سيرة تاريخيّة مختصرة للشعر في جازان.

لا ريب في أنّ البعد المكاني لمنطقة جازان عن عواصم القرار, في القرون الهجريّة الأولى, حرم شعراءها من التدوين الذي حظي به نظراؤهم, في الحجاز والشام والعراق ومصر وحتى في اليمن, لذلك كان أول ما حملته إلينا المصادر عن شعراء جازان يعود للقرن الخامس الهجري على الأرجح, وأول اسم تطالعنا به هو الشاعر علي بن محمد التهامي, المتوفى سنة 416هـ. وتعدّ رائيته التي رثى بها ابنه المتوفّى صغيرًا من عيون الشعر العربي. منها قوله: حكم المنية في البرية جـاري ما هذه الدنـــــــيا بدار قرارِ بينا يُرى الإنـــسان فيها مـخبرًا حتى يُرى خبرًا من الأخبارِ ومكلـف الأيـام ضـد طبـاعها متطلب في المـاء جذوة نار طبعت على كـــدرٍ وأنت تريدها صفوًا من الأقــذاء والأكدار فاقـــضوا مأربكم عجالاً إنّـما أعماركم ســـفر من الأسفار وتراكضـــوا خيلَ الشباب وبادروا أن تُسترد فإنـــــهنّ عواري إلى أن يقول في رثاء ولده: جاورتُ أعدائي وجاورَ ربـَّـه شتان بين جوارِه وجـــواري وقد يرد في المصادر أسماء شعراء آخرين في القرن الخمس الهجري, لكن أبو الحسن التهامي هو أشهرهم. في القرن السادس تطالعنا المصادر بالشاعر والفقيه والمؤرخ عمارة الحكمي المخلافي(515هـ ـ569هـ ). المولود في قرية الزرائب وقيل بمرطان قرب وادي بيش. وكلا الشاعرين التهامي وعماره قُتلا في مصر, الأول على يدي الفاطميين والثاني على يدي الأيوبيين. من شعره في الغزل قوله: من كان لا يعشق الأجياد والحدقا ثم ادعى لذة الدنيا فما صدقا في العشق معنى لطيف ليس يعرفه من البرية إلا كل من عشقا لا خفف الله عن قلبي صبابته في الغانيات ولا عن طرفي الأرقا في القرن السابع الهجري نجد القاسم بن علي بن هتيمل الضمدي, المولود في قرية نجران الواقعة قديما على وادي ضمد, وقد اندثرت هذه القرية، ثم قامت إثرها مدينة سميت مختارة، ثم اندثرت وقامت مكانها مدينة ضمد الحاليّة التي حملت اسم وادي ضمد. ويكاد يكون متنبّي زمانه لجودة شعره. اخترت له هذه الأبيات من قصيدته الشهيرة والمغنّاة: أنا مِن ناظِري عَلَيكَ أغارُ وارِ عَنّي ما حالَ عَنهُ الخِمارُ يا قَضيباً مِن فِضَّةٍ يُقطفُ النَّرجَسُ مِن وجنَتَيهِ والجلّنارُ قَمَرٌ طُوقَ الهِلالَ ومِن شَمسِ الدَّياجي في ساعِدَيه سِوارُ صُن مُحَيّاكَ بالنّقابِ وإلاَّ نَهَبَته القلوبُ والأبصار فَمِنَ الغَبنِ أن يُماط لِثامٌ عَن ثَناياكَ أو يُحَلُّ إزارُ عَجَباً مِنكَ تحتَ بُرقُعِك النّارُ وفيه الجَنّاتُ والأنهار ومن أبرز مجاييل ابن هتيمل الأمير الشاعر القاسم بن علي الذروي, المولود بمدينة صبيا وقد مدحه ابن هتيمل بقصائد كثيرة, ثم رثاه بعد قتله في معركة العطاوية. ويقال إن ابن هتيمل ما مدح أحدًا إلا رثاه, في إشارة إلى عمره الطويل. اشتهر الأمير القاسم الذروي شاعرًا من خلال قصيدته التي قالها في سجنه بتعز, وهي قصيدة مشهورة نختار منها قوله: مَن لِصَبٍّ هَاجَهُ نَشـرُ الصَّبَـا لـم يـزده البَيـنُ إلا نَصَـبَـا! وأسـيـرٍ كلَّـمـا لاح لـــه بارِقُ القبلةِ مِـن (صبيـا) صَبَـا ولِـطَــرفٍ أَرِقٌ إِنـسـانُـهُ دُونَ مَـن يَشتَاقُـهُ قـد حُجِبَـا والقصيدة طويلة بلغ عدد أبياتها ما يقارب الستين بيتًا. ولخروجه من السجن حكاية تستحق أن تروى لولا ضيق مساحة المقال هنا. وعن القرن الثامن والتاسع يتساءل الأستاذ حجاب الحازمي في كتابه الشعر والشعراء في جازان قائلا: أين ذهب شعراء هذين القرنين, وكيف اختفى شعرهم؟ ومع ذلك أورد في القرن الثامن شاعرين وفي القرن التاسع ثلاثة شعراء. في القرن العاشر يورد الأستاذ حجاب أسماء اثني عشر شاعرا لعل أشهرهم الجراح بن شجر الذروي, وبعض شعره مطبوع بتحقيق محمد بن احمد العقيلي رحمه الله, كما قام بتحقيق ديوانه محمد بن أحمد محنبي الطالب بجامعة أم القرى, ونال عليه درجة الماجستير.. ومن شعره قوله: ذكر اللوى والنازلين حماه ذاد الكرى عن ناظري وحماه يا ذاكر الرمل العقيقي الذي بالسفح من ( إضم) أعد ذكراه واشرح لنا خبر العذيب وحاجر وأهيله وعقيقه ولواه القرن الحادي عشر يورد الأستاذ حجاب الحازمي أسماء 18 شاعرا, والوقت لا يتسع لذكر أسمائهم.. ومن أشهر شعراء القرن الثاني عشر الهجري في المخلاف السليماني القاضي أحمد بن حسن عاكش الضمدي، في القرن الثالث عشر نصادف نجله الشاعر الحسن بن أحمد بن عاكش الضمدي, الذي كان موضوع رسالة الماجستير للدكتور حسن بن أحمد النعمي حيث يقول: “ لقد كان القرن الثالث عشر الهجري من أحفل القرون, وأزخرها نشاطًا فكريًّا في بلاد المخلاف السليماني”. ومن منتصف القرن الرابع عشر يبدأ العهد السعوديّ الزاهر.. والأستاذ حجاب الحازمي بعد كتابه (الشعر في جازان خلال ثمانية قرون من القرن الخامس الهجري إلى القرن الثاني عشر)، أردف بكتاب عنوانه (لمحات عن الشعر والشعراء في منطقة جازان خلال العهد السعودي)، وكذلك الدكتور حسن النعمي في كتابه: (الشعر في جازان من1351- 1418هـ.. دراسة موضوعية وفنية)؛ ما يعني أننا سنجد أمامنا كما ًهائلاً من الأسماء الشعرية، وتراثا ًشعريا ًضخمًا، يحمل قصة عشق جازان وأهلها للشعر، القصة التي لا تنتهي ولا نريد لها أن تنتهي. إذًا خلال العهد السعودي الحديث سنجد أنفسنا أمام أكثر من ستة أجيال شعرية متلاحقة.. وسأغامر بذكر عدد من أسماء كلّ جيل, وأنا على يقين أنني لن آتي على ذكر كل الأسماء, لذلك وجب التنويه لرفع العتب. الجيل الأول: محمد بن علي السنوسي، ومحمد بن أحمد العقيلي، وآخرون. الجيل الثاني: علي بن أحمد النعمي، وإبراهيم بن حسن الشعبي، وإبراهيم مفتاح، وحجاب بن يحيى الحازمي وآخرون. الجيل الثالث: علي صيقل، وحسين جبران كريري، وأحمد يحيى بهكلي، وإبراهيم عمر صعابي، وأحمد الحربي وآخرون. الجيل الرابع: عبدالله الفيفي، وحسين النجمي، وإبراهيم زولي، ومحمد مسير مباركي، وحسن بن حجاب الحازمي، ومحمد بن حمود حبيبي، وعلي محمد الحازمي، وحسين سهيل، وعلي محمد الأمير، وعبدالرحمن موكلي، وعلي رديش دغريري، ومهدي أحمد حكمي، وعيسى بن علي جرابا، وعلي بن يحيى بهكلي، وأحمد السيد عطيف، وجلوي حكمي، وعبدالمحسن يوسف، ومحمد حسن بوكر، والحسن مكرمي وآخرون. الجيل الخامس: محمد إبراهيم يعقوب، وحسن أحمد الصلهبي، وأيمن عبدالحق، وموسى عقيل، وموسى الأمير، وملهي عقدي، وجبران قحل، ونوّاف حكمي، ويحيى إبراهيم الشعبي, وآخرون.. الجيل السادس: حسين صميلي، ومحمد مسملي، وموسى شافعي، ومحمد علاالله حكمي، وشقراء مدخلي، وحسن صميلي، وعبدالله مفتاح، ورياض حسين سهيل، وإبراهيم النعمي وناصر عليان، والحسين الحازمي، ومجدي شافعي، وإياد حكمي، وطارق صميلي، وطالع عقدي، ومهدلي عارجي، وعبدالله عبيد، سهام عريشي، وداليا معافا.. وغيرهم وغيرهم.