الوجود الإنساني!
تبدو سورة الإنسان مرجعا لرحلة الوجود الإنساني بدءا من العدم، حين {لم يكن شيئا مذكورا}، إلى الخلق والابتلاء، فلحظة الاختيار، إلى أن يبلغ نهاية هذه الرحلة في مصيره المحتوم ومستقرّه الأخير، بناء على ما اختاره في بداية السورة {إمّا شاكرا وإمّا كفورا}، وهو ما ختمت به، في قوله تعالى:{يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدّ لهم عذابا أليما}. وفي هذا الصدد يفرّق محمود توفيق، رحمه الله ورفع درجته في عليين، بين الوجود الإنساني والوجود الآدمي في سياق دراسته لعلم البلاغة العربي، إذ يرى أن الوجود الإنساني مرتكزه على كلمة (الإنسان) وترتبط بالأنس سببا والنسيان نتيجة، ولذلك كانت كلمة الإنسان في البيان القرآني لا تكاد تأتي في غير مساق المذمّة. في حين أن الوجود الآدمي مرتبط بمدارج القرب الأقدس من جلال الألوهية ومن جمال الربوبية، ولذا هو الحالّ المرتحل بين مقام الخشية والرجاء، والسنة البيانية للقرآن أنّه يذكر في سياق التكريم والبعث على العزّة مصطلح “بني آدم” تذكيرا بالأصل الذي نسلوا منه، وهو أصلٌ خلقه الله تعالى بيده وعلّمه الأسماء كلها وأسجد له الملائكة وأسكنه الجنة. وبرغم أن وجود الإنسان يتضمن وجود الله، إلا أنه بالإحالة على الجذر اللغوي المرتبط بالأنس والنسيان لا يستبعد أن ينسى المخلوق خالقه في غمرة أنسه بالنعم ونسيان المنعم بها، في حين أن الوجود الآدمي، وفقا لهذا التصور الاصطلاحي، لا ينفكّ عن الارتباط ببدء الخلق من خلال التذكير بخلق آدم عليه السلام وتشريفه وتكريمه بهذا المقام من بين المخلوقات.