أسلم الروح لبارئها بعد معاناة من المرض:

مسفر الدوسري.. شاعر الحب والأحاسيس المرهفة.

فقدت الساحة الشعرية والإعلامية في الخليج العربي، الشاعر مسفر الدوسري الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في شهر يناير الماضي، بعد معاناة من المرض. وتسابق الشعراء والمثقفون في المملكة ودول الخليج بشكل عام، على نعيه والترحم عليه سواء في وسائل الإعلام المختلفة، أو على منصات التواصل الاجتماعي، مشيدين بأسلوبه الشعري الماتع ودماثة أخلاقه وطيب معشره. وكان الشاعر الراحل قد تعرض لجلطة في المخ في سبتمبر 2019 نقل على إثرها إلى المستشفى العسكري بالرياض لتلقي العلاج، وبعدها عانى من آثار صحية إلى أن وافاه الأجل المحتوم. الدوسري شاعر سعودي انطلقت نجوميته الشعرية في الثمانينيات الميلادية عبر النهضة الثقافية التي كانت تتسيد فيها دولة الكويت المشهد الثقافي، ويعد أحد صناع الإبداع في الشعر الحديث، ومن رواد قصيدة التفعيلة في الشعر المحكي بمنطقة الخليج العربي، إذ يعتمد في إبداعه على الصورة الرمزية، وكان شعره يجمع بين الأصالة والتجديد، ويمتاز بعذوبة المفردات وعمق المعاني وصدق الأحاسيس والمشاعر. صدر لمسفر الدوسري ديوانان شعريان هما: (صحارى الشوق)، وديوان (لعيونك أقول)، كما ألف كتاب (ما لم أقله شعرًا) عام 2011 وهو بحسب صحيفة (الجريدة الكويتية) «يتضمّن 40 مقالاً، اختارها بعناية من سلسلة مقالات نشرها في جريدة «الجريدة» بين عامي 2007 و2009، تمزج بين شعرية النص وجمال المعنى في إطار نثري بديع، وتتميز بلغة طيّعة تنساب بسلاسة وتتسلل إلى النفس من منافذها الحسية والوجدانية». كان الدوسري أحد الشعراء النشطين بمشاركاته المتعددة في اللقاءات والأمسيات والمهرجانات الشعرية، أما في المجال الصحفي فقد كان من أوائل مؤسسي مجلات الشعر الشعبي التي لاقت رواجًا كبيرًا في الثمانينيات والتسعينيات الميلادية، حيث أسس مجلات «المختلف» و»فواصل» و»مشاعر»، التي لعبت دورًا كبيرًا في إثراء الشعر الشعبي وإبراز مواهبه، كما كان يكتب المقالات والأعمدة في بعض الصحف. الراحل كانت له أعمال أثْرت المشهد الثقافي في الكويت التي عاش فيها، وأبرزها مشاركته في كتابة كلمات الأغاني لمسرحية «فدوة لك» عام 1985، التي أخرجها عبد العزيز الحداد. لمسة وفاء بعد تعرضه لجلطة في المخ عام 2019 ودخوله العناية المركزة، برزت لمسة وفاء من محبي مسفر الدوسري حيث ذكرت صحيفة (الجزيرة) أن «الشاعر والإعلامي سلامة الزيد استضاف أبرز الإعلاميين والشعراء الذين تربطهم مواقف وذكريات ومراحل تراكمية مع الشاعر مسفر الدوسري مثل الإعلامي الأستاذ جابر القرني، والشاعر والإعلامي ناصر السبيعي، والشاعر الدكتور صالح الشادي، حيث