الرواية ..

هي حكايات جدتي وأنا مستلقٍ على ظهري وهي تفلي رأسي تبحث عن الأحلام .. هي ميمونة حين دب القلق في عمها وتسرب لأمها وهي لم تولد بعد ولكنها قلقت معهما .. هي يعقوب العريان حين وقف حائرًا أمام بائعة العطور يحاول عبثًا تذكر عطر زوجته المفضل ليهديها إياه. الرواية هي توهان طارق فاضل في طرق الحياة الخفية، في تلك العوالم المجهولة التي تقوده إلى بؤسه. هي صدمة المدعو (ك) حين فاجئه المرض القاتل، وأساه العذب على زوال الأشياء، أو ذلك العطف الناتج عن إدراك حتمية مُضيها. الرواية هي حمود حصان وجميل والقرصان الذين جمعتهم الحياة، فالمهزومون في معارك الحياة يعرفون بعضهم جيدًا. هي حكاية القرى، حيث تكون السماء جزءًا من الجبال، وصوت عطيه وهو يصرخ الجبال الجبال الجبال ، وخضران بشموخه محاربًا من أجل التبغ. الرواية تستطيع أن تجعلك تشعر بقلق الأشجار، فحين أقف مع جينجيه -كما تسميه زوجته- متسائلاً مع الأشجار في وسط المدينة وهي تنظر لصورتها منعكسة على واجهات المتاجر الزجاجية ما الذي أفعله هنا ؟ أو هي تلك اللحظة التي تساءلت فيها هيلينا تساؤلاً مثيرًا عن أخيها ألكسندر روستوف، كيف سينتهي بك الحال يا ألكسندر ؟ روستوف ذلك عاش حياة غريبة قادته لأن يكون هادئًا، رزينًا، كريمًا، فلقد كان أول من يُعير كتابًا أو مظلة لصاحبه دون أن يبالي بأن ما من صاحب منذ أيام آدم أرجع كتابًا أو مظلة ! الرواية تسطيع أن تُغيرك، تمامًا مثل ما حدث مع عثمان حين قرأ كتابًا في يوم ما فتغيرت حياته كلها، وأصابه قلق القُراء: “ماذا لو رفعت عيني من على الكتاب ونظرت حولي في غرفتي، إلى دولابي، سريري، أو نظرت عبر النافذة ولم أجد العالم كما عرفته؟”. هي عوالم مجهولة، عاش فيها نجيب محفوظ ممسكًا بقنديل أم هاشم منيرًا طريق أحمد عبدالجواد وعائلته .. الرواية هي أن تروي حكاية، تدهش بها طفل، يحلم بها بائس، يحن فيها ظالم، تؤنس فيها غريب، أن تنسى فيها نفسك وكأنك لم تكن .. الرواية هي أن يصافحك العالم، أن يفهموا خصوصيتك، تفاصيلك العادية، بأن يعرفوا بأنك جزء من تلك الحكاية الكبيرة، حكاية آدم.