تعود علاقة عائلة القصيبي بالملك عبدالعزيز إلى عام 1906م حين التقى إبراهيم (عم عبدالرحمن وزوج أمه) بالملك أثناء مروره بالرياض في قافلة متوجهة إلى الحج، فجمعت بينهما صداقة قواها انتساب إبراهيم إلى نجد... وفي عام 1913م قرر الملك عبدالعزيز الاستيلاء على الأحساء، فأرسل إلى إبراهيم يخبره بما عزم عليه، ويطلب منه المساعدة بتوفير بعض المواد التي تساعده على التخفي في مزارع النخيل... وكان ضم الأحساء مؤشراً على بدأ علاقة مميزة بين عائلة القصيبي والملك عبدالعزيز فصاروا – القصابا – ممثلين للملك عبدالعزيز في البحرين، وتولَوا بعض المهام من خلال مكاتبهم في بومبي والبحرين..».(1) وفي عام 1346هـ 1927م توثقت علاقة الملك عبدالعزيز بعبدالرحمن القصيبي وأصبح يشيد به في كل مناسبة، وقد اختاره الملك عبدالعزيز عام 1346هـ ضمن لجنة التفتيش والإصلاح التي ضمت عدداً من الأعيان وأعضاء مجلس الشورى القديم لرعاية مصالح الناس، وتأمين راحة الحجاج، وفي عام 1370هـ 1951م صدر مرسوم ملكي بمنحه لقب وزير مفوض من الدرجة الأولى بوزارة الخارجية، ومنحه الملك سعود لقب (وزير دولة) بالمرسوم الملكي رقم 21/1/951578 في 8 رمضان 1374هـ 1955م.(2) ولد غازي عام 1359هـ 1940م بالأحساء بالمنطقة الشرقية، وقامت بتربيته جدته (سعاد) لأمه (فاطمة كاتب) التي توفيت في شهره التاسع، وهو أصغر أولاد والده (من البنين والبنات). وفي الخامسة من عمره انتقلت العائلة إلى البحرين فبدأ الدراسة وكان مولعاً بقصص كامل الكيلاني ويوسف السباعي وقصص تاريخ الإسلام التي كانت تصدرها دار الهلال، وكانت اللغة العربية مادته المفضلة، فكان يحصل على أعلى الدرجات، بدأ يكتب الشعر ويتذوقه من السنة الأولى ثانوي، وكان لوجود زميله عبدالرحمن رفيع الذي سبقه بكتابة وإلقاء الشعر حافزاً ومشجعاً له.(3) أول قصيدة قالها يصف حريقاً كبيراً أتى على مجموعة كبيرة من العشش - البيوت المبنية من سعف النخل - يذكر منها: يا لهول الخطب الذي استشرى بقوم آمنينا نار مستبدة عاتية ثم أبت أن تستكينا وقد اقترح عليه عبدالرحمن رفيع أن يعدل البيت الأول ليصبح على النحو التالي: يا لهول الخطب والرزء الذي جار واستشرى بقوم آمنينا بعد ذلك استقامت له القوافي والأوزان فأصبح ينشر في صحيفة (الخميلة) ومجلة (القافلة)، كما نشر في مجلة (الإشعاع) الصادرة بالخبر عامي 75-1376هـ 1956م باسم مستعار (محمد العليني) ثم باسمه الصريح. كان يتابع بشغف مجلة (المصور) القاهرية وبالذات الصفحة الخاصة بالشعر التي يحررها صالح جودت، فبعث له بقصيدة يحلم بنشرها، ولكنه أهملها بعد أن عرف أنه مازال طالباً قائلاً له في باب القراء: «قصيدتك تدل على موهبة لا زلت برعماً يتفتح، اقرأ كثيراً فلا ينقصك إلا التعمق»، فتدخل شقيقه عادل – الذي يكبره بسبع سنوات – فكتب بورق صقيل على الآلة الكاتبة لصالح جودت وأرفق بها قصيدة جديدة باسمه المستعار فوجدها منشورة بعد اسبوعين ذكر منها قوله: وضعتها فوق قلبي كي يستريح ويهدأ فازداد خفقاً ووجفا وازددت شوقاً ووجدا وقلت تطفئ ناري فزادت النار وقدا قد خان عهدي حبيبي ولم تخن هي عهدا اطلع الوالد على شعر الابن وبدا معجباً به، وبالذات بعد أن قال قصيدة تهنأه بتلقيه لقب (وزير دولة) من الملك سعود عام 1374هـ 1955م، وكان مطلعها: لا أهنيك بهذا اللقب أنت أسمى منه قدراً يا أبي وقال: « ولا أزال حتى هذه الدقيقة أتذكر