الإبداع زمن السرعة.
الأشياء الجميلة لا نتحوّل عنها بلمسة زر؟ ذلك ضرب من الوهم ! بل ننجذب لها بكلّ حواسّنا، دع عنك مقولة (زمن السرعة)، وما فرضته وسائل التواصل من واقع أصبح فيه الشاعر لا يكتب سوى بيتين أو ثلاثة ؛ كلام وإن كان له وجه من الصحة، لا يؤخذ به على علّاته ! لا زالت (سواليف) والدتي عن حياتهم زمان تأسرني، وكذلك يفعل شعر المتنبي، وشوقي، وحمزة شحاته، وحين تغني فيروز من كلمات بشارة الخوري: يا عاقد الحاجبين على الجبين اللجين إن كنت تقصـد قتلي قتلتني مرتين وأتذكّر حين يشدو الصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر رائعته (غريب) كيف نقطع معها المسافات، وربما تجاوزنا وجهتنا من شدة الانسجام قبل أن نعود أدراجنا! ، وأستمتع حين أتابع بعض مباريات دوري روشن المثيرة ، خصوصا وقد أصبح مترع بالنجوم، وأشاهد بعض الأفلام. لا ينصرف بوجهه عن الإبداع والجمال والمتعة والفن، من يعرف كيف يتذوّق الأشياء ، وكما قال إيليا أبو ماضي: والَّذي نَفسُهُ بِغَيرِ جَمالٍ لا يَرى في الوُجودِ شَيئًا جَميلا وفي نهاية المطاف للناس اهتمامات. وميول، وللتذوّق والمشي في أكناف الجمال أدوات، الشعور، والقراءة وحسن الاستماع والمتابعة الممعنة. وليس ذنب اللوحة الفنية المذهلة أن تخطئها عيونك، وتمرّ عليها عابرا، وسيأتي من ينصفها ولو بعد حين. وذاكرة الوسائط مهما بلغت سطوتها لا تشكّل ذائقة؟ ومن لم يألف قراءة الكتاب الورقي، لن يقوى على تصفّح كتاب رقمي، هي أدوات واستعدادات يتباين فيها الناس، والأكيد أنه لن يصحّ في مسألة الجميل إلا الجميل. ووسائل الاتصال تمنحك فرصة أن تثرثر وتغني، وتكتب ليل نهار، وربما يصل صوتك لكل الدنيا، لكنها لن تعطيك ما تفتقده في الأساس ، ولن تمنحك قلم أمين نخلة ، ولا حسين سرحان أو حنجرة عبدالوهاب، أو وديع الصافي، ولا حسّ المبدع والفنان ما لم تمتلك الموهبة والقابلية. ولذلك كله لا يمكن أن نفصّل دائمًا (قماشة) إبداعنا على مقاس تلك الوسائط. فنختصر الشعر والمقالة ، والكلام الجميل بشكل مُخلَّ بحجة زمن السرعة، كل ما علينا فقط أن نبدع، وأن نترك الأمور تجري في أعِنّتها ولا يهمّ كيف تصل للناس؟