انطباعات مقيم.
ما أجملَ المملكة العربية السعودية! وأكرِم بسكانها ومن حلّ فيها مواطنًا صالحًا! ويصعب الإحاطة بكل ما تحويها من كنوز وسخاء ورقي وإخاء وعزم ووفاء وحزم ونقاء وغيرها في هذه الإطلالة، ولكنني سأحاول أذكر بعض انطباعاتي التي ألخصها في بعض السطور: قدمتُ إلى أراضي المملكة للدراسة في عام 1435هــ يوم الجمعة، ووصلت مطار الملك خالد الدولي حوالي الساعة الحادية عشرة ظهرًا، وكان تعامل موظفي المطار معي في غاية اللطافة والأدب، واستقبلوني بعبارات ترحيبية وابتسامة تلوح بوجه ذلك الضابط الذي التقط لي صورتي الأولى المثبتة ليومي هذا على الإقامة، وفي صالة الانتظار استقبلنا أحد موظفي إدارة الطلبة الدوليين، وفي يده لافتة مكتوب عليها جامعة الملك سعود، أخذتنا السيارة إلى مقر الإقامة المؤقتة، وكنت بصحبة ثلاثة طلاب آخرين، التقينا صدفة عند السيارة، وهما طالبان يمنيان، وطالب روسي، وفي ذلك المساء زارنا إلى مقر إقامتنا في سكن الطلاب د. عبدالرحمن العمري مدير إدارة المنح) بنفسه، وعلى الرغم أن يوم الجمعة عطلة رسمية، إلا أنه أتى بنفسه ورحب بنا وذهبنا بصحبته إلى تموينات الجامعة -الخاصة بطلاب السكن- وأخذنا ما ينقصنا من أشياء، وأصر على دفع كامل التكلفة لي ولزملائي. يوم كامل منذ البداية كوّن لديّ انطباعًا رائعًا حول هذا البلد الجار الذي سأمضي فيه سنوات دراسية في مرحلة الدراسات العليا، وكنت مذهولًا تماماً من حُسن التعامل ولطافة الاستقبال ابتداء من موظفي المطار وحتى (إدارة المنح) المسمى القديم لـ(إدارة الطلبة الدوليين) حاليًا، وبدأنا مشوار المعاملات في أروقة الجامعة (الدراسات العليا، والتسكين، وإدارة المنح). والعجيب أن الجميع بنفس اللطافة والجمال، فقلت في نفسي: ربما هي لهفة البدايات، ثم يتغير الحال، لكن مضت بنا الأيام والسنون، وتعرفنا على أساتذة سعوديين وزملاء دراسة وموظفي دوائر حكومية، ومعظمهم بنفس التعامل الراقي، وطيب اللقاء، وحسن السلوك. ما يقارب عقد من الزمن وأنا مقيم في المملكة العربية السعودية، ولم أسمع يومًا إساءة من طالب جامعي، على الرغم مع زحمة الطلاب في الممرات والسكن ومطعم الجامعة، ولم ألاحظ سوءًا من مواطن خارج أسوار السكن أو على امتداد البلاد وعرضها، بل إذا التقيت بأحدهم على مدخل باب توقف، وأشار لك بالدخول، صغيرهم وكبيرهم على هذا الحال، وحينها أدركت يقينًا أنها تربية متأصلة في الوجدان، وحُسن خلق تتوارثه الأجيال، وتيقنت أن هذه البلاد محفوظة بنبل أخلاق شعبها وكرمهم اللامحدود نتيجة حسن نواياهم وحبهم الخير لمن سواهم، وعلمت أن هذا الشعب هو الأسخى بين كل شعوب العالم، ولا تستطيع أن تكون أكرم من الرجل السعودي؛ فإذا أسديت له معروفًا أعاده إليك أضعاف أضعاف ما وصل إليه منك. ومن جهة أخرى أدركت مدى التلاحم المجتمعي بين كل أطياف المجتمع السعودي، وحبهم وولاءهم لملكهم وحكومتهم كأنهم نسيج واحد؛ خيوطه قلوب متآلفة، وعماده ولاء لا ينفصم، فإذا نظرت إليهم رأيتَ رجالًا كالجبال الشامخة، وأبطالًا أوفياء يتعاضدون حول قادتهم كما تتعانق جذوع النخل في عموم البلاد، وتنغرس في تربتها لمواجهة الرياح العاتية، ولا تهزّهم العواصف والأعاصير بل تزيدهم تماسكًا وترابطًا وإخاء وعزمًا وحزمًا. ولعَمري إن الشعب السعودي – كبارًا وصغارًا - يحب ويعشق قادة بلاده؛ في أحد مولات الرياض سألت طفلاً لم يتجاوز الست سنوات: هل تحب الأمير محمد بن سلمان؟ قال لي حرفياً «أي مرّة أحبه!!» هو طفل لا يعلم شيئًا، ولا يدرك شيئًا، لكنه رضع الولاء والوفاء والانتماء من حليب أمه، ومن همسات والده وهو يتحدث عن عظمة قادته وإنجازات بلاده، هذا الشعب صاحب القلب الواحد والولاء الواحد الذي لا ينهدم، وصاحب العزم الذي لا يلين. وإنني أجُزم يقينًا أن كل مقيم على أرض المملكة العربية السعودية يخالجه الشعور نفسه تجاه المملكة وأهلها، وهذا بلد نزداد كل يوم حبًا له ولأهله، وصنيع أهل المملكة يجبرك على حبها وعشقها، وستظل المملكة رائدة وقائدة وشامخة بشموخ قادتها ومن حولهم، وستظل المملكة السفينة العظمى التي تبحر وتسير نحو التقدم والنماء والازهار والمستقبل المشرق بإذن الله.