معنى أن نهدي كتابًا.
حين نهدي الكتب لأحبابنا وأصدقائنا وعشاق القراءة، هل نريد أن نقول إننا أصدرنا كتابًا ومن حقنا أن يعلم على الأقل المهتمون والمحيطون بنا، أم أننا نريد أن نشاركهم همومنا المعرفية كما يشاركوننا فرحة الصدور؟ إهداء الكتب أمر حميد وثقافة شائعة في وطننا العربي، على الأقل أنه يرسخ حب القراءة ويُؤْذِن بوجود مكتبة أو رف لمن تهديه يضع فيه الكتاب، يتركه لمن يصل إليه ويتصفح ولو بعض عناوينه وموضوعاته. ولا شك أن لكل مؤلف تجربته وفلسفته ونظرته في فكرة إهداء مؤلفاته. قال لي صديق إنه أهدى كتابه لصديق من باب أنه صديقه فقط، ووجد كتابه حين كانوا في رفقة وقد صهرت الشمس أوراقه وغيرت معالمه، أكثر من ذلك شخص قرأ في صفحة الغلاف قائمة ببعض طلبات المنزل! طبعًا لا زال صديقي يهدي الكتب ويرى أن ذلك الفعل السلبي فردي لا ينسحب على دائرة كبيرة من الناس لا زالت تجل وتوقر الكتاب. وحدثني شخص آخر أنه وجد بعض الكتب المهداة في الدور التي تهتم بالكتاب المستعمل عليها خط أصحابها وتوقيعهم، مواقف كثيرة مؤلمة يمكن أن تروى في هذا السياق. لكنها تظل كما قلنا فردية. والكتاب بعد أن يخرج للناس لم يعد ملكًا لصاحبه إن حدث له رواج أو خلاف ذلك، لكن الكتب الجيدة كما يعرف القراء لا تموت وتتقلب بها الأحوال، فربما غفل عنها زمان وأزاح عنها اللثام زمان مختلف وظروف أخرى. لذلك لا زلنا نعود القهقرى لكتب أُنتجت قبل ما يزيد عن ألف عام. وفي رأيي أن الكتاب الذي تنال موضوعاته إعجاب بضعٍ من الناس من أهل الذائقة والمعرفة، ويلفت نظرهم، هو قادر على أن يلفت نظر العشرات. تلك قاعدة ومؤشر يمكن أن يضعه المؤلف أمامه كي لا يصاب بالإحباط، لأن رواج الكتب مسألة لها علاقة بدار النشر وطريقة التسويق واسم المؤلف والتوقيت وأشياء كثيرة. أعود إلى مسألة إهداء الكتب وأرى أنها حالة صحية، وإن كان الأهم منها أن تصل على الأقل لمن يعرفون قيمة أن تقدم لهم ثمرة عقلك ووجدانك، أو لمن يلح على طلب نسخة منك يريد أن يتعرف على تجربتك. لا خوف على الكتاب الجيد، وأتذكر كتابًا مهملاً على سطح دار أحد الأقارب كان لطرافته مفتاحي لعالم القراءة.