العالم على رجل واحدة.

ينسى العربي الظمأ بسرعة ويحتفي بالبرق والرعد قبل احتفائه بالمطر، وقد لا يأتي بعد البرق مطر في مدة زمنية قد تقصر وربما تطول، وللمطر رائحة تبشر بقدومه إن لم يصرفه الله برياح في اتجاه مختلف. هبت الرياح في سوريا وانتشر الهواء المحمل بالغازات الكيميائية السامة والقاتلة وهبطت البراميل المتفجرة مثل قطرات المطر المتفرقة لكن برق هذا المطر لا يظهر إلا بملامسة البراميل المتفجرة للأرض، وفي هذا التوقيت يدفن الناس أحياء تحت ركام بيوتهم، وفي هذا التوقيت أيضاً أصيب الغرب ظاهرياً بالعمى والصمم. وفي فلسطين أمطرت السماء رصاصاً والهواء يعجُّ برائحة البارود وموت باردٍ وساخنٍ يتمدد، وسالت الأودية دماً والحقيقة أنني لم ألحظ في فلسطين برقاً ولم أسمع صوت رعد. هي هكذا أمطرت فجأة وسبقها تراكم إنذاراتٍ متعددةٍ لم نأخذها على محمل الجد لكنها في توقيت منتظر من دراكولات العصر الذين يذكروننا صبحاً ومساءً بحقوق الانسان وهم في حالة تطبيق عملي لأفضل تعريفٍ للنفاق والسقوط الأخلاقي . الظمأ للحرية والعدالة وحقوق الانسان واليأس النسبي يتنفسه السوريون والفلسطينيون سراً وعلناً، وسُمِع صوت الرعد الكلامي الكاذب والمخدر في مرات عديدة وحَجَّم الحذر والتجارب السابقة من الاحتفاء به حيث كانت الوعود سراباً والتوقعات وهماً تكذبه كل ظواهر الواقع. والحالة في العراق وليبيا والسودان ولبنان واليمن تكاد تكون نسخة مكررة لما يحدث في سوريا وفلسطين. والسحابة الفارسية السوداء تجثم على صدور العاجزين بتعاون بعض أبناء هذه البلدان العربية الذين قبلوا على أنفسهم أن يكونوا أدوات في المشروع الفارسي في زمن أصبحت الخيانة فيه مختلف على تعريفها. دمشق تئن وبغداد تصارع وهي مثخنة بالجراح وصنعاء يتخبطها الشيطان، والخرطوم تنتظر قتل هابيل بيد أخيه قابيل، وطرابلس الغرب تبتسم وتفتح ذراعيها للطامعين بنفطها. كل هذا حصل بالأمس الكئيب والقريب، فما الذي حصل في منتصف الليل؟ قالوا وقالوا وكثرت الأقوال وظهرت بعض الحقائق حول اختفاء السحابة الفارسية القاتلة، والناس ما بين مصدق ومكذّب وباحثٍ عن قبرٍ تدفن به بقية الحقائق. الموضوعية أحياناً لاتفسر هروب الأسد ولا عواء الذئب أو هدير البعير والتفسير المقنع المتكامل يختفي ويظهر ويرتبط بالحسابات. والعالم في حساباته يساوي ببرود بين قتل وحصار وتجويع أهالي غزة، والإبادة الجماعية التي تحدث هناك وبين حرائق كالفورنيا وأسعار النفط. ولا يعتبر نتنياهو ولا جيشه ولا جنوده مجرمي حرب، ويقف العالم على رجل واحدة لغسل أيديهم الملطخة والملوثة بالدماء.