة متشابكة مع جوانب الحياة المختلفة “فكثيرون رأوا مدرب من اشهر المدربين في كرة القدم غوارديولا قد عوقب حين حمل شعار يدعو إلى استقلال إقليم كتالونيا والافراج عن دعاة الاستقلال لكتالونيا من اسبانيا وغُرم اكثر من مرة، ولكن نفس الاتحاد الذي غرمه لم يغرمأاو يمنع من رفع العلم الأوكراني حين غزت روسيا أوكرانيا، ونفس الشي يقال عن الثقافة التي كان يفترض أن تكون محايدة وتقييمها يكون للعمل الثقافي والفني ولكن القول شي والواقع شي آخر”. الثقافة فعل مشترك وثابت. أشار الشاعر والأكاديمي السعودي أحمد قران إلى وجوب وقوف الثقافة في صف السلام والاستقرار العالمي “بل إنها أهم وسيلة لنشر السلام العالمي لاسيما نعلم يقينًا أن الثقافة والرياضة مشترك إنساني لا جغرافية لها ولا حدود سياسية لها”. وتابع “ كان يجب على القائمين على المؤسسات الثقافية والرياضية المعنية بهذا المشترك الإنساني الابتعاد عن التسيس والبعد عن التحيز والايدولوجيا والطائفية والعرقية، لأن الفعل الثقافي ملك البشرية كلها، والسياسة اذا ما تدخلت في الجوانب الرياضية أو الثقافية أو الفنية أفسدتها خاصة وأن السياسة فعل غير مستقر وغير ثابت بينما الثقافة فعل مشترك وثابت”. ووصف قران قرار هيئة الشارقة بمقاطعة معرض فرانكفورت بالقرار الإنساني “قبل أن يكون قرارًا ثقافيًا جاء نتيجة تحيز القائمين على المعرض، وآمل من كل العارضين العرب مقاطعة المعرض حتى تكون درسا لكل القائمين على الأنشطة الثقافية في العالم بأن يبتعدوا عن المواقف السياسية ابتي تتغير بتغير المواقف والظروف”. طمس وجه الثقافة الحقيقي بدوره استرجع أستاذ الأدب والنقد الحديث جامعة سيئون الدكتور اليمني علي العيدروس ذاكرته، قائلًا “ خمسة قرون من عمر معرض فرانكفورت العالمي للكتاب لم تستطع أن تجرد هذه التظاهرة الثقافية من العنصرية وتحري ميزان العدل، فها هي إدارة المعرض تسحب الاحتفال والتكريم للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي بعد حصولها على جائزة المعرض عن روايتها تفصيل ثانوي في خطوة وصفها مغردو التواصل الاجتماعي تكميما للأفواه ونفاقا للغرب في دعوته للحرية”. واسترسل في حديثه “ خمسة قرون من عمر فضاء الكتاب وعالميته لم تستطع الصمود أمام ديمومة ثقافة الحوار ثقافة المعرفة للجميع ثقافة إن الكتاب يصنع السلام ويعزز الحوار والتفاهم بين المجتمعات الإنسانية، هكذا تفرغ إدارة أكبر معرض عالمي لنشر الثقافة مضمون هذا المشروع السامي”. وزاد “علينا أن نبحث عن هذا التفصيل الثانوي القابع خلف هذا الكيان الثقافي المختل، وعلينا أن ندرك كيف ألبست الثقافة لباسا سياسيا ليطمس وجهها الحقيقي المشرق في إثراء الحياة وديمومتها بين الشعوب، فليست إذن الكاتبة عدنية هي المعنية بهذا القرار المقنع إنها فلسطين القضية التي تحاول أن تخطو نحو السلام فتتعثر بالسلام المقنع والزائف”. وأوضح العيدروس “كونه إجراء عنصري من إدارة معرض فرانكفورت جعل هيئة الشارقة للكتاب أن تقرر الانسحاب من المشاركة في المعرض ومثلها اتحاد الناشرون العرب يقرر الانسحاب من المعرض وكذلك كتاب مرموقين قرروا الانسحاب أيضا مثل الكاتب الجزائري سعيد خطيبي والكاتب المصري شادي لويس بطرس معتبرين ذلك