في ملتقى قراءة النص (21)..

نادي جدة الثقافي يدعو إلى تأسيس مركز وطني لتدوين التراث الشفوي.

دعا النادي الأدبي الثقافي بجدة في ملتقى قراءة النص (21) الذي نظمه على مدار ثلاثة أيام إلى تأسيس مركز وطني لتدوين التراث الشفوي السعودي، وجاء ذلك عبر حزمة من التوصيات ختم بها النادي ملتقاه، والعمل على ديمومة الملتقى لحاجة المشهد الثقافي والأدبي لمخرجاته وإفادة الأقسام الأكاديمية بالجامعات وأقسام الدراسات العليا على وجه الخصوص، وتشجيع المرويات الشعبية ودعمها بوصفها رافدًا مهمًا في تدوين التراث، والاستفادة من التقنيات الحديثة في رصد التراث وجمعه، وتوثيق الفنون، والأهازيج، والحكايات الشعبية، والسعي الدؤوب من خلال الأبحاث المؤصلة إلى ردم الفجوة بين الأدب المكتوب والرواية الشفهية. وآثر النادي الأدبي الثقافي بجدة أن يكون عنوان ملتقاه (21) التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والكتابية، كرّم فيه المؤرخ محمد عبدالرزاق القشعمي نظير جهوده في توثيق الأدب الشفاهي، مخصصًا الشكر للوجيه الشيخ سعيد بن علي العنقري على دعمه للملتقى ماديًا ومعنويًا، مؤملًا أن تضطلع وزارة الثقافة ببرامج ومبادرات عَبْرَ هيئاتها الرسمية، بدعم هذه الملتقيات، مع ترسيخ ثقافة تكريم الرموز الثقافية والأدبية وإبراز جهودهم. وقدم الملتقى الذي حظي بحضور نخب ثقافية وأدبية بباقة من الفقرات، منها عرض فيلم وثائقي عن المكرم محمد القشعمي، إضافة إلى كلمة لمعالي الدكتور المستشار بالديوان الملكي فهد السماري الذي قال فيها “أننا نقف أمام مرحلة للذاكرة، وابتلاع ما فيها من تحولات، ووجب التركيز عليها وتطويرها” مبينًا ان الشخصية المكرمة لهذه الليلة المؤرخ محمد القشعمي مثال للعمل الشفاهي غير السهل الذي يمس الانسان والرواية. وأضاف “مما يميز القشعمي أنه لم يكن يعمل في كل حقل، وانما خرج علينا بمرحلة جديدة في التاريخ الشفوي، وابراز جهود شخصيات عدة؟ ساهمت وانجزت فكان ان اخرجها للنور، مما يجعلنا نصفه بالعمل الابداعي الذي تولد من محبة وشغف”. ندوة تكريمية عن جهود المؤرخ محمد القشعمي ونظّم الملتقى ندوة عن المحتفى به المؤرخ محمد القشعمي بعنوان “ ذاكرة الثقافة وعرّاب التدوين” أحياها كل من الأساتذة محمد السيف وعدنان العوامي ومحمد الهلال، وأدارها الدكتور محمد الربيع. ووصف الأستاذ محمد السيف المؤرخ محمد القشعمي بالجامع للموروث الشفاهي “فهو يتقد وطنية وحِسًّا، ويعشق التحدي، ويرى المستقبل بعين البصير، ويوظف خبرته المديدة في الاعمال الشفاهية، فجاءت عاجزة عن الراصد ان يحصيها”. من جهته بيّن الشاعر والمؤرخ عدنان العوامي جهود القشعمي من خلال رحلته التوثيقية المستحقة للتكريم، وتميز ما وصل اليه وفضله على الادب الشفاهي، والسبر في دروبه الطويلة، معرجًا على ما يتمتع به القشعمي من صداقات عديدة “فلا يفوّت الفرص في اكتساب الاصدقاء اضافة الى صلة ممتدة بمعارض الكتاب داخليًا وخارجيًا زادت من جسور التعارف وصنع الصداقات”. وقال:” بحسب اطلاعي لم يسبق محمد القشعمي أحد في عناوين كتبه وخروجه عن المألوف مثل عنوان كتابه احمد السباعي رائد الادب والصحافة المكية وغيرها من العناوين، معرفًا الحضور على بداية التعارف ما بينه وبين المؤرخ محمد القشعمي، منذ توليه مهامه الوظيفية. وذكر محمد الهلال ان بداية تعرفه بالمؤرخ محمد القشعمي كانت عبر اذاعة الرياض، اضافة الى كتابته عن أشخاص عدة منهم عبدالرحمن منيف التي وصفها بالخطوة الوحيدة في تلك الايام، ساردًا المراحل التي وثقت الصداقة ما بينه وبين محمد القشعمي. وقال:” كل مشاريعي الثقافية تبدأ من عند محمد القشعمي، فأدهشني باهتمامه بكل مشروع ثقافي اعمل عليه، وعادتي الا أصعد على منصة أمام الجمهور، ولم اتجرأ الليلة الا من أجل محمد القشعمي” ليستكمل الملتقى باقي أيامه بجلسات خمس تحدث فيها مهتمون أكاديميون ومثقفون جاءت على النحو التالي. الجلسة الأولى/ قدمها الدكتور عبدالله الحيدري. استطلاعات حول الثقافة الشافهيه قرأ الدكتور حسن حجاب الحازمي ورقة بحثية عنوانها “من الشفاهية إلى التدوين” جهود العقيلي في توثيق الأدب الشعبي في الجنوب، متناولًا سيرته ومنجزاته الأدبية التي بلغت 35 كتابًا، فضلًا عن تحقيقه لديوان الشاعر القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي، أحد أشهر شعراء القرن السابع الهجري، وديوان الجراح بن شاجر الذروي أحد شعراء القرن العاشر الهجري، وغيرها، مبينًا أن العقيلي يمثل أحد أبرز رواد الأدب الحديث في المملكة، متعقبًا بالتحليل والنقد والرصد أسلوب وطريقة العقيلي في تحويل الأدب الشعبي في منطقة جازان من أدب شفاهي تتناقله ألسنة الرواة ويضيع أكثره، إلى أدب مكتوب، محفوظ بين دفتي كتاب. كما شاركت الدكتورة لمياء باعشن ببحث عنوانه “الحكاية الشعبية من الشفاهة إلى التدوين: التبات والنبات نموذجًا”، مشيرة إلى أن “المرويات الشفهية تعمل كمستودعات للغة واللهجة وفروقات المعاني الدقيقة”، كونها تجسد التعبيرات اللغوية الفريدة والعبارات الاصطلاحية المتأصلة في الثقافة المحلية. وقالت:”ومع تغير المجتمعات نتيجة عوامل التمدن السريع، بدأ تصدع البنى السوسيوثقافية وغابت طقوس الحكي الجمعي تدريجيًا، مما هدد باندثار الحكايات في طيات التطور الزاحف الذي طال الكثير من الظواهر المجتمعية التي كانت تميز المجتمعات بعضها عن بعض، وأصبح من الضروري أن يبدأ مشروع تدوين المرويات الحكائية خوفًا من تلاشيها، مشروع يحافظ عليها في القوالب الكتابية لأول مرة بعد تناقلها لأزمان طويلة بأصوات الحكائين وبعفوية تامة. وأورد الدكتور أحمد اللهيب في ورقته إمكانية التوقف عند النّظرية الشّفاهيّة بأنّها ذاتُ علاقةٍ قويّةٍ بالبدائيّةِ البشريّة، وأنّها منحت الخلودَ لأعمالٍ بشريّة كانت جديرةً بالبقاء والديمومة والحياة؛ نظرًا لأنّها قدمت نماذج عليا من الإبداع البشريّ - كما يتصوّرهُ الإنسان في تلك الحقبة الزمنيّة التي ظهر فيها ذلك النّص الشّفاهيّ-، ويمكن – أيضًا – النّظر إلى هذه المرحلة بأنّها مرحلةُ تشكيل متنوعٍ لعطاءاتٍ بشريّة متعددة خلقت نصًّا أو نصوصًا متواليةً متوارثة عبر الأجيال؛ وجدت فيها لحمة إنسانيّة وعاطفة بشريّة ومعاني راسخةً في الفكر البشري. ودارت ورقة الدكتور أحمد الهلالي حول “تقنيات المثل الحواري في الثقافة السعودية الشعبية، مبينًا أن “الأمثال ضرب من الأدب الجمعي العربي، عرفه الأوائل وظل مزدهرا في ثقافتهم، يحضر في كل مناسباتهم، ويدرج على ألسنتهم باعتياد، وزاد حضوره حين اختزن