استشهد الإعلامي المعروف جابر القرني بأجمل قصائد التفعيلة الوطنية للشاعر مسفر الدوسري التي اختزل فيها المضامين الرفيعة لحب الوطن والانتماء إليه بأدق معنى وأجمل صورة، كذلك تحدّث الإعلامي والشاعر ناصر السبيعي عن سيرة الشاعر مسفر الدوسري مع الكلمة، وعن إصداراته لدواوينه التي سبقت صدور المجلات الشعبية، واستشهد من ذاكرته بأجمل نصوصه الشعرية، أيضًا تطرّق الشاعر الدكتور صالح الشادي لإنسانية الشاعر مسفر الدوسري وإحساسه العالي ونقاء سريرته وعفويته، موثّقًا ذلك بمواقف جمعتهما في الخليج والأردن. من جهة أخرى، توافد الكثير من الشعراء بزياراتهم المتكررة للشاعر مسفر الدوسري في المستشفى، منهم الشاعر خالد المريخي، والشاعر محمد العريعر وآخرون، وكذلك كتب الشاعر فهد عافت إحدى أجمل روائعه الشعرية في مسفر الدوسري -شفاه الله- أسماها (وصفة شعر)». من آرائه مع أن الفنان خالد الشيخ غنى له قصيدة (تعالي) إلا إن مسفر الدوسري كان له رأي في الفرق بين الشاعر وكاتب كلمات الأغنية، سواء قديمًا أو حديثًا، حيث قال في حديث مع صحيفة (عكاظ): «هناك فرق بين الشاعر الذي يكتب القصيدة بعيدًا عن الأغنية وغالبًا ما تكون مرصعة بالصور البلاغية والتراكيب الصعبة، وبين مؤلف الأغنية الذي يكتبها بمواصفات محددة تتماهى مع النغم. الكلمة في الأغنية جزء لا يتجزأ من جوهر صناعتها؛ لذلك لمعت على مر تاريخ الأغنية أسماء كانت «مهنتهم» الكتابة للأغنية، تخصصوا في هذا المجال وأبدعوا فيه، وكان يطلق عليهم غالبًا «مؤلفو أغنية»، هم لا يجيدون شيئًا كإجادتهم لكتابة كلمات أغنية، ولهذه الكلمات مواصفات معيّنة ومقاييس ومعايير تبدأ من الفكرة إلى التسلسل الدرامي في المقاطع، ولا تنتهي باختيار المفردات التي تلامس الشريحة الأكبر من المتلقين. تبقى هذه الكلمات التي يتم كتابتها حية مع وقف التنفيذ، إلى أن يمدها لحن ما بالأكسجين، فيعلن ميلادها على الملأ، ويحرر لها شهادة ميلادها، وقبل حدوث ذلك تبقى تلك الكلمات خديجة في حاضنة الزمن بين الحياة والموت، إلى أن تجد لحنًا مميزًا، كانت هذه الميكانيكية التكاملية هي ما يعطي الأغنية ذلك الارتباط العضوي بين أركانها، ويكتب لها الخلود إذا ما أبدع أطرافها كلّ فيما يخصه». واستطرد الدوسري قائلًا لـ (عكاظ): «الآن الوضع اختلف كثيرًا، فقد بقيت الكلمة عنصرًا ثابتًا في الأغنية، ولكن تم استبعاد مؤلفيها، لقد سرق منهم الشعراء دورهم، دخل الشعراء الأغنية من النافذة فخرج مؤلفوها من الباب، ودخل الشعراء بكامل عدتهم من كلمات مفخخة بالصور الشعرية وتوريات وجمل بلاغية ووحدة عضوية للقصيدة، فشوهوا ركنًا أساسيًا من أركان القصيدة، وإن لم يهدموه من أساسه، استعرضت المفردة الشعرية