دليل تواطئ من المعرض مع إسرائيل وموقفا استعماريا عنصريا منه وكذلك انسحب كل الأحرار الذين يؤمنون أن الكتاب ثقافة لخلق حوار أوسع وأن لا مجال لتضخم العنصرية فيه”. وأكدوا على كشف رواية “تفصيل ثانوي” للعنصرية والجريمة الإسرائيلية “وتثبت اختلال ميزان العدالة العالمي إن عمر معرض فرانكفورت الثقافي الطويل لم يمنعه في السقوط في وحل العنصرية ويتمرغ فيها ومهما حاول استعادة نظافته فإن الوحل حتما سيترك علاماته عليه” مشيدًا بمساهمات الشارقة “خلال مشوارها الثقافي المعروف في نمو مساحة الثقافة العربية على المستوى العربي والعالمي مدركة هذا الدور الفاعل في نشر وتوسيع ثقافة الحوار للوصول إلى سلام مستدام ببن الشعوب”. سمات الثقافة ثابتة وأوعز الروائي المصري عبدالواحد محمد أن للثقافة بصفة عامة دعمها لكل ما هو سلمي وأصيل على حد قوله، مبديًا وجهة نظره “يظل الوطن العربي بخير وأصيل، وتظل الثقافة محتفظة بسماتها حتى وأن طالتها السياسة التي لمسناها من موقف معرض فرانكفورت للكتاب مع الفلسطينية عدنية شلبي وتحيزهم ضد كل فلسطيني، ودولة الإمارات العربية المتحدة لها مواقف عربية أصيلة من خلال مؤسساتها الثفافية عامة سواء في الشارقة او دبي، خاصة وجائزة الشارقة للكتاب هي جسر ممتد مع الوطن الكبير”. إيجاد كيانات ثقافية قادرة على المنافسة أما أستاذ البلاغة والنقد في جامعة الامام عبد الرحمن بن فيصل الدكتور المصري مصطفى الضبع فيرى أن الموقف لا يحتمل الحياد “”فإن موقف أي مؤسسة عربية على صلة بالموضوع لهو موقف تاريخي لا خيارات بديلة له ولا يقبل النقاش، وهو مواجهة ليس لإبداء الرأي في الأحداث الأخيرة، ولكنه موقف ضد سياسة الكيل بمكيالين التي باتت سياسة الغرب في كثير من المواقف”. وأضاف “ربما نكون مطالبين بمواقف أشد صرامة ضد كل كيان ثقافي يخلط بين الثقافة والسياسة أو يعمد إلى تسييس الفعل الثقافي، وهو يحيلنا إلى نظرية المؤامرة في كثير من الأحيان، فليس هناك تأويل مقبول لتصرف إدارة معرض فرانكفورت ولجوئها إلى ما كانت لتقبله لو أنه صدر من معرض عربي مثلا”. وكون الانسحاب يحمل قدرًا من الاعتراض المقبول طرح الضبع سؤاله “وماذا بعد ؟ فبالطبع لا أحمل هيئة الشارقة للكتاب وحدها مسؤولية سؤال البعدية هذا ولكنها دعوة لتكاتف الجميع لاتخاذ مواقف أكثر فاعلية بمعنى طرح كيانات بديلة، فإذا كان معرض فرانكفورت معرضًا مصنفًا عالميًا فلماذا لا يكون للوطن العربي من المعارض ما يكون قادرا على المنافسة وخلق كيانات موازية وقادرة على المنافسة، ولدى المؤسسات العربية (مجتمعة) من الإمكانيات ما يجعلها قادرة على إنجاز ذلك، فالانسحاب فرصة للآخر للانفراد بالتأثير وتقديم ما يريد تصديره للعالمي، وهو ما يجعلنا مطالبين بتقديم المزيد من النشاط الثقافي البديل أو القادر على التعبير عن آرائنا بطرق تليق بالثقافة كونها قوة ناعمة وسلاحا معروف التأثير على المدى البعيد”. وأوضح في ختام تعليقه إن المؤسسة الثقافية العربية مطالبة بتحرك مدروس للقيام بدورها المأمول سواء داخل الوطن العربي أو خارجه، واستثمار الملحقيات الثقافية العربية المنتشرة في كل بلاد العالم لتقديم وجه يليق بالثقافة العربية الأصيلة “وهناك الكثير من الأفكار التي