القرآن الكريم عددًا كبيرًا من الأمثال، وظل إلى عهد قريب يحظى بهذه المكانة الرفيعة في كل ما يتداول من الأحاديث، وحظي بعناية الثقافة الشعبية فشاع في كل أقوالهم وآدابهم، فلا يخلو حديث من أحاديث كبار السن اليوم من جملة من الأمثال. الجلسة الثانية/ قدمها الدكتور ياسر مرزوق رصد الانتقالات من الشفاهي إلى الكتابي شارك فيها الدكتور صالح معيض الغامدي، بورقة عنوانها “جهود محمد القشعمي في تدوين السير الذاتية السعودية الشفوية” هادفًا من خلالها إلى دراسة السير الذاتية الشفوية التي قام القشعمي بتسجيلها وتدوينها، مع محاولة الإجابة على بعض الأسئلة المهمة ومن أبرزها: ما معايير اختيار الشخصيات التي عُني القشعمي بتدوين سيرهم الذاتية، وما هو المنهج المتبع في تسجيل هذه السير، وهل حافظت السيرة الذاتية الشفوية على ملامحها في الصيغة المسجلة أو المدونة، وما هي أبرز الإشكالات التي تواجه انتقال النص الشفوي السيري إلى نص مكتوب. أما الدكتور أحمد صالح الطامي فذهب في بحثه إلى رصد “تجليات التاريخ الثقافي في يوميات الشيخ محمد العبودي” واستجلاء ما تحمله يوميات الشيخ محمد بن ناصر العبودي من تسجيل لحركة التطور الثقافي في جوانبها التعليمية والفكرية والاجتماعية التي جرى تسجلها قبل أكثر من ثمانين عامًا في يومياته، مبينًا أهمية اليوميات، كونها تسجيلًا حيًّا للتاريخ الاجتماعي والثقافي والسياسي لزمن كاتب اليوميات، وتقربنا إلى الحياة اليومية لمجتمع الكاتب، وللناس العاديين والبسطاء الذين تصور اليوميات حياتهم وسلوكياتهم، وتزداد أهمية اليوميات كلما زاد تقادمها لتصبح تسجيلًا تاريخيًّا نفيسًّا ليس فقط لكاتبها وأسرته وإنما لزمانه وثقافته. وتناول الدكتور سعود الصاعدي “جدلية الشفاهي والكتابي في ثقافة الصحراء” من خلال نار المرخ وتوطين الحكايات، موضحًا ان التوطين يبدو في دلالة من دلالاته شكلًا من أشكال الكتابة، باعتبار جذره المعجمي يعني الإقامة والسكن، ومعنى أن يقيم الشيء أي أن يستقر فتكون له حدوده، وذلك ما تعنيه الكتابة في جذرها اللغوي؛ فالفعل كتب في معنى من معانيه المعجمية يعني: الرسم والخط، والجمع والضمّ، والرسوم في أصلها هي الحدود، وكذلك الجمع والضم في دلالتها المقاربة لما يؤول إليه معنى الوطن، وان التوطين من جهة والكتابة من جهة أخرى تضعا حدودا للمكان وحدودا للكلمات، وعلى هذا فالمكتوب محدود ببداية ونهاية تجعله في معنى الوطن، بمعنى توطين للكلمات ونقلها من فضائها الشفاهي المطلق إلى فضائها الكتابي المقيَّد. وركزت الدكتورة إيمان العوفي على البودكاست بروقة عنونتها “الشّفاهيّة الجديدة بين تواصل النّصّ وتداخل النّسق” وقراءة في ثقافة التّدوين الصّوتيّ Podcast “وما أنتجته الشّفاهيّة الجديدة بوصف البودكاست تدوينًا صوتيًّا يجمع بين الشّفاهيّة والكتابيّة، وقد امتزجتا عبر الأداة الحديثة في العالم الرقميّ لتكشف عن تواصلٍ نصّيّ وتداخلٍ نسقيّ، من خلال شفاهيّة رقميّة بملامح جديدة، تختلط بالشّفاهيّة الثّانويّة وبالسّمات الكتابيّة؛ لتشكّل نسقًا جديدًا عبر نمط ذاتيّ وآخر حواريّ. ورصدت الدكتورة هيفاء رشيد الجهني مسيرة “السرد الشعبي السعودي من الشفاهة إلى الكتابة”، وبوصف الأدب الشعبي بأحد أنواع التراث الذي