التساقي

في 1993 طرح صموئيل هنتنغتون مقولته ( صراع الحضارات) وكان يقصد أن الصراعات بين الحضارات لم تعد أدلوجية أو اقتصادية أو سياسية، بل ثقافية. وقد لاقت هذه المقولة معارضة صارمة؛ (لاعتبارها الأساس النظري لشرعنة عدوان الغرب بقيادة إمريكا على الصين والعالم العربي والإسلامي. ولا أدري كيف تكون الثقافة بمعناها الأخلاقي الملتزم سببا للصراع؟! لذا استخدم كلمة (التساقي) لما فيها من شاعرية المشاركة، وأبدأ بالسؤال التالي: هل في إمكاننا الاستغناء عن الحضارة الغربية في مجال العلم والتكنولوجيا وسائر حقول المعرفة؟ كلا، لا يمكننا ذلك، ولا يمكن لأي حضارة الاستغناء عن التساقي مع الحضارات الأخرى بما فيها الحضارة الغربية نفسها، والتي قال فيها روجيه جارودي: بأنها (سرقت كثيرا من إيجابيات الحضارات الأخرى) أما أرنولد توينبي فيوضح ثلاثة أسباب للفكرة الخاطئة القائلة: إن الغرب هو الحضارة وهي ثلاثة:( حب الذات، ووهم الشرق الراكد، ووهم التقدم كحركة تلتزم خطا مستقيما)خرىأخرى ولكن هناك فروقا تميز أمة عن أخرى في الكم والكيف من هذا التساقي، فهناك أمة تأخذ ثم تضيف، وهناك أمة تأخذ فقط. ليس هذا وحسب، بل هناك أمة تقاوم المشكلات، وأمة تستسلم وتخضع لما يعتريها من مشاكل. العقدة العصية في التساقي المعرفي تكمن في أنه لا يمكن الانتقاء وفق الرغبات من حضارة ما، فكل شيء إيجابي يحمل نقيضه معه، ولا تستطيع الفصل بينهما، وإذا أردت الإيجابي فعليك أن تأخذ نقيضه معه. بقي السؤال الذي كان الهدف الباعث على هذا المقال وهو: نحن كأمة عربية، هل نتساقى مع الحضارات الأخرى بالأخذ والعطاء، أم بالأخذ فقط؟ هناك من يحمل مصابيح الماضي، فيفتخر بما صنعه الساكنون في القبور، ويكتفي به، وهناك من يقرأ الواقع بعينين زرقاوين فيصل إلى إجابة مضنية هي أننا نأخذ ولا نعطي. وحين نضع هذا الرأي تحت ضوء مقولة (التحدي والاستجابة) نجد أنه رأي صائب، فنحن نخضع أمام كل العقبات التي واجهتنا، وكأن الإرادة التي في داخلنا سيف لا يفارق غمده، أو أننا بعنا وعينا بالأحداث لقاء ثمن وهمي أغدقته علينا ثقافة أخرى، ثم راحت الرياح تلعب بنا كيف تشاء ولا تزال. ويبقى السؤال الأهم: لماذا انعدمت الاستجابة فينا؟ وأطلب منك الإجابة على هذا السؤال إن وافتك الشجاعة.