زواج في عتمة !

العتمة من الظلام، والأرض الكثيفة الشجر معتمة، والبيت الذي بلا نور معتم، والإنسان المكتئب، روحه معتمة؟ عَتَمةُ الليل: ظلام أوله بعد زوال الشفق، وفي أغنية فيروز نجد العتمة مرتبطة بالخوف والقلق: ((أنا خوفي من عتم الليل والليل حرامي يا حبيبي تعا قبل الليل ويا عيني لا تنامي)) لقد كانت فيروز تغني في المجتمع اللبناني المفتوح، حيث يؤمن بلقاء الرجل والمرأة في النهارات المفتوحة، لذا عتمة الليل عند فيروز تدل على القلق والخوف، لكن في مجتمعات أخرى، تعتبر عتمة الليل موعدا للسرور والفرح؟ في الزواجات القديمة في جازان ــ كانت ــ العتمة مرتبطة بفرح العروس؟ إذ تقام ملكة العروس في العتمة، والزفاف يجري في العتمة، وكذلك ليلة حَمْلَ العروس إلى بيتها، ومن هذه العتمة جاء مسمى ((العُتّامة)) بضم العين وفتح وتشديد التاء وهي: الحلوى التي تقدم للحاضرين لملكة العروس، وتتكون من حلوى قطع ــ أكبر من حلوى الحلقوم المعروفة في الحجاز ــ يقال لها مضروب و حلوى أخرى تسمى مشبك وكلاهما يصنعان