كنت في ملتقى قراءة النص وتكريم القشعمي.

تُعد الملتقيات الثقافية فرصة جميلة لالتقاء الأدباء في أجواء ثقافية يتبادلون فيها الآراء، وتتلاقح بينهم الأفكار، وتندمج الخبرات، ومن تلك الملتقيات، «ملتقى قراءة النص» الذي ينظمه نادي جدة الأدبي كل عام على مدى ربع قرن، منذ أن أضاء الأديب عبدالفتاح أبو مدين بوادره الأولى عام 1421هـ . وقد تشرّفت بدعوة من مدير النادي الدكتور: عبدالله السلمي؛ لحضور الملتقى الذي أقيم قبل أيام، فحزمت حقائبي وسافرت إلى عروس البحر الأحمر جدة تلك المدينة الملهمة بجمالها الخلاب وشموخها وتراثها الضارب في عمق التاريخ. وكان عنوان شعار ملتقى هذا العام: (التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية)، والذي جاء منسجماً مع جهود الأستاذ: محمد القشعمي في توثيق التاريخ الشفهي، فاختير؛ ليكون الشخصية المكرمة لهذا العام، إدراكاً منهم لدوره الكبير في توثيق تاريخنا الشفهي وأصدر النادي كتاباً يحوي مسيرته، شارك فيه نخبة من المثقفين، ويحوي (39) مقالاً في (210) صفحات، ووزع على الحضور في حفل الافتتاح. وتحدث رئيس النادي في كلمة افتتاح الملتقى عن الشخصية المحتفى بها، وقال: «هو سِفر من التاريخ الأدبي يتحرك فيه من جسد وروح، تساعده ذاكرة المؤرخ، ويرفده جراب الأديب، وتمده مفردات الكتابة). وتلا ذلك كلمة لمعالي الدكتور: فهد السماري، وهو الملم العارف بقيمة التاريخ الشفهي من خلال تجربته في رئاسة دارة الملك عبدالعزيز، وأشار إلى أهمية توثيق الروايات الشفهية ليس فقط من المعمرين، ولكن أيضاً من أصحاب التجربة، وشهود التحوّل والتغيير. وفي وسط حضور نخبة من المثقفين والمهتمين بدأت الجلسات على فترات متفاوتة، طُرح خلالها العديد من البحوث الرصينة التي تحاكي عنوان الملتقى بين الشفاهية والكتابة، وتناول فيها المتحدثون موضوعاتٍ مستوحاه من تجارب سابقة للأدباء والرواد في المجال نفسه، كالتي كانت عن تجربة العقيلي في توثيق الأدب الشعبي في الجنوب، وأخرى عن تجربة القشعمي في تدوين السير، وتلك التي عن التاريخ الشفاهي في يوميات الشيخ : محمد العبودي وأخيراً بلاغة المذكرات في (قلب العاصفة) الأمير: خالد بن سلطان أنموذجاً وغيرها من البحوث، وكان لمداخلات الحضور قيمة لا تقل عن قيمة الموضوع المتحدث عنه. ومما أعجبني خلال الملتقى لمسة الوفاء من إدارة النادي فلم يتجاوزوا خبر رحيل الدكتور: هاجد الحربي الذي غيّبه الموت قبل أن يطرح بحثه خلال الملتقى، فتركوا كرسيه وطاولته يعتليها اسمه وورقة بحثه؛ لتضج القاعة بالدعاء له بالرحمة والمغفرة. ولأن الملتقى هدفه تعزيز الثقافة وتنميتها في المجتمع، وتوثيق أواصر المحبة بين المثقفين، فقد لبى الملتقى دعوة معالي وزير الإعلام الأسبق الأستاذ: إياد مدني إلى منزله، حيث رحّب بضيوف وأعضاء الملتقى، وكانت ليلة من ليالي جدة الجميلة الحافلة بالمحبة، والنقاشات الثقافية الودية المثرية. وقد غادرت جدة يوم الخميس الذي لم يكن أنيساً بالنسبة إلي حيث ودّعت فيه زملاء تعلق قلبي بهم وعز على نفسي فراقهم، فما أقسى الفُراق بعد اللقاء. وقد أحسن نادي جدة الثقافي بإقامة مثل هذا الملتقى الذي ظل كما كان مثرياً، ينشر الثقافة كما تنشر العطر الزهور، في الوقت الذي حُوّلت فيه الأندية الأدبية إلى جمعيات غير ربحية، إلا أنه صمد حين انسحب البقية، وهذا يدل على العقلية الإدارية المتميزة التي يدار بها النادي من قبل أعضائه ومجلس إدارته. * محافظة القريات