يستضيء به الفكر والثقافة الإنسانية، مقررة أن تراث الشعوب هو تاريخهم وحضارتهم الممتدة التي يستقون من عبق أريجها الضارب في القدم جمال الحاضر وحضارة المستقبل، وقالت :”إن علاقة الشعوب المعاصرة بتراثها الأدبي هي علاقة أصالة وعراقة وتاريخ وهوية ثقافية إنسانية؛ فهو مصطلح يطلق على كل نتاج فكري ثقافي يساهم في توثيق حقبة زمنية بملامحها وأحداثها، أو يرسم نمط حياة في تلك الحقبة”. الجلسة الثالثة/ قدمها صادق الشعلان توظيف الذكاء الاصطناعي عُنيت ورقة الدكتور شتيوي الغيثي “بتحوّل الأنواع الأدبيّة بين الشفاهيّة والكتابيّة”، وأن الثقافة العربية اتكأت على الثقافة الشفاهيّة بوصفها الثقافة المتاحة، ولعبت دورًا أساسيًا في نشوء بعض الأنواع الأدبية وخفوت أخرى”. وقال: “لكن الحالة أخذت منعطفًا ثقافيًا مع شيوع الكتابة والتدوين في العصر العباسي وما تلاه من عصور، الأمر الذي أنشأ معه متغيرًا في النوع الأدبي، فظهرت أجناس جديدة إلى جانب تلك الأنواع التي كانت سابقة عليها، وربما تعدى الأمر إلى تغيّر في البنى الأسلوبية حتى في تلك الأنواع الباقية من عصر الشفاهيّة، ولعلّ المسألة عائدة إلى مدى التطوّر الثقافي، من الحالة التقليدية التي تتناسب مع الشفاهيّة إلى الحالة الحضارية أو الحداثية التي تتناسب مع حركة التدوين والتأليف “.. ويذهب الدكتور عبدالرحمن بن حسن المحسني، إلى استنطاق ما حفظته النقوش الصخرية “وعرض وقراءة أولى بتوظيف الذكاء الاصطناعي” في دراسة تناولت عرضًا لقرابة ثلاثين نقشًا من النقوش الصخرية الأثرية في مركز قنا عسير جنوب غرب السعودية، ووقوعها على طريق القوافل القديمة وغنى بالنقوش الأثرية؛ حيث تقدم دراسته عرضًا أوّليًا لهذه النقوش الصخرية، ومحاولة مقاربتها ثقافيًا، مستعينًا برأي بعض المتخصصين في علم الآثار وعمقها التاريخي، وبتوظيف الذكاء الاصطناعي في قراءة بعض هذه النقوش، سعيًا إلى لفت نظر الجهات المختصة إلى هذه الآثاروالتعريف بقيمتها ودورها في بناء التاريخ الأدبي والثقافي للمكان. واستعانت الدكتورة سميرة الزهراني برواية استراحة الخميس لغازي القصيبي نموذجًا لبحث “التداخل السردي بين الشفاهية والكتابية ودلالاته الإبداعية في السير الذاتية” وغايتها من ذلك رصد دلالات التداخل السردي بين الشفاهية والكتابية في فن السير الذاتية السعودية، واقفة عند المعايير الإبداعية التي يتكئ عليها الكاتب للمزج بين الشفاهية والكتابية في آن؛ لاقتضاء السياق الفني لذلك. انطلاقًا من هذا الهدف الرئيس؛ تمضي إلى تعريف الحدود الفاصلة بين القواعد المشكلة للإبداع الشفاهي والكتابي، ومعرفة طرق وأساليب المزج بينهما في النماذج الإبداعية التي حضر في طياتها ذلك التداخل؛ على اعتبار أنه لا يحدث إلا لدلالات واعتبارات يقصد إليها المبدع ويفطن لها المتلقي. من جهته اخذ الدكتور سلطان العوفي مذكرات “في قلب العاصفة” للأمير خالد بن سلطان أنموذجًا، حيث تتجه الدراسة إلى الكشف عن بلاغة المذكرات من خلال هذا الكتاب الذي كتبه “مقاتل الصحراء” الأمير خالد بن سلطان بعد نهاية أحداث حرب الخليج الثانية (11 محرم 1411هـ - 14 شعبان 1411هـ، الموافق 2 أغسطس 1990م- 28 فبراير 1991م محاولا الكشف عن العلاقة بين الحجاج والسرد في الفصل الأول