الغبطة البالغة التي شاعت في ملامحه وهو يقرأ الأبيات. لقد طلب مني أن أعيدها، وكنا في يوم عيد، وأكثر من مرة أمام الزائرين. وكان مثل هذا الطلب في تلك المرحلة من العمر مصدر سعادة عارمة ولم أتردد في الاستجابة إليه، ثم بعد أن مرت السنوات والتحقت بالجامعة بدأت أشعر بحرج متزايد في الاستجابة لرغبة الوالد في إنشاد القصائد أمام جلاسه وزواره مع معرفتي الأكيدة أن اعتزازه بي وبما أكتب هو الدافع، وقد اضطررت أن الجأ إلى عادل للتوسط مع أبي ليعفيني من هذا الإنشاد العلني، وقد استجاب رحمه الله ضاحكاً ولم يطلب مني بعدها أن ألقي قصيدة مالم أتطوع بذلك..»(4) وفي صيف سنة 1956م أنهى دراسته في البحرين وانتقل إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة السعيدية طالباً بالتوجيهية ثم بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. وفي رسالة خاصة من الدكتور غازي بعثها لي بتاريخ 26/7/1428هـ عندما كان سفيراً للمملكة في لندن، مرفقاً بها ما كتبه (مايكل فيلد) في كتابه (التجار.. القصيبي بداية عائلة عريقة). ويعيد مايكل فيلد سبب كره البريطانيين لعائلة القصيبي إلى أنه – خلال العشرينيات من القرن العشرين – بدأت علاقة ابن سعود مع البريطانيين في التدهور، نتيجة رفضه التنازل عن النزاع مع العائلة الهاشمية في الحجاز، التي كانت الحليف الأساس لبريطانيا أثناء الحرب، وبالتالي، ومن ثم بدأ ابن سعود عملية اختراق للمشيخات التابعة لبريطانيا في الخليج، وبالطبع أصبحت عائلة القصيبي ممثلاً لابن سعود في البحرين، وقد استغلوا علاقتهم بالسلطان وشيوخ الخليج لتحقيق أهدافهم. وقد أيقنت بريطانيا أن القصيبي هم ممثلو النجديين في البحرين، وبالتالي فقد عقدوا اتفاقاً مع عائلة الخليفة (حكام البحرين) ينص على أن تتولى بريطانيا الشؤون الخارجية للبحرين، وذلك لإغلاق الطريق على علاقة القصيبي مع ابن سعود. وعندما أيقن البريطانيون أن عائلة القصيبي تمثل الملك ابن سعود، بل وتنقل له الأخبار من البحرين، استغلوا بعض الحوادث البسيطة بين النجديين والفرس، وضغطوا لطرد عبدالله (شقيق عبدالرحمن) من البحرين، على اعتبار أنه مُحرِّض على الفتنة، ثم خاطبوا الملك عبدالعزيز بأنهم يوافقون على عودة عبدالله القصيبي إلى البحرين بشرطين: أن يقتصر نشاطه على التجارة، وأن يستمع إلى نصائح البريطانيين. ويعزو مايكل فيلد سبب تدهور علاقة القصيبي مع الملك عبدالعزيز إلى أن تجارة اللؤلؤ – التي كان القصابا يعتمدون عليها – قد انهارت في الثلاثينيات من القرن العشرين، وأدى ذلك إلى إعلان كثير من الشركات العالمية إفلاسها، وكان بعض هذه الشركات مديناً لعبدالرحمن القصيبي وإخوته، مما أثر على موقفهم المالي. ويرى فيلد أن البريطانيين يعتقدون أن سوء حظ عائلة القصيبي وجود جفاء بينهم وبين المجموعة السورية في الحكومة السعودية. يقول الدكتور عبد الرحمن الشبيلي رحمه الله: «.. مع أن تجارة عائلة القصيبي قد تراجعت، إلا أنهم استمروا وكلاء للملك في البحرين، وقد استمر عبدالرحمن في إنجاز المهام المتعلقة بالتجارة الخارجية التي كان يكلفه بها الملك، وقام مكتب القصيبي في البحرين بتوفير التموين لجيش الملك في اليمن أثناء حرب 1934م. وكان من نتائج انهيار تجارة اللؤلؤ في أواخر الثلاثينيات أن دب الخلاف بين الأخوة (القصابا)، ويُرجع غازي القصيبي (ابن المترجم له) – كما ذكر مايكل فيلد – أن سبب اختلافهم يعود إلى عدم اعتمادهم على نظام إداري معين لإدارة أعمالهم، كما لم يكن هناك أي ميزانية محددة لتلك الشركات، أو نظام مشاركة في الأرباح، بجانب عدم تحديد مسؤولية كل فرد في إدارة تلك التجارة، حيث كان كل أخ يأخذ ما يحتاج من أموال دون الرجوع إلى الآخرين..»