الحلي عبر التاريخ.

منذ فترات ما قبل التاريخ تعلم الانسان البدائي الأول استغلال الطبيعة... فاتخذ من الكهوف مسكناً واستغل الطبيعة في قضاء حاجاته... ونظراً لحاجة النفس البشرية الفطرية الى الرغبة بالإحساس بالجمال والافتخار والظهور والتباهي بالثروة، وإبراز المكانة الاجتماعية. الى جانب حفظ النفس من الشرور دافعا لها الى الاختراع والابتكار فاهتدى الانسان الى اكتشاف الحلي... حيث ان للحلي دلالات ترتبط بالجسد، فهي تمثل الرفيق بينها وبين صاحبها في التعبير عن الصحة والمستقبل والماضي والعقيدة والقلب والعاطفة والحلم ودفع الشر كأبعاد العين ودر الحسد الى جانب التبرك به. والحلي هو اسم جامع لكل مادة اتخذها الانسان للتحلي بها سواء كانت مصنوعة من المعدن، أو الحجر، أو العظام، أو الخرز، ويلبسها كلا من الرجل والمرأة على السواء في أي جزء من الجسم للزينة، سواء في المناسبات الاجتماعية أو الدينية أو اتخاذها كتمائم للرقية وابعاد الشرور عن صاحبها. حيث يعد الحلي فن وصناعة وابداع من أهم مظاهر التطور الحضاري للمجتمع، ومن أهم الوثائق التي تُعطي للدارسين مادة علمية غنية عن الحالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية لسكان المجتمعات القديمة والحديثة. فمنذ بداية العصور الحجرية الحديث كان الحلي يتخذ من قشور بيض النعام والقواقع الحلزونية وقواقع السلحفاة والعاج والعظام وأسنان الحيوان والاحجار المصقولة الملونة، والغير كريمة، والفخار، واللؤلؤ. وذلك لوفرة هذه المواد وسهولة حفرها ونظمها، والاستفادة من الياف النباتات أو شعر بعض الحيوانات في صناعة الخيوط وبتالي صنع القلائد والأساور. وخلال الالف الثالث قبل الميلاد عثر على مجموعات من الخرز مختلفة الاشكال والاحجام والألوان ومادة الصنع فمنها الأنبوبي والاسطواني والمحدب والمخروطي والكروي، والحلقي والقرصي والمحاري. ومادة تلك الخرز مختلفة أيضا فمنها المصنوع من حجر الصوان والاحجار النارية والجرانيت والمرمر ومنها مصنوع من الأحجار الرسوبية التي تحتوي على متحجرات عظمية ومنها المصنوع من الطين كالفخار والجص. ثم انتقل الانسان الى مرحلة جديدة حيث اكتشفت المعادن واستعملها لصناعة كل احتياجاته اليومية بما فيها الحلي، فشكلة الاساور والخلاخل واختلفت أطرافها فمنها المستدير والرقيق ذات الحزوز وذات شكل يشبه رأس الثعبان ومنها ذات أطراف مغلقة. وقبل 6000 سنة أكتشف الذهب وعرفتهُ جميع الحضارات واستخدم بشكل كبير بسبب قابليته للطرق والتشكيل فصنعت منه الحلي والعملات. وأول من عرفه هم سكان الجزيرة العربية حيث انتشرت مناجم الذهب في جنوب وغرب وشمال الجزيرة العربية.، وأكدت ذلك الوثائق التاريخية في حضارة بلاد الرافدين والتي أشارت الى أن الذهب يأتي من شمال الجزيرة العربية على هيئة هبات. فقد ساهم اكتشاف المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والأحجار الكريمة الى تهاتف الناس عليها وتنوع اشكالها فصنعة للرأس وللأذن، وللعنق، ولليد والقدم. وفي الشمال الغربي لشبه الجزيرة العربية شملت معثورات موقع الصناعية بتيماء معادن لأساور وأقراط مصنوعة من الحديد والنحاس وعدة أنواع من الخرز ذات الاشكال والألوان المختلفة والتي يرجع تاريخها الى الالف الثاني قبل الميلاد. وفي الصنيميات بدومة الجندل عثر على زمام من الذهب يستخدم في تجميل الانف وقلائد وأساور من أحجار كريمة وشبه كريمة تعود للقرن الثاني قبل الميلاد أما الخريبة في الحجر عثر على قطع من العظم كالخاتم الدائري الشكل ذات اللون الأبيض ويعود تاريخه الى القرن الأول قبل الميلاد، وهذا دليل على الصلات التجارية التي كانت قائمة بين الانباط والحضارات المجاورة. وفي الجنوب الغربي من شبه الجزيرة العربية (قرية الفاو) عثر على عدد من الحلي مصنوع من البرونز والذهب والفضة ويعود لفترة القرن الرابع الميلادي. وبالمنطقة الشرقية وبتحديد في شمال شرقي ثاج عثر على رفاة فتاة ربما انها ملكة عليها كنائز من الذهب المتعدد من الخواتم والاقراط والرقائق الذهبية والقناع والكف والذي يعود تاريخه الى حوالي القرن الأول قبل الميلاد – القرن الأول الميلادي واستمرت صناعة الحلي من المعادن الثمينة في أرض الجزيرة العربية فقام المسلمون بصياغتها وصناعة أجمل الحلي فأثروا وتأثروا بالحضارات الأخرى بسبب التبادل التجاري والفتوحات الإسلامية فظهرت القلائد ذات الطابع البيزنطي والروماني والمصري، فقد صنع العباسيّون الحلي بطرق كثيرة مثل الحز والحفر والتخريم وقد وُجدت بعض الحلي في العصر العباسي المتأخر تحتوي على رسوم بهيئة حيوانات أو طيور الى جانب النقوش النباتية والأشكال الهندسية والكتابات الخطية. المراجع:....................................... ـ غابنة، جمان، مظاهر تطور الحلي خلال فترتي ما قبل التاريخ وفجر التاريخ، مجلة منبر التراث الاثري، العدد السادس. ـ سلسلة اثار المملكة العربية السعودية، اثار منطقة عسير، وزارة المعارف- وكالة الاثار والمتاحف، 1423هـ/ 2003م. ـ الشهاوي، صلاح عبد الستار، الحلي والزينة في الثقافة العربية الشعبية، مجلة الثقافة الشعبية، العدد التاسع. ـ زين العابدين، علي، المصاغ الشعبي في مصر، 1974م، مطابع الهيئة المصرية العامة. ـ العيسى، عباس محمد زيد، موسوعة الراث الشعبي في المملكة العربية السعودية، الرياض، وزارة المعارف- وكالة الاثار والمتاحف، 1419هـ/ 1998م. ـ المغنم، علي، وآخرون، تقرير مبدئي للتلال المكتشفة في جنوب الظهران خلال الموسم الثالث 1405هـ، أطلال، العدد العاشر، 1406هـ/ 986م *ماجستير آثار ومتاحف