من الكتاب والموسوم بـ”في قلب العاصفة”؛ وإبراز البعد الحجاجي المضمّن في البنية السردية لهذا الفصل؛ للإجابة عن سؤال معرفي انطلقت منه هذه الدراسة، وهو كيف أسهم السرد الحجاجي في تأكيد دعوى الكاتب. أما مشاركة الدكتور خالد الجريان جاءت تحت عنوان “السيرة الذاتية بين القصة والتاريخ والأحداث والمشاهدات”، مقدمًا عبرها قراءة أدبية لرحلة الأمل والألم للشيخ الأديب أحمد بن علي آل الشيخ مبارك” تأسيسًا على اتصال جرى بينه وبين الشيخ الأديب السفير أحمد بن علي آل الشيخ مبارك، وسمع منه كثيرًا من الأخبار والقصص التاريخية بعضها دون وأكثرها للأسف لم يدون، ومما دون وطبع رحلته العلمية، معتبرًا أن التاريخ الأدبي والثقافي في المملكة العربية السعودية بين الشفاهية والتاريخ، موضوع مهم للتاريخ الشفهي والكتابي لمملكتنا الغالية. الجلسة الرابعة/ قدمها الدكتور عبدالله ثقفان لمحة حول أهازيج الحصاد. ورصد من خلالها الدكتور حمد الدُّخِّيل “الأصول الثقافية للأدب السعودي بين الشفاهية والكتابية” وأن البشرية أمضت دهرًا طويلًا، وهي تتناقل أخبارَها ومعلوماتها وقصصها مشافهةً قبل معرفة الكتابة والتدوين، وثقافة ذلك العصر البعيد تلاشت دون أن تأخذ حظها من التدوين والحفظ، وكان العرب في ثقافتهم وأدبهم وشعرهم وسائر معلوماتهم أمة شفهية، واستمروا على ذلك، وحين انتشرت الكتابة والتدوين التحريري في بداية القرن الثاني الهجري، استمرت الثقافة الشفهية عند العرب جنبًا إلى جنب حتى منتصف القرن الثالث الهجري. أما د.عبدالله الزهراني فجعل من ورقته التي قدمها عنه الدكتور عبدالرحمن العتل من كتاب “وحي الصحراء” مرتكزًا رصد من خلاله الحركة الثقافية والأدبية، بالإشارة إلى أن هذه الحركة منذ تأسيسها تطوّرت تطوّرًا لافتًا، وكانت في بدايتها في الحجاز خاصة على يد أناس لهم باع جيد في الثقافة والحركة الأدبية”. وأشار الباحث الدكتور محمد بن راضي الشريف، في ورقته إلى رواية أبي علي الهجري للشعر الشفهي في كتابه “التعليقات والنوادر” وانفراده بذكر قصائد لشعراء عاشوا ما بين القرن الأول والرابع الهجريين، ومجموع من فيه 425 شاعرًا، و76 راجزًا، بناه الهجري ورتبه على ذكر نوادر كل راو من الرواة، ولم يصل من الكتاب سوى قطعتين تقعان في 1000 صفحة، نشره الشيخ حمد الجاسر محققا عام 1992م في أربعة مجلدات ضخمة، في 1926صفحة. وشهدت الجلسة الرابعة مشاركة د. بسمة القثامي، بورقة تحت عنوان “تسرّيد الثقافة والتاريخ في نماذج من السير الذاتية السعودية” وفي مستهلها تقرر أن السيرة الذاتية تُعد فنًا متمايزًا من حيث جمعها بين تجارب الذات وتعالقها مع التاريخ والثقافة والأدب، فهي تكشف عن سيكولوجية الذات وبنائها وتسلط الضوء على الثقافة المجتمعية والتاريخ الأدبي للأشخاص والمكان. واختارت د. شوقية الأنصاري، من أدب الطفل وأجناسه التفاعلية من الغنوة الشفهية للكتابة الرقمية: المعجم اللغوي أنموذجًا، مسرحًا لبحثها، حيث تأتي دراستها مواكبة لنمو اللغة وتجدّد فنون آدابها، لترسم رؤية تحولية في أدب الطفل وثقافته، بالتوازي مع التطور المعرفي والتقني في أجناس الأدب عامة. واتخذ الباحث والكاتب خالد الطويل من “أهازيج الحصاد” في منطقة المدينة المنورة وضواحيها، مختبرًا