(5) ويقول غازي في (المواسم) «.. حدثك أبوك أن إقامته ذات سنة طالت في الحجاز في معية الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وكان أبوك يعيش بمفره، ونصحه من نصحه باللجوء إلى الذي كان وقتها مقبولاً ومعقولاً: الجارية التي تُغني – بعض الشيء – عن الزوجة، وجاءت الجارية ولم تطل إقامتها. حدثك الدكتور مدحت شيخ الأرض أنه كان المسؤول عن زوج أبيك بأمك [فاطمة درويش كاتب]، وقال إنه كان يعرف عائلة أمك، ويعرف أباك، وسعى لترتيب الزواج. كان هناك شيء من التردد من جانب أسرة أمك، التي كانت تتخوف مغبة زواج فتاة في السادسة عشر من رجل في سن أبيها، وكانت تخشى أن يذهب الزوج (الشرقي) بزوجته شرقاً، واشترطت عليه الأسرة أن يبقيها في الحجاز، وقَبلْ الشرط، وتم الزواج في سنة 1930م وبعدها بسنة ولدت حياة وبعد ميلادها بسنة ولد عادل، وبعد ميلاده بثلاث سنوات ولد نبيل، ولدوا جميعاً بمكة المكرمة، ثم تغيرت الظروف واضطر أبوك إلى السفر وأخذ أمك معه، ومن مكة إلى الهفوف حيث ولدت سنة 1940م، وبعد ميلادك بأقل من سنة توفيت أمك في الثامنة والعشرين بالتيفوئيد في الأحساء، وفي السنة نفسها مات جدك، فقدت ستك سعاد [جدتك] زوجها وابنتها الوحيدة في سنة واحدة...»(6) وسأل والده يوماً: «.. هل نحن فقراء فضحك وقال: نحن بحمد الله بخير، لماذا تسأل؟ فقلت أنظر إلى البيت الذي نسكنه!! فضحك ولم يقل شيئاً. الآن عرفت أن أباك كان يحرص على نشأتك واخوانك بلا ملاعق ذهبية أو فضية، ونجح إلى حد كبير..»(7) وقال: «.. ولدت في أحضان بيئة نفسية حزينة. قبل أن أولد بشهور توفي جدي لوالدتي في ظروف كئيبة تَركتْ ظلها القاتم على المنزل. وبعد ولادتي في الأحساء بتسعة شهور توفيت أمي على أثر إصابتها بالتيفوئيد وكانت – رحمها الله – في التاسعة والعشرين، على إثر وفاتها تكفلت بتربيتي جدتي لوالدتي وكانت في حالة نفسية بالغة الكآبة بعد فقد زوجها ثم ابنتها الوحيدة، وانتقالها من المجتمع الذي ألفته وأحبته في الحجاز إلى مجتمع جديد غير مألوف في الأحساء ثم في البحرين، وكان والدي مشغولاً بأعماله التجارية... ومن هنا فإن مهمة تربيتي قد تركت نهائياً في يد جدتي التي قامت بها خير قيام، رحمها الله وجزاها عني وعن أخوتي خير الجزاء..»(8) توفي عبدالرحمن القصيبي سنة 1396هـ 1976م وكان عمره أربعة وتسعين عاماً، وقد رثاه ولده غازي بقصيدة منها: وفي لحظة يا أبي وصديقي فُقِدتَ فَعُدتُ يتيماً صغيراً يغالب بين الجموع الدموع ولا يستطيع، فيبكي كثيراً وأنت هنالك فوق الركاب تلوح كعهدي كبيراً، كبيراً مهيباً برغم انطفاء الحياة ورغم انسدال الستار شهيراً ويروي الدكتور غازي القصيبي، أن أباه قد أوصى بإتلاف كل أوراقه من بعده، وأنه كان يمانع في تدوين سيرته وذكرياته إبان حياته، مما فوت على الباحثين والتاريخ ثروة لا تقدر بثمن، كما نقل عنه عندما ألحَّ عليه بتدوين سيرته قوله: « هل تريدني أن أكتب ما يعرفه الناس جميعاً؟ فهذا لا قيمة له، ولا يستحق أن يُكتب أو يقرأ. هل تريدني أن أذيع أسراراً هي عندي بمثابة الأمانات، وهو ما لا أستطيعه؟ هل تريدني أن أكذب؟»(9) إن رفض عبدالرحمن القصيبي تدوين سيرته أضاع علينا معرفة التاريخ الحقيقي لتوليه غير الرسمي منصب وكيل الملك عبدالعزيز السياسي في البحرين، ولكننا نرى ذلك امتداداً لأعمال أخوته في تمثيل الملك تجارياً وسياسياً، واستمر ذلك التمثيل منذ العشرينيات الميلادية 1920م، ظل القصيبي حتى وفاته الوكيل التجاري للمملكة العربية السعودية في البحرين وبدء التبادل الدبلوماسي بينها وبين المملكة استمرت الوكالة، ولكنها تحوَّلت إلى وكالة فخرية. قال عنه غازي في كتابه (المواسم): «.. كان رجلاً سبق جيله، بأجيال، وسبق مجتمعه بمراحل، كان متديناً على الطريقة السلفية، وكانت له علاقات قوية مع أصدقاء من مختلف المذاهب والأديان، طبع على نفقته عشرات الآلاف من الكتب – كتب الفقه الحنبلي المعتمدة – ووزعها على أوسع نطاق. كان أبوك رجلاً لكل المواسم، عرف الفقر كما عرف الغنى، عرف الصحة وعانى المرض، صاحبَ الملوك والأمراء، وكان شديد القرب من البسطاء والفقراء، حملته تجارة اللؤلؤ إلى الهند وأوروبا. تحسب، وتوشك أن تجزم، أنه كان من أوائل السعوديين الذين زاروا لندن وباريس وبقية العواصم الأوروبية، ووسّعت هذه السفرات أفقَه، وتعلم كيف يحترم الآخرين، ويحترم حقهم في الاختلاف، وكان في صراع صامت مع التقاليد الخانقة التي تحيط به، ومع قيود المجتمع التي لا ترحم أحداً، كان يحترم التقاليد دون أن يخلط، قط، بينها وبين الدين، وكان يعيش في الحدود التي يرسمها المجتمع دون أن يسمح للمجتمع بأن يصوغه على مثاله، وتزدحم ذاكرتك بصور لا تنتهي عن أبيك في تلك المرحلة. ترى نفسك تغوص بين المقعد في مكتبه الصغير؛ لتجمع ما تساقط من لؤلؤ، وتتلقى المكافأة ربع روبية، تتذكر كيف كان يطلق عليك وعلى أصحابك اسم (طقة خرخر) – الصفة التي يصعب شرحها – والتي تحمل كثيراً من التبسيط. تذكر كيف أطلق على حفيد من أحفاده كان يستظرفه لقب الشاعر العباسي المعروف (أبي دلامة)، وظل اللقب مع الحفيد لا يفارقه سنين طويلة. تذكر كلماته في وصف خطيب ممل: « خِطَبهْ مثل ليالي الشتاء باردة وطويلة «، وتذكر أنك لم تره قط غاضباً، ولم تسمعه قط يشتم أحداً. كان – عندما يستاء من أحد – يسميه (الترس)، (الترس؟!) ما هو (الترس)؟ تذكر أنك سالته ذات يوم عن معنى الترس، وتذكر كيف أجابك مبتسماً أن الكلمة لا تعني شيئاً لا تعني سبّاً ولا شتماً ولا قدحاً؛ ولهذا فهو يستخدمها بدلاً من استخدام كلمات السبّ والشّتم والقدح. كان هذا درساً بليغاً حاولت، بلا جدوى، أن تتعلمه، كما حاولت أن تتعلم منه تسامحه اللامحدود، وتعامله الحضاري مع الجميع، واحترامه خصوصيات مَن حوله، في عهدٍ لم يكن فيه الآباء يحترمون خصوصيات أبنائهم، حاولت أن تتعلم وتعلمت أشياء، وفشلت في تعلم أشياء، كان أستاذك الأول والأفضل (رحمه الله)».(10) ويذكر غازي بكل فخر «.. أول سيارة ملكتها كانت (بليموث) من الحجم الصغير، وقد اشتراها والدي – رحمه الله – أيام كنت طالباً في الدراسات العليا في الولايات المتحدة عام 1963م».