«يزن حبيبي» يفاجئ الساحة الأدبية بـ«أحلام منسية»:
كتابات عصيَّة على التجنيس تعبّر عن روح جيل الألفية الثاني.

في “أحلام منسية” الكتاب الأول ليزن حبيبي الصادر مؤخرا عن ريادة للنشر والتوزيع، جدة 1446هـ. يكتب يزن مشاعره وبوحه وكأن الصفحات مرايا لداخله. “قلب صغير” أول نصوص الكتاب يجسد تعاطي المؤلف الشاب يزن مع الكتابة التي ترصد المشاعر وفق عفويتها وطزاجتها دون رتوش كثيرة، فمثلما كتب واصفا “عندما فتح الحب الباب أول مرة تحول عالم الطفولة إلى مشهد مليء بالدهشة والتوتر الجميل” كذلك جاءت كتابات يزن عاكسة دخوله لعوالم الكتابة بتنوع يستعصي على التجنيس، ومحاولات التأطير المسبقة؟! هل ما كتبه المؤلف الشاب يزن في “أحلام منسية” محاولات تقترب من قصيدة النثر، أم القصيدة المقفاة؟! أم القصص القصيرة جدا؟! أم التدوينات اليومية؟! هذا التنوع مما جعل من كتاباته عصية نوعا ما على التجنيس المنتظم تحت نوع كتابي واحد. ففيما يقترب نص “قلب طفل” من قصيدة النثر، يقترب نص “وداع من علوّ الصمت” بعنوانه اللافت من القصة القصيرة، ويأتي نص “انكسار بعيد” قريبا من التدوينة اليومية، ويتخذ نص “خيبة أمل” محاكاة القصيدة المقفاة، وهذه النصوص الأربعة بالتنوع المشار إليه هي النصوص الأولى في الكتاب!! وكأن مزج النصوص المتنوعة أجناسيا منذ بداية الكتاب، يتخذ وضعية تقول للقارئ منذ البداية: إن المؤلف لن يخضع كتاباته لجنس واحد، فهل حدث هذا عن قصد؟! أم أن ذلك يعكس مصادفات المراوحة بين كافة الأشكال الكتابة بحثا عن الذات؟! كما هو الحال مع الكتاب الأول؟! من حيث عوالم الكتابة في “أحلام منسية” جسد المؤلف في كلمة الغلاف الخلفي تنوعها بقوله: “ستجد في الكتاب من التناقضات مالم يعد ومالم يحص، ستجد خيالا، ستجد الحب، ستجد الشوق، ولكنك لن تجدني، ستبحث بين السطور عن ملامحي، عن صوتي، عن شيء مني… لكنك لن تصل إلا لظلال عابرة، حروف باهتة، تلامس الحقيقة دون أن تمسّها، كل ما ستقرأه هنا ليس إلا بقايا مني…” تتجلى في “أحلام منسية” خيبات الأمل في الحب، ومحاولة التعافي منها بكتابة يحاول من خلالها المؤلف أن يمحو ما علق بروحه من آثار أفقدته الأمل:” لم أعد قويا، لقد هزمت في كل المعارك، سأترك المعركة بكل ما فيها، سأترك الريشة تنتصر، وسأترك الألوان تتراقص فرحا…” استخدم المؤلف في “أحلام منسية” تمازج أشكال التعبير، مستعيرا من الفن التشكيلي رؤى الألوان: “سأعطي اللوحة حقها، سأسمح للألوان بالتعبير عن آلامي، وكل لون سيمثل جزءا مني: أزرق الحزن، وأحمر الشغف، وأخضر الأمل الذي يحاول الظهور بين السطور، فليست المعارك دائما انتصارات، بل أحيانا، الاستسلام هو القوة، وترك الألوان تعبر عن قصة رحلتي نحو الأمل المفقود” وعلى الرغم من أن ثيمة الحب وخيبة الأمل فيه تمثل محورا يتكرر في عدد من النصوص إلا أن المؤلف ينجح في إظهار هذه الثيمة بأكثر شكل داخل لعبة الكتابة، فمرة يستخدم لغة الألوان وفرشاة الرسم، ومرات يعود إلى مخزن الذكرى ويصبح، على سبيل المثال، مجرد تذكر هدية قديمة “سوار معصم” شرارة إشعال النص وقالبه.. وتصبح في نص آخر قطرات مطر عابرة بطريق الجامعة مفتاحا لاشتعال الكتابة. ففي نص “سوار من الماضي” يبدأ النص وكأنه إجابة على سؤال: “نعم أتذكر أول الهدايا وآخرها، نعم، أتذكر ذلك السوار، من المؤسف أنني لا زلت أحتفظ به، رغم أنه لم يعد يربطني بك أي أثر!! كان يلمع في يدي كنجمة في السماء… لكنه الآن أصبح مجرد ذكرى! يؤلمني كلما لمسته” وفي نص “تحت زخات المطر” يبدأ وكأنه بداية لتدوينة يومية: “الساعة السادسة والنصف صباحا، الطريق للجامعة، والمطر بدأ للتو، كل شيء حولي يشير للإيجابية، بينما أنا أفكر: ماذا لو كنت بجانبي حينها؟ تتراقص حبات المطر على زجاج النافذة، كأنها تحتفل بحياتي الجديدة…الأشجار تتلألأ بالندى، والشمس تخرج خجلى من وراء الغيوم…” ومن حيث أدوات الكتابة فأحلام منسية، لا تعوزها الصورة المجازية المركبة ولا التخييل فقلب الكاتب ينكسر وينكسر أكثر، والعتبة ليست للباب، وإنما للقاء، وهو لا ترك نفسه، وإنما يترك ظل من يودعه خلفه على عتبة اللقاء: “سافرت ولم أودعه، تركت خلفي ظله على عتبة اللقاء، كأنني أخشى أن ينكسر قلبي أكثر… حملت معي ذكراه في حقائبي…كصورة أخيرة لا تمحوها المسافات”. وإذا ما تساءلنا ما الذي تعنيه الكتابة ذاتها لهذا المؤلف الشاب؛ فإننا سنجد الإجابة أنها أصبحت وجودا لكل ما يفتقده وعالما ينغمس فيه طويلا: “أنت لا تعلم مقدار الوقت الذي أقضيه وأنا أكتب عنك، كم ليال أمضيها أبحث عنك بين الحروف… كل كلمة تُكتب تجرحني وتشفيني، وكل سطر يرويني، لكنه يتركني عطشانا… أكتبك وكأنك قصيدة أعيشها، ولا أستطيع نسيانها”. قراءة كتاب “أحلام منسية” ليزن حبيبي تفتح أعين القارئ على عوالم الكتابة الشابة، بتطلعاتها وآمالها، وحبها، وخيبتها، وانكسارها، وتعلقها بالأمل، وعثورها على ذاتها في الكتابة بوصفها مرايا للروح، أو هي بلغة هذا الجيل عبارة عن لقطات “سيلفي” للحظات متفرقة من عمر شاب، قرر أن يخوض عالم الكتابة بعيدا كل وصفات وأشكال الكتابة المسبقة الجاهزة. يزن حبيبي شاب في عمر الثلاث والعشرين سنة بالسنة الأخيرة من الدراسة الجامعية، يمثل الجيل الشاب مواليد ما بعد الألفية الثانية قرر أن يصدر كتاب “أحلام منسية” على طريقته بكل عصامية واستقلال، دون أن يستعين بأحد، أو مؤسسة ثقافية، لا على صعيد الاستشارات الكتابية، ولا على صعيد دعمه المادي لتكاليف طباعة كتابه، هكذا قرر وهكذا سكب روحه ومشاعره بكل عفوية وتلقائية، ليفاجئنا جميعا بـ “أحلام منسية” بين دفتي كتاب. ............................... *شاعر وناقد -------- 3 نصوص لـ يزن حبيبي رحيل بلا أثر (1) أما أنا، سوف أتراجع وأشعرك باليأس سأختبئ في الظلال كحلم خافت الأنفاس سأرحل عنك خطوةً خطوة، دون صوت أو أثر كأنني لم أكن يوما في قلبك، ولم يكن لي مقر سأترك خلفي صمتا يعانقك ببرود سأمنحك غيابًا كالضباب، كثيفا بلا حدود فحين تبحث عني في زوايا الذكريات لن تجد إلا الفراغ، وأصداء العبارات لا تتوقع مني عودةً بعد الرحيل فأنا كريحٍ مرت، بلا وعد ولا دليل سأدعك تتعلم كيف يكون الفقد صديقًا وكيف يصبح الشوق سرابًا، طويلا، عتيقا. لن تجدني (2) لن تجدني، لن أجازف بالسفينة من أجلك لا بحر يغويني، ولا رياح تأسرني لأهيم نحوك قد آن لي أن أُمسك بالدفة وحدي أرسم طريقًا لا تضله أمانيك تركتُ المرسى، وودعت الشاطئ لن أعود لدوامة الحنين، ولا أمواج الأحلام سأبحر في صمت، بلا صوت يردد اسمك في أفق بعيد، حيث أجد نفسي وأمضي بلا انتظار سفر دون وداع (3) سافرت ولم أودعه تركت خلفي ظله على عتبة اللقاء كأنني أخشى أن ينكسر قلبي أكثر لو التفتُّ إليه للحظة وداع حملت معي ذكراه في حقائبي صوت ضحكاته، ونظراته الحنونة ولكنني مضيت دون أن ألتفت خشية أن تخونني قدماي وتعود كان الوداع ثقيلا على القلب فآثرت الصمت على كلمات الوداع وتركته يحيا في مكانه.