فَرقَعةُ أصابع.

الساعةُ الثامنةُ والنصف ليلًا، مازالَ الليلُ في أوله، حركةُ السوقِ تشيرُ إلى ليلٍ مختلفٍ مع إجازةِ آخرِ الأسبوعِ وحلولِ الراحةِ من عناءِ العمل، في هذا اليومِ عادَ منهكًا بعدَ مشوارٍ إلى المدينةِ لم يتجاوز الـ٩٠ دقيقة، المكوثُ في السيارةِ لفترةٍ طويلةٍ يرهقُ الأعصابَ والمفاصل، رمى نفسَه على السريرِ عند وصوله بعد أن علَّقَ ثوبَه على شمَّاعةِ الملابسِ القريبةِ من السرير، أقبلتِ الصغيرةُ كعادتِها لتحتضنه، عرفتْ أنَّ الإرهاقَ بادٍ عليه بالرغمِ من صغرِ سنها، قال لها فرقعي أصابعَ قدمي مقابلَ ريالٍ لكلِّ إصبع، فرحتْ كثيرًا ولكنَّها ظلتْ تنظرُ إلى أصابع قدميه الصلبة ونحوَ أصابع يدها الرطبةِ وهي تقارنُ بينهما، بدأتْ مستجمعةً قواها، لم يسمع فرقعة، قالت لقد انتهيتُ من القدم اليمنى، قال لها ولكنني لم أسمع صوتًا، اختلفا ثم اتفقا على النصف، وصلا إلى أنها ثلاثُ أصابع بثلاثةِ ريالات، بقيتِ القدمُ اليسرى، حاولتْ وحاولتْ ولم تفلح، تعبتْ كفهُّا الصغيرةُ وهي تحرِّكُ أصابعَ قدمٍ قد جابتِ الفيافي والقفار، انتهتْ من القدم اليسرى، طلبتْ منه المقابلَ المادي، تريد أن تفرحَ في إجازةِ نهايةِ الأسبوع، نظرتْ إليه بعينين بريئتين وكأنها ترجوه أن يجزلَ لها المكافأة، قال لها ممازحًا لك ثلاثةُ ريالات، أرادتْ أن تنصرفَ وبين عينيها دموعٌ احتبسَ بعضها، نزعَ ورقةً خضراء من جيبه، قال لها تعاليْ واقتربي مني، فرقعي لي أصابعَ يدي، تنهدتْ وقالت لقد تعبتُ من فرقعةِ قدميك، قال لها أصابعُ يدي أسهلَ وهي ناعمةٌ مثلَ أصابع يديك، أمسكتْ بكفه، شمَّتْ ريحَ عطرٍ رشَّه للتوِّ كعادته إذا نزلَ من سيارته، رأتْ طرفَ الخمسين في جيبه، تغافلَ عنها ثم انتبه إليها ليقول لها : خذي الخمسين بدلًا عن الثلاثة ريالات، طارتْ من الفرح، أرادتْ أن تفرقعَ أصابعَ اليد الباقية فأمسكَ كفَّها وفرقعَ لها أصابعَ يدها برقَّة، أغمضَ عينيه من التعب، نامتْ إلى جواره والعملةُ الورقيةُ الخضراءُ في يدها، أطفأ نورَ غرفةِ النومِ وهو ممسكٌ بيدها قبل أن يغشاه النوم، استيقظتْ قبله في الصباح، وجدتْ ورقةً خضراءَ أخرى عند قدميها، شعرَ بيدٍ ناعمةٍ تمسكُ قدميه، فتحَ عينيه، التقتْ عيناه بعينيها، أشرقتِ الشمسُ وأشرقَ الحبُّ معها، لم تكن تعرف أنه يمازحها وأنها أغلى من كل شيء .