فنانة التطريز التقليدي زكية الحربي..

التطريز فن قوي يستهلك الوقت والطاقة.

في فضاء الحِرَف اليدوية، حيث يتقاطع الفن بالتراث، تبرز فنانة التطريز التقليدي زكية الحربي كواحدة من الأصوات الإبداعية التي أعادت تعريف التطريز، محوِّلة الإبرة والخيط إلى أدوات تعبير بصري تحمل في طياتها الحنين والهوية، والرسالة الجمالية. عبر سنوات من التجريب والتأمل والعمل المتقن، استطاعت أن تدمج بين الخط العربي والغرز التراثية، بين المخطوطة القديمة واللمسة المعاصرة، مقدِّمة أعمالاً تستغرق الشهور لإتمامها، لكنها تعيش طويلاً في ذاكرة المتلقّي. في هذا الحوار، نقترب من عالم زكية الحربي، حرفية التطريز اليدوي التقليدي والمدربة المعتمدة من قبل هيئة التراث، ونكتشف رؤيتها لتطويع الحرفة وتطويرها، وموقفها من الصورة النمطية للتطريز، وتطلعاتها لبناء ذاكرة بصرية سعودية عبر الفن والإبرة والقطعة المطرزة. * منذ بداياتكِ في مراقبة والدتك أثناء الحياكة وحتى تقديمك لأعمال تستغرق إنجازها سبعة أشهر، كيف تصفين التحوّل الفني الذي شكّل هويتك كفنانة تطريز؟ ** حياتي عبارة عن معرض كبير، كنت طوال الوقت محاطه بجميع أنواع الحرف اليدوية: التطريز والسدو والخوص والحرف غير التقليدية مثل الكورشية، في بداياتي كانت تلك الحرف غير موثقة بشكل كافٍ مثل اليوم، وكان الحلم ما أراه اليوم أمامي من سعي حثيث للمملكة لتوثيق كل تراث الأجداد وزيادة وعي الأبناء ومحافظتهم على هذا التراث العريق، حاولت إدخال الفن المعاصر لحرفتي اليدوية، التطريز، وذلك من خلال العمل على نفس الغرز الأولى بأعمال معاصرة لتعيش فترة أكبر وتحويل حرفة التطريز لأكثر من زينه للملابس، لتصبح لوحات تحكي قصصًا كانت تروى على مسامعي في وقت الطفولة. * أدخلتِ الخط السنبلي والمخطوطات العربية إلى عالم التطريز، كيف تصفين هذا التزاوج بين الحرف التراثي والخط العربي كعنصرين فنيين يحملان البُعد الثقافي نفسه؟ ** الخط العربي مهم للغاية، ودخلت أكثر من دورة لتطوير خط الثلث عندي، وسعيت لمحاكاة مخطوطات شهيرة لخطاطين عرب من خلال الدمج بين التطريز والخط العربي. * غالبًا ما يُختزل التطريز في زخرفة الأقمشة، لكنكِ منحته بُعدًا تشكيليًا ورسالة فنية، متى شعرتِ أن هذه الموهبة تجاوزت حدود الهواية، وأصبحت صوتًا تعبيريًا له حضور وتأثير؟ ** بعد الخروج إلى الحياة وانشغالاتها أردت أن أعبر عن شخصي أكثر وأردت أن تبقى لأعمالي بصمتها لسنوات، وحققت هذا الهدف بعد تعليق العديد من متابعات فني بأنهم يستطيعون تمييز فنّي من بين العديد من الحرفيات المتخصصات بهذا المجال، وأيضا كان لي شغف في إثبات أن التطريز بإمكان تحويله إلى قطع فنية، والفن ليس محتكرًا فقط في اللوحات الزيتية. * كيف استلهمتِ تفاصيل القطعة الفنية الجميلة التي قمتِ بتطريزها والتي تحمل عنوان “المؤسس”؟، وما هي التحديات الفنية التي واجهتك أثناء ترجمة ملامح الشخصية التاريخية إلى غرز يدوية دقيقة تحمل بعدًا بصريًا ومعنويًا؟ ** لوحة المؤسس بالنسبة لي كانت تحديًا شخصيًا، كما تحديت نفسي في أنني أستطيع تطوير حرفتي اليدوية بدون مراجع، والاكتفاء فقط بالملاحظة، والحمدلله من بعد الانتهاء منها في عام 2021م وجدت العديد من ردود الفعل التي ما زلت أجد صداها لليوم وأعتز بها، بالإضافة لحبي الشديد لشخصية الملك المؤسس عبدالعزيز (رحمه الله)، وإعجابي بصبره وتحمله كل أنواع الظروف لينشئ دولة من الدول التي تقود العالم اليوم. أقوى تحدي كان فيها هو عدم توفر مواد الخام وتوقفت مرات عديدة للبحث عن نفس درجات العمل اليدوي، وآخر مرة توقفت حوالي سنة واضطررت لفك العمل بالكامل والبدء من جديد لتتواءم التدرجات مع بعضها البعض، أيضا التحدي الآخر كان عدم خبرتي الكافية في فهم تطريز البورتريه الشخصي بدون مراجع أو دورات. * قدمتِ دورات تدريبية بالتعاون مع “بيت الحرفيين” لتعليم التطريز التراثي. كيف ترين أثر التعليم والتدريب في حفظ الحرفة وتوريثها للأجيال الجديدة؟ وهل شعرتِ بأنك تسهمين في بناء ذاكرة جمعية من خلال هذه الورش؟ ** الدورات التدريبية تساعد دائما على سد نقص الخبرة الموجودة لدى الحرفي وأيضا تضيف لك كمدرب تجربة وآفق اخر في معلوماتك وانجازك، من خلال تجربتي الدورة لمدة ٣ أشهر كانت تحديًا كبيرًا لقدراتي كحرفية وأضافت لي بعدًا اخر في تجربتي كمدرب، الورش التدريبية والدورات الحضورية تساعد في شحذ قدرات الحرفي وأيضا تزيد تصميمه على الإبداع والإنجاز. * تعاملتِ عن قرب مع حرفيات في القصيم وتعرفين تقنيات متنوعة مثل السدو والخوص والشنف الحجازي. ما الذي أضافته هذه الخبرات المتنوعة إلى رؤيتك الخاصة كفنانة تريد تطوير الحرفة بصريًا ومفاهيميًا؟ ** حرفيي القصيم من أفضل الحرفيين اليدويين يتواجدون بشكل دائم في كل المحافل وهذا فخر للمنطقة، دائما يضيفون روح جديدة للحرف اليدوية دائما أحاول ان أنهل من هذه الخبرة والتجارب في إيصال حرفتي بشكل جيد. * ما أبرز التحديات التي تواجهك كفنانة تشكيلية تحترف التطريز وتسعى لإعادة تشكيل الصورة النمطية للتطريز، وجعل الخيط والإبرة وسيلة تعبير معاصرة تحمل رسائل جمالية وثقافية؟ ** أبرز تحدي هو الوقت، أثناء العمل الحرفي تتوقع منك جميع الاطراف الانجاز في وقت معين ولكن كونك تريد إخراج أفضل نسخة من القطع اليدوية دائما تصطدم في معضلة أن أي شخص غير متخصص بالحرفة اليدوية يظن أن اعتيادك على حرفتك يعني سرعة الانجاز ولا يعلم أنه كلما تطور مستواك الحرفي، كلما زاد مستوى دقتك في التنفيذ والتركيز على التفاصيل، من التحديات أيضا عدم توفر بعض الدورات التي تساعد في تطوير حرفتي اليدوية كمطرزة وتوسع مدارك الحرفي، الثقافة الاستهلاكية للجمهور تحتاج إلى عمل أكبر لكي يصبح العمل اليدوي جزء من الثقافة المجتمعية أكثر. * أعمالكِ تحمل كثيرًا من التأمل والدقة، وبعضها يستغرق شهورًا من العمل. هل ثمة بعدٌ تأملي أو روحي تعيشينه خلال هذه الرحلة الطويلة مع القطعة المطرزة؟ ** أحاول دائما صنع لوحة تمسني شخصيًا وتؤثر فيّ قبل المتلقي لكي تعكس جزءًا من ثقافتي المحلية وبيئتي، وكل عمل من أعمالي عاش معي نفسيًا اكثر من مرحلة، أكون دائما على صلة مع الامتنان لهذه الحرفة. * أشرتِ في أحد اللقاءات إلى ضرورة تأسيس معارض متخصصة بفنون الحرف، كيف ترين موقع فن التطريز اليوم في المشهد الفني السعودي؟ ** فن التطريز يحتاج لأكثر من زاوية للتطوير، وإخراجه من إطار اللباس والزينة، التطريز يمكنه أن يحاكي عوالم مختلفة من القصص، ما زلنا في مرحلة مبكرة من وصولنا إلى الاهتمام المناسب لهذا الفن. * في ظل التحوّل الرقمي وتسارع الصور، كيف تحافظين على جاذبية فن قائم على البطء والدقة والتأني؟ وهل تشعرين أحيانًا أن هذا النوع من الفنون يصطدم مع نمط الحياة المعاصر؟ ** نعم، التطريز اليدوي يستهلك الكثير من الوقت ولكنه أيضا يحتاج للسرعة، وحرفيات التطريز غالبا يعانون من أنه بالرغم من جماليته إلا أنه فن قوي يستهلك الوقت والطاقة، ولكن لا بد من الموازنة بين الانجاز والحياة الشخصية. * في الختام؛ لو أُتيح لكِ تحويل لحظة أو مشهد أو ذاكرة وطنية إلى قطعة مطرزة، ماذا تختارين؟ ** لدي مشهد أعمل عليه منذ عدة أشهر، بإذن الله سيكون جاهزًا خلال عام 2025/2026، وهو عبارة عن صورة قديمة لأم تضع الحناء لصغيرتها، مشهد جميل يحكي قصة كفاح واهتمام وحرص الأم السعودية على أطفالها مهما كانت الظروف.