مسرح حفر الباطن من الحلم للواقع!
كعادة الأحلام الكبرى تبدأ بفكرة ، أو كنبتة تتحدى الظمأ والعواصف وقسوة التحديات , وهنا في حفر الباطن المدينة الحالمة التي تبدو كجوهرة لامعة في كف هذه الصحراء الهائلة ، هنا وقبل ما يقارب الاثني عشر عاماً ، بدأ شاب طموح مع مجموعة من رفاقه بالنقش في صخرة المستحيل ، وفي إرادة عظيمة لتحويل الحلم إلى واقع ، بدايات مليئة بالتعثر والخيبات والانكسارات ، والخسائر أيضاً! كان الشاب الكاتب والمخرج المسرحي مشعل الهملان كلما تعرض لكبوة ، عاد من جديد كفارس نبيل يقاتل ويستنهض همم الزملاء ، وكأن لسان حاله يهتف : لا مجال لمعالجة الجراح ، فلنخلق من الجُرح قصّة ترويها خشبة المسرح ، بجهودٍ ذاتية ، أو لنقل « بقروضٍ» ذاتية كان مشعل يقاوم التحديات كي لا تسقط راية المسرح التي يحملها , طريق طويل ، وكأنه ليل امريء القيس ( أرخى سدوله) ،لكن في النهاية سيكون الصبح هو البُشرى ، فبعد بضع مسرحيات بجهود ذاتية اجتمع مؤسسون لجمعية ( إضاءة للمسرح والفنون الأدائية ) ، بدعم من هيئة المسرح والفنون الأدائية , وعبر برنامج ( ستار) الذي تقدمه هيئة المسرح لدعم المستفيدين في قطاع المسرح في المملكة ، والذي يهدف لدعم وتطوير المستفيدين فنياً وانتاجياً لرفع جودة الإنتاج المسرحي بالشكل المستدام ، وكان نتاج هذا الدعم الكبير من هيئة المسرح والفنون الأدائية مسرحية ( الطريق إلى خسارة ) التي أخدت اسمها من مكان في مدينة حفر الباطن ، هذا المكان يقترب كثيراً من «الأسطورة» في ذاكرة أبناء المدينة ، رغم أنه موجود بينهم ، فالمكان الذي يقع على مشارف المدينة ويمر به الطريق الدولي أُنشأت به على فترات متباعدة مشاريع تجارية لم يكتب لها النجاح ، فترسخت أسطورة بأن المكان « خسارة « وسُمّى بهذا الاسم ، وتوالدت الحكايات الشعبية عن قصص هذا المكان ، وهنا سلك الكاتب المسرحي مشعل الهملان طريقه إلي خسارة نابشاً الذاكرة الجمعية ليجعل « الطريق إلى خسارة « يمر عبر خشبة المسرح ، مستحضراً الشخصيات والحكايات الأسطورية المحلية مثل « تريترا» و «ولد الشعفة « ،لتحضر جنباً إلى جنب مع الأسطورة اليونانية الشهيرة « بروكرست» ، ليدور الصراع العاصف بين البشر وأصحاب العوالم الأخرى ، وكلٌ يحاول أن يحمي المكان من الآخر، يستمر الصراع بلغة فصيحة ، وتتسلل من بين المشاهد أصوات « الهجيني» و «الحداء « وكأنها قادمة من تضاريس المكان وعمقه في ذاكرة الناس. وانا بقدر سعادتي بهذا الوعي والحلم الذي أقرأه بعيون شباب المسرح بحفر الباطن ، فأنني أشكر هيئة المسرح والفنون الأدائية على دعمها لعشّاق المسرح ، وأجزم أن الرهان على هؤلاء الشباب هو رهان المستقبل وأول الخطوات لمسرح عالمي يليق بأبناء هذا الوطن العظيم.