عضلاتها وقوتها في الأغنية بكل أنانية وجلافة، لتكون هي البطل الرئيس على مسرح الأغنية، وما عداها «كومبارس»، حتى أن الألحان في الأغنية المعاصرة تراجع دورها كثيرًا، وأصبحت تأخذ دور «السنّيد»، كما يطلق على الممثل الثاني في السينما أو المسرح، وليس كما كانت من قبل تتقاسم البطولة مع الكلمات، بل إن لها غالبًا اليد العليا في نجومية الأغنية. لقد أفسد الشعراء بقصائدهم الأغنية، وأخرجوا كلماتها من ثيابها وتركوها في العراء، ساعدهم في ذلك ملحنون ينقصهم الوعي، وربما الإبداع الكافي، لدرجة أنهم قلصوا أدوارهم بأنفسهم وتركوا كراسيهم المتقدمة للشعراء في الأغنية، وجلسوا في الصفوف الخلفية «مُتمَتْرسين» خلف كلمات قصيدة». من قصائده من أشهر قصائده (الغياب وهّاب) التي قال فيها: الغياب.. يلبّس من تحب ثياب.. من ورد والوجد .. يعطي الذكريات اليابسة.. نبض ومشاعر.. يكسي جفاف أحزانك الصفرا .. ملامح .. من ندى واعشاب! الغياب مجنون.. يرسم ... للشبابيك الضريره.. عيون خضرا.. تخلّي شوك البعد ورده.. والحصى ..لبلاب! الغياب لو تدري يفتح.. للخيال ابواب يعيد تشكيل الصور ويجمّل الأحباب والحبيب اللي تحبه مهو نفس ذاك الحبيب لو غاب فـ الغياب .. الحبيب يصير أجمل الحبيب يصير أشهى وماتشوف في من تحب غير ماتحب والخطايا.. تصير هدايا..ترتجيها ويورق الغفران عندك.. من سراب عْتاب! فـ الغياب.. الحبيب يصير أعذب الحبيب يصير أقرب يمتلي بوجهه مساك تمتلي بنوره سماك يمتلي باسمه نداك يصير كلك وكل شي له يوديك ويدلّك.. تحس كنه.. ساكن فـ أوضح مراياك.. وفي ظلك! وبلحظه ماتدري وش اللي.. شجّر ايدين المدى.. عِنّــاب!! لا ولاتدري وش اللي.. حنّن الفرقا عليك رقّت وخلّت حبيبك .. في ظماك ينساب؟! لا ولاتدري وش اللي.. يخلّي شوقك.. دوم يفتش.. في حقايب الوصال ويسأل بلهفه عن اللي.. من عند الحبيب .. لك جاب!! وتسأله لو كان يقدر ياخذ شوية هدايا للي غايب: بعض اغاني.. تطرد الوحشه في صدره وشال دافي للشتا وشمس لليل الطويل وسقف يحميه ومظله.. حتى لايبتلّ شَعره لاهمى حزن البعاد.. والوجوه أغراب. وياخذ لخيمة رجاه.. من رجاك..أطناب! الغياب.. يشفّف القلب ويسرّج.. فـ الحنايا.. شْهاب! ياحبيبي.. غِيْب لو ودّك تغيب فـ الغياب.. تصير «فيني» حاضر أكثر! وقلبي رغم البعد يقدر يوصلك من ألف سكّه.. ويدخلك من ألف باب!! الغياب.. وهاب! وقال الدوسري في قصيدة أسماها «مكان رومانسي»: هذا المكان.. ساحر.. موحي.. رومانسي حيل على البحر شرفة ..وشمع، وموسيقى، وليل وكل النجوم هناك.. لولا الحيا .. بتسيل حبيبتي عيونك.. مكان .. رومانسي حيل لا غمضت عينك ..