في سنة 1420هـ/2000م اشتريت كتاباً للمؤرخ شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) اسمه “وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام”، حققه د. بشار عواد معروف وآخرون وأخرجوه في أربع مجلدات؛ ونشرته دار الرسالة في دمشق سنة 1416هـ/1995م؛ وكنت قد رأيت بعد ذلك تحقيقاً آخر للكتاب تحت اسم آخر هو “الذيل التام على دول الإسلام”؛ وهو بتحقيق حسن إسماعيل مروة ومحمود الأرناؤوط؛ ومن منشورات دار العروبة في الكويت، ودار العماد في بيروت، بدأ نشره من سنة 1413هـ/1993م إلى سنة 1418هـ/1998م حيث اكتمل نشر أجزاءه الثلاثة؛ إلا أنني أعرضت عن شراءه اكتفاءً بنشرة د. بشار عواد معروف وذلك لشهرته الذائعة في تحقيق كتب التراث؛ وقد ندمت بعد ذلك على عدم اقتنائي لنشرة مروة والأرناؤوط؛ لأنه ثبت لي بالدليل أن نشرتهما أتم وأكمل من نشرة بشار ومن معه؛ وذلك بسبب اعتماد د. بشار عواد في تحقيق الكتاب على نسختين خطيتين ناقصتين(1)؛ حيث يتوقف الكتاب فيهما عند أحداث سنة 898هـ/1493م؛ والواقع أن الكتاب يستمر في سرد الأحداث حتى سنة 901هـ/1496م؛ بموجب نسخة تونس التامة منه (نسخة المكتبة الصادقية (2))؛ التي اعتمدها مروة والأرناؤوط. وقد لفت نظري نص تاريخي مهم عن إمارة بني جبر (3) (العُقيليين) في شرق جزيرة العرب؛ حدث في سنة 900هـ/1495م ذكره السخاوي في كتابه “الذيل التام” (4)؛ إلا أن المحققان وقعا في أخطاء في قراءة النص من المخطوط؛ فرغبت في تصحيح تلك الأخطاء خدمةً للتاريخ؛ وهذا النص الفريد عن إمارة بني جبر لم يشر إليه أحد-فيما أعلم- ممن اهتم بتاريخ بني جبر وشرق جزيرة العرب؛ فاستفاد منه في بحث أو كتاب. وإليك أيها القارئ الكريم هذا النص التاريخي المهم؛ بعد أن قمت بقراءته من المخطوط؛ وأصلحت ما أخطأ المحققان فيه؛ واستدركت عليهما ما تركاه من النص. قال شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) في كتابه “الذيل التام على دول الإسلام للذهبي” ما نصه: “ونحو هذه الحكاية ما بلغنا عن مملكة بني جبر، من قتل سيف بن أجود لأخيه زامل وذلك في شوال (5)، لأنه بلغه تحركه عليه في مملكتهـــم التي تخلَّى عـــن البحرين (6) منها أبوهما لسيف، وكان زامل يحارب أخاه مدةً بل حارب أباهما (7) لكونه خص سيفاً بذلك؛ وحبسه (8) لأبيهما وأخذ ما كان بذخائره من الدروع والسيوف، فبادر قبائل العرب وجاؤوا إلى سيف وقالوا إن رفيقنا يعنون أجود لا يحبس وأخرجوه من الحبس، وكتب أجود حينئذ إلى البحرين وغيرهم من القبائل كتباً وأوصاهم على بني زامل المقتول وعياله، فلما علم سيف بهذا أمسك والده وأعاده إلى الحبس، فأرسل أجود لابن عمه صالح بن علي (9) ومحمد ولده (10)، فحضرا وكسرا باب السجن وأخرجا أجود فانهزم (11) سيف وولده قطن (12) والتمَّا مع العرب وأرسل سيف [إلى] (13) والده مع ابن هلال (14) ليرحل معه فامتنع لكبره وعجزه، وأنه عزم على الإقامة في المسجد ليقرأ ويصلي، فحينئذ أقبل سيف وابنه ملبسين متسلحين على خيولهما، فأشار عليهما ابن هلال المذكور بالرجوع، وركب صالح ومحمد خيولهما ولحقا سيفاً وولده فقتلا سيفاً وذلك في ذي الحجة (15) قصاصاً (16) وانهزم الابن (17)، ورجع صالح ومحمد إلى أجود بذلك فقال (18): لصالح البحرين (19)، فقال (20): إني غير أهل لهذا وبنو زامل أحق به مني، وبالجملة فأجود هو المرجع في تلك النواحي كلها (21)”. * باحث في التاريخ والتراجم والأنساب هوامش:....................................... 1 -اعتماد نسخ خطية ناقصة من كتب التراث وتحقيقها ونشرها؛ هي معضلة كبيرة يعاني منها طلاب العلم؛ والسبب هو عدم تقصي بعض المحققين في البحث عن النسخ التامة للكتاب المراد تحقيقه ونشره. 2 - تفضل الصديق والباحث الكبير من دولة الإمارات العربية المتحدة أ. عبدالله بن محمد المهيري الياسي؛ بجلب نسخة من (مخطوطة المكتبة الصادقية) لكتاب السخاوي من مركز جمعة الماجد في دبي؛ فله خالص الشكر والتقدير. 3 - وهم غير الجبور من قبيلة بني خالد؛ ويقع الخلط بينهما كثيراً بسبب تشابه الاسم. 4 - ورد في نشرة حسن مروة ومحمود الأرناؤوط فقط. 5 - شهر شوال من سنة 900هـ؛ الموافق شهر يوليو من سنة 1495م. 6 - وهي جزيرة أوال؛ وهنا ملمح مهم وهو بداية اختصاص جزيرة أوال بمسمى (البحرين) الذي كان يطلق في السابق على كامل إقليم شرق جزيرة العرب. 7 - أباهما أي: أجود بن زامل بن حسين بن ناصر بن جبر آل ماضي القيسي العامري العُقيلي من بني عامر بن صعصعة من هوازن من مضر من عدنان توفي في أول سنة 912هـ/1506م. 8 - أي أن زامل بن أجود قبل أن يقتله أخاه سيف كان قد قام بحبس والده أجود بن زامل. 9 - واسمه كاملاً: صالح بن علي بن حسين بن ناصر بن جبر. 10 - محمد هو محمد بن أجود بن زامل؛ تولى إمارة بني جبر بعد وفاة أبيه. 11 - انهزم: أي هرب. 12 - في أصل المخطوط رسمت الكلمة هكذا (قطر) والصحيح ما أثبته؛ فاسم (قطن) متكرر في بني جبر كما ذكرت المصادر. 13 - زيادة مني يقتضيها سياق الكلام. 14 - الراجح أنه زامل بن هلال؛ فقد سمَّت المصادر ولدين لهلال بن زامل أخو أجود بن زامل هما: زامل وقطن. 15 - شهر ذي الحجة من سنة 900هـ؛ الموافق شهر سبتمبر من سنة 1495م. 16 - قوله قصاصاً لأن سيف بن أجود قتل أخيه زامل بن أجود. 17 - الابن هو قطن ولد سيف بن أجود. 18 - القائل هنا: هو السلطان أجود بن زامل. 19 - في المخطوط رسمت الكلمة هكذا (البحران) وهو تصحيف؛ والصحيح ما أثبته. 20 - القائل هنا: هو صالح بن علي؛ ابن عم أجود بن زامل. 21 - هذه الجملة سقطت بالكامل من تحقيق مروة والأرناؤوط لكتاب السخاوي.