مدينة تكتب التاريخ بين طاولة المفاوضات وصفحات الروايات: 

الرياض.. يد تصافح وأخرى تحتفي بالإبداع.

في الوقت الذي كانت تصل فيه الأخبار من الدرعية،احدى أروقة العاصمة الرياض، عن نجاح الوساطة السعودية في حلحلة الخلاف بين الولايات المتحدة وروسيا، كانت «بوليفارد سيتي» في قلب المدينة المتألقة ذاتها تحتضن حدثًا آخر من نوعٍ مختلف، لكنه لا يقل أهمية في تشكيل صورة السعودية الجديدة—حفل توزيع جوائز “القلم الذهبي”، الذي جمع كتّابًا من أنحاء العالم في قلب البوليفارد، ليؤكد أن المملكة لم تعد فقط ساحةً للدبلوماسية الكبرى، بل صارت أيضًا منارةً ثقافية تُطلق الإبداع نحو آفاقٍ أوسع. في السياسة، استطاعت الرياض أن تكون نقطة التقاءٍ بين قوتين عالميتين، وفي الأدب، صنعت الجائزة جسرًا بين الحكاية والشاشة، بين الخيال والواقع، بين الكلمة والصورة. هنا، لم تكن مجرد ليلة احتفالية، بل كانت إعلانًا عن عصرٍ جديدٍ للأدب العربي، حيث تتحول الروايات إلى أفلامٍ سينمائية، وتُفتح الأبواب أمام كتّاب العالم ليكونوا جزءًا من هذه النهضة. في قلب البوليفارد السياحي، كان المشهد يعكس روح الرياض المتجددة: مدينةٌ تكتب التاريخ، سواءً على طاولة المفاوضات أو في صفحات الروايات. الحفل الختامي لجائزة القلم الذهبي، الذي اقيم مساء الثلاثاء الماضي كان حدثا يؤرخ لمحطةٍ جديدةٍ في العلاقة بين الرواية والسينما. لم يكن مجرد احتفالٍ بالفائزين، بل كان إعلانًا عن مستقبلٍ تزهر فيه الرواية العربية، حيث تصبح نصوصها شاشاتٍ مضيئةً تنبض بالحياة. رواياتٌ تولد من جديد في أجواءٍ مفعمةٍ بالحماس والتوقعات، تسلم الكاتب عبدالرحمن سفر جائزة المركز الأول عن روايته التي لم تكن مجرد حبرٍ على ورق، بل مشروع فيلم سينمائيٍ قادم. إلى جانبه، نالت الكاتبة منى سلامة المركز الثاني، بينما جاء الكاتب يوسف الشريف في المركز الثالث، في تتويجٍ للأعمال الأكثر قابليةً للتحول إلى الشاشة الفضية. الجائزة لم تكن مجرد تقديرٍ للنصوص، بل منصةٌ حقيقيةٌ تعيد تشكيل العلاقة بين الكتابة والسينما، حيث صرح رئيس الجائزة، الأكاديمي والناقد الدكتور سعد البازعي، قائلاً: «نحن لا نحتفي بالرواية ككتابٍ مغلق، بل كنافذةٍ مفتوحةٍ على السينما، حيثيصبح الخيال مشهدًا، واللغة حركةً، والمفردات نبضًا بصريًا.” تنوعٌ يعكس ثراء الأدب العربي المشهد لم يكن مقتصرًا على الروايات الكبرى، بل امتد إلى فئاتٍ متعددةٍ، من التشويق والإثارة إلى الرعب والفانتازيا، ففاز يحيى صفوت بجائزة أفضل رواية للتشويق والإثارة، بينما خطف عبدالرحمن إبراهيم جائزة الغموض والجريمة، أما أمير شوقي فحمل راية الفانتازيا، في حين كان شتيوي الغيثي بطل الرواية التاريخية. أما جمهور الأدب، فلم يكن غائبًا عن المشهد، حيث تُوّج الكاتب أمير عزب بجائزة الجمهور، والتي جاءت بتصويتٍ مفتوح، ليؤكد أن القارئ هو الحكم الأول والأخير في صناعة الأدب. السينما بوابةٌ ثانيةٌ للأدب لم تكن الجائزة تكرّم الرواية فقط، بل مدّت جسورًا بين الأدب وصناعة السينما، من خلال جائزة “أفضل سيناريو مستوحى من عملٍ أدبي”، حيث ذهب المركز الأول إلى حسام العربي، بينما حصد محمد الصفار المركز الثاني، وأحمد عثمان المركز الثالث، مما يعزز فكرة أن الأدب لم يعد حبيس الصفحات، بل يعبر إلى شاشات السينما في رحلةٍ جديدة. الترجمة والنشر: دورٌ محوريٌ في الانتشار لم يغب الدور الحيوي لدور النشر والمترجمين عن هذا المشهد الاحتفالي، إذ فازت دار “كيان للنشر” بجائزة أفضل ناشر عربي، بينما حصد هشام فهمي جائزة أفضل رواية مترجمة، في تأكيدٍ على أن الأدب العربي قادرٌ على تجاوز حدوده اللغوية، والانطلاق إلى آفاقٍ أوسع. نحو مستقبلٍ جديدٍ للرواية العربية لم يكن الحفل مجرد تكريمٍ للفائزين، بل كان إعلانًا عن توجهٍ جديدٍ في صناعة الأدب، حيث تتحول الرواية من نصٍ مقروءٍ إلى صورةٍ متحركة، ومن خيالٍ فرديٍ إلى تجربةٍ بصريةٍ جماعية. وكما قال الدكتور سعد البازعي: “نحن لا نكافئ الرواية علىماضيها، بل نحتفي بها كجسرٍ يعبر بنا نحو المستقبل.”