ما للبحر ساحل ما للشواطي مد.. ويضيع نجم سهيل لا غمضت عينك.. ما للسما قمره ولابقى بكره ولا اشتهت شمعه ذاك المسا تسهر.. ولا ضوى قنديل.. لاغمضت عينك.. تحزن حمامة حب وبيسكت بيانو واحباب يفترقون ماكنهم.. كانوا.. ويدفى حضن منديل. لاغمضت عينك صار البحر عاري ماي ..وحصى ..واعشاب صار المدى وحشه وصار التراب.. تراب وتموت فيه نخيل حبيبتي والله.. لاغمضت عينك.. ما للبحر شرفه ..ولا بقى قلبي.. مكان ..رومانسي حيل وقال في قصيدة أخرى اسمها «خلاص ماني شاعرك»: خلاص ماني شاعرك؟ ولا أنا.. ترَف فساتينك.. ولا.. كحل الفرح لا سولفت محاجرك؟! ولا .. أنا روجك ولا..تسريحة «الشنيون» ولا.. سحر المناكير بطرف أظافرك؟! خلاص ماني شاعرك؟! ولا أنا عطرك.. ولا.. أنا البخور.. اللي احترق.. على جمر مباخرك؟! ولا قمر ليلك.. ولا.. شمس النهار.. ولا الورود «بفازتك».. ولا الشبابيك اللي تفتح الصباح على مداين ضحكتك ولا النجوم اللي المسا تعيش عشان تسهرك؟! خلاص ماني شاعرك؟! ولا خلاص أقدر.. أقولك وأكتبك ولا أعرف.. أرسم سواحل أوّلك ولا الزراق بآخرك؟! ولا أنا مثل قبل أقدر أقول تفاصيلك على ماتشتهين أو يشتهي فيك الغرور وأحاصرك؟! ولا أنا ذاك اللي يجبر لك عزاك كلما تحسين الزمن قسى عليك.. وكاسرك؟! خلاص عفتيني خلاص؟! ماعدت أنا شاعر هواك؟! ولا أنا ذاك الحبيب اللي تعب يجمع شذى.. بيادرك؟! أنا قضيت عمري أحس إني انخلقت عشان بس أكتب هواك واخلي كل غيمة شعر.. لو هي بعيده.. تقاصرك! أنا انخلقت.. عشانك انتي يا هواي أحاول أرسم لو بعض.. ملامحك ولّا بعض بعض عبير إيديك ولّا سكاكر بسمتك ولّا خزامى ماطرك أنا انخلقت عشان بس.. أخلّدك ويبقى الزمن مهما نسى ومهما تناسى.. فاكرك إذا خلاص ماني حبيبك .. شاعرك قوليلي بس.. شقدر أسوي من غيرك بقايا هالعمر وشلون أعيش من غير .. ماقولك شعر يفرّحك وتحفظينه في دفا.. دفاترك؟! نكفين خليني أعيش لو بالوهم وأصدّق إني .. شاعرك!! وله قصيدة أخرى في بداياته اسمها (الجهات مو أربعة) قال فيها: ليتك عرفتي من‎ ‎قبل لاتودعين‎.. إن الجهات.. مو أربعة‎! والوقت.. مرسى للحزن‎ مركب ولا له‎ ‎أشرعة‎ ليتك عرفتي من قبل لاتودعين‎.. إن الفرح..بعدك يطيح‎.. وايديني تعجز‎ ‎ترفعه‎ وإن الأمل‎.. بعدك رحل‎.. مدري زعل‎.. ولاّ سؤالي لوّعه‎ وإن‎ ‎الزمن‎.. من عمري ..في عمري انتثر‎.. وعيّت سنيني تجمعه‎ وليتك عرفتي من قبل‎ ‎لاتودعين‎.. بصير حزين‎.. بعدك حزين‎.. وعيوني يشربها التعب‎ قلبي مدينه‎ ‎للحنين‎ والناس صارت أقنعة‎ وإن العذاب‎ كشف لي بعدك برقعه‎. وليتك عرفتي‎ ‎من قبل لاتودعين‎ إن الثواني بغيبتك‎.. ناس ..بزحام‎.. وإن الكلام..شارع‎ ‎غريب‎.. ترفض حروفي تقطعه‎. يامودّعة‎.. ليتك أخذتي من قبل‎ ‎لاتودعين‎: طيفك‎.. وشالك‎.. والعطر‎.. واشتات ذكرى موزعة‎ علشان‎ ‎تصير‎.. بعدك جهاتي.. أربعة!».