(11) وفي مقابلة مع محمد رضا نصرالله يقول: إنه تزوج عام 1968م فأهدى والده لزوجته الألمانية ساعة قدمها لها بنفسه وعاملها بروح شاب لا شيخ. قال غازي في (سيرة شعرية)، «.. لقد تحولت علاقتي بأبي عبر السنين من علاقة احترام وخوف إلى علاقة محبة وصداقة حقيقية، إنني أشعر أن عاطفتي نحو أبي أكبر وأعمق من أن تعبر عنها قصيدة واحدة، واستغرب لأنني لم أكتب عنه سوى هذه القصيدة. التاريخ الأدبي يحدثنا عن شعراء فقدوا أحباء قريبين إلى قلوبهم ولم يكتبوا عنهم كلمة واحدة، وهذا بدوره سر من أسرار العملية الشعرية التي لا نكاد نعرف عنها شيئاً. لقد قال لي الشاعر عمر أبو ريشة إنه كان متعلقاً بأبيه تعلقاً نادراً، ومع ذلك فلم يستطع أن يكتب عنه بعد موته سوى اربعة أبيات. إنني أشعر أنه مهما كتبت من شعر عن أبي لا أستطيع أن أفيه حقه. إنني كلما تقدمت بي السن ازددت إعجاباً بهذا الإنسان العظيم، ولا أعتقد أن يوماً واحداً قد مر بي دون أن التقي في شرق المملكة أو غربها أو شمالها أو جنوبها بإنسان عرف أبي معرفة حميمة واحتفظ له بأجمل الذكريات. إن هذا أثمن ما يخلفه أب لأبنه. رحم الله أبي وجزاه خير ما يجزي عباده الصالحين».(12) وعن علاقة والده بالملك عبدالعزيز قال: « على زمن سيدي الوالد – رحمه الله – لم يكن هناك تمثيل دبلوماسي ولهذا كان يسمى (الوكيل التجاري)، وإن كانت كثير من أعمال الوكالة لا تختلف عما نسميه اليوم الأعمال القنصلية، كثيراً ما كنت أجلس معه بعد الظهر في المكتب لأساعده في بعض أعمال الوكالة. وكثيراً ما كان يكلفني بكتابة برقية أو الرد على مذكرة، ولعله كان يتعمد تدريبي على رأس العمل – كما يقولون – وأنا بعد طالب في الثانوية..».(13) وفي الختام: يقول أنه بكى ثلاث مرات في رثاء والده، وفي رثاء الملك خالد – رحمه الله – «وقد كان إنساناً قريباً إلى روحي، شعرت يوم موته أنني فقدت أبي مرة ثانية»، والثالثة عندما زار السادات القدس المحتلة. وعندما كان وزيراً للصحة 1403-1404هـ بكى كثيراً كلما زار المستشفيات ورأى أقسام الطوارئ وضحايا حوادث السيارات من شباب فقدوا أعمارهم أو أصابتهم إعاقة دائمة.(14) وفي سؤال لخالد باطرفي عن الخوف من الموت قال:»... الموت انتقال إلى رحمة الله، وثقتي في رحمة الله لا حدود لها، أعتقد وإن كنت لا أعلم أنه حين تحين ساعة موتي ستجدني مستعداً لها بقليل من الحسنات وكثيراً من الذنوب، وأمل شاسع في عفو الله، وشوق كبير إلى لقاء وجهه الكريم».(15) -------- (ورقة ألقيت يوم الثلاثاء 16/5/2023م بدعوة من كرسي غازي القصيبي بجامعة اليمامة بالرياض) (1)معتمدو الملك عبدالعزيز ووكلائه في الخارج، محمد القشعمي، ط3، ص90/91 (2)معتمدو الملك عبدالعزيز ووكلائه في الخارج، محمد القشعمي، ط3، ص97 (3)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة 1424هـ، ص16 – 23 (4)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة 1424هـ، ص23 (5) عبدالرحمن الشبيلي – عبدالرحمن القصيبي، المجلة العدد 1359 في 4/3/2006م، ص 63 (6)التجار – فيلد، ص236 (7)المواسم، غازي القصيبي، ط1، 1427هـ 2006م، جدة: دامة، ص44 – 45 (8) المواسم، غازي القصيبي، ط1، 1427هـ 2006م، جدة: دامة، ص 65 (9) سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة، 1424هـ، ص 47 (10)المواسم، غازي القصيبي، ص 87 – 91 (11) في رأيي المتواضع، غازي القصيبي، تهامة، 1983م، ص 81 (12)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة، 1424هـ، ص 97 (13)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة، 1424هـ، ص 178 (14)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة، 1424هـ، ص 125 (15)سيرة شعرية، غازي القصيبي، ط3، تهامة، 1424هـ، ص 212-213