لبحثه، مشيرًا إلى أن أهازيج الحصاد تمثّل تراثًا شفويًا إنسانيًا غنيًّا يعكس فرحة المزارعين بمواسم الحصاد وثقافتهم وتقاليدهم. وتعدّ هذه الأهازيج جزءا أصيلًا من تراثنا الشعبي، وتمثّل جانبًا من تراثنا الثقافي السعودي، والذي سبق وأن سجلت المملكة جانبًا منه في قائمة اليونسكو. الجلسة الخامسة/ قدمها الدكتور يوسف لعارف البودكاست الوجه الجديد الثقافي شارك الدكتور منصور بن عبدالعزيز المهوس، بورقه وسمها بـ”حكاية الأثر الثقافي لمحمد الخضير في سيرته رحلة بين قرنين من المشافهة إلى الكتابة” تناول فيها التأريخ الثقافي في المملكة في جانبه التعليمي، من خلال ما قدمه ورصده أحد رواد التعليم، وهو الشيخ محمد بن إبراهيم الخضير -رحمه الله- في سيرته الذاتية رحلة بين قرنين، مشيرًا إلى أن مجموع دلالات البنى الحكائية في سيرته تدور حول مركزية الأثر الثقافي التعليمي الوطني في مسيرته. ويتخذ الباحث الدكتور نايف إبراهيم كريري من البودكاست الرقمي، بوصفه الوجه الجديد للإعلام الأدبي والثقافي، معملًا لبحث دور الإسهامات الجديدة ما بين الواقع والمأمول، منوّهًا في البدء إلى أن السنوات الأخيرة شهدت ظهور عدد كبير من البودكاستات الأدبية والثقافية التي تقدم محتوى متنوعًا يجذب فئات مختلفة من الجمهور، وتتناولها موضوعات ثقافية متنوعة. ويضع الباحث أحمد بن طريّح العمري كتاب “من البادية إلى عالم النفط” لعلي النعيمي، على طاولة البحث والتنقيب، مشيرًا أن الكاتب علي النعيمي كأنّه أراد أن يكون كتابًا يتيمًا تتلقفه الأجيال، وتناقشه العقول، وتتجاذب حوله الأقلام كما كان من أمر (اليتيمات) في الشعر العربي، موضحًا أن البحث يقف عند تجربة الكاتب بين السيرة الذاتية في صورتها التي تُعنى بالفرد منذ ولادته، ونشأته، وتعليمه إلى زمن إنتاج العمل؛ وبين المذكرات الأدبية التي تبحث موقع الكاتب، ورأيه حول الأحداث التي عاشها. أما الدكتورة جميلة بنت خلف الشاماني، فقد ذهبت في ورقتها إلى بحث تجليات ودلالات الحرفة اليدوية في نماذج من الشعر السعودي، عبر إخضاع مادة بحثها للمنهج السيميائي، مع طرح عدد من الأسئلة مسبوقة بتمهيدٍ وثلاثة محاور، حيث يشتمل التمهيد على عنصرين، هما (مفهوم الحرفة اليدوية، وأنواعها، والتعريف بالمنهج السيميائي وآلياته) أمَّا المحاور؛ فتتمثل في تجليات الحرف اليدوية في تلك النماذج أولًا، والوظائف التي يؤديها توظيف الحرف اليدوية في الشعر السعودي ثانيًا، الدلالات التي يرمي إليها ذلك التوظيف ثالثًا. بدورها جعلت الدكتورة قُدَاس بنت خالد الخضيري من كتاب “مشيناها” للدكتور عبدالرحمن الشبيلي أنموذجًا، لدارسة “الإعلامُ السعوديُّ القديم وثقافةُ الشِّفاهيَّة”، مقررًا في ابتداره أن الإعلام السعودي القديم قام بدور مهم ومؤثر في المشهد الثقافي والأدبي في المملكة العربية السعودية؛ مما أسهم في تعزيز الهوية الوطنية والعربية والإسلامية، وتكريس اللغة العربية، وتعزيز دورها كمصدر رئيسي للتواصل، ونشر الوعي الثقافي في المجتمع، وأن الإعلام السعودي القديم كان يعتمد على الصحافة والإذاعة، ومع التطور الإعلامي وظهور التلفزيون أصبح المشهد الثقافي أكثر تنوعًا وانتشارًا، وقد حظي إنشاء التلفزيون السعودي باهتمام إعلامي واجتماعي وسياسي كبير.