يمكن تطبيقها في هذا الاتجاه لخدمة ثقافة عربية نعرف جميعا قدرها، وهي مساحة لابد أن تخلقها المؤسسة العربية لنفسها وأن تكون مستدامة وليست مجرد نشاط مؤقت”. الاتساق مع النسق الحضاري وتظل الثقافة بدورها المحوري لدى مدير بيت الشعر بالشارقة الإماراتي محمد البريكي فوق المحو والإلغاء، وفوق تسميات التزييف “فحقائق التاريخ لا تموت، وهذه الحياة الثقافية التي نحيا في رحابها الآن في كل بقاع الأرض لن تتوقف رسالتها، طالما أن هناك وعيًا جمعيًا يقف ضد الأقنعة المشروخة، فلا حياة دون الإنسانية التي لن يكف عنها المثقف الحقيقي في هذا الزمن وفي كل زمان”. وأردف “ما قررته هيئة الشارقة للكتاب من الانسحاب من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب بناء على ما صرح به مدير المعرض الداعم لإسرائيل، ومن ثم سحب إدارة المعرض جائزة الكاتبة الفلسطينية عدنية شلبي هو قرار يتسق مع النسق الحضاري الإنساني، والقرار هو أيضاً مبادرة تحمل في زمامها كل ما هو أصيل ونبيل، فقد أعقب ذلك مباشرة دعوة لإبراز دور الثقافة والكتب في تشجيع الحوار والتفاهم بين الناس، لأن المواقف النبيلة عادة ما ترسخ للأولويات الإنسانية دون تعمية للحقائق البديهية في مشاهد التاريخ التي لا يغفل عن طبيعتها أحد، فالحوار البناء ينسف الحواجز الواهية المتناقضة، ويعبر عن عدم قبول الانتكاسات الثقافية التي تتبني مواقف غريبة لا تتماهى مع التقدم الحضاري والإبداع أيضاً، فمن حق الجهات الثقافية العتيدة أن تأخذ مسافة في حالة تبدل المنظور الثقافي بأسلوب يستفز المشاعر، ويقترن باللامعقول في زمن التحولات المفاجئة التي لا تعبر عن حكمة وحضارة وإنسانية”. سياسة تضرب عرض الثقافة بالحائط. وتأتي خطوة إلغاء تكريم الروائية العربية الفلسطينية في معرض فرانكفورت للكتاب في نظر الكاتب والأكاديمي العماني حمد الجابري صدمة للعديد من محبي الأدب والثقافة “حيث يظهر هذا القرار نابع من دوافع سياسية متحيزة بشكل واضح، وهو ما يلقي بظلال كثيفة على التقاط الأدب والثقافة من نقاط نورها المشرقة إلى أهداف سياسية معينة قاتمة متحيزة”. وقال “إلغاء تكريم عدنية شبلي يمثل تجاهلًا خطيرًا لقيم الأدب والثقافة السامية التي تجسد التواصل الثقافي والفهم المشترك بين مختلف الثقافات، وإن تقدير الأدباء والكتّاب لأعمالهم يعكس تفردهم فيW التعبير عن أفكارهم وقصصهم، وإلغاء تكريم شبلي يمنح الانطباع بأن الأدب يمكن أن يستخدم كأداة بغيضة لأغراض سياسية، وإلغاء التكريم يمثل استغلالًا للثقافة في أغراض سياسية غير متحضرة، وهذا يجب أن يثير قلقنا بشأن حرية التعبير والتبادل الثقافي في دول تدعي حرية التعبير إن الرد الإيجابي من هيئة الشارقة للكتاب ومعرض زايد للكتاب يعكس التزامهما بالقيم الثقافية والأدبية، وهو ما يجب أن يكون مصدر إلهام للجميع للدفاع عن قيم الثقافة والأدب في وجه أي محاولة لتشويهها بالأغراض السياسية”. وأشاد بموقف هيئة الشارقة للكتاب “ فهي خطوة مشرفة تشير إلى التزام هذه الهيئة بقيم الثقافة والأدب، ولا ننس بادرة معرض زايد للكتاب ال اتخذ بتكريم الروائية الفلسطينية في دورته الأخيرة، مما يظهر التضامن والدعم للكتّاب والروائيين الذين يعانون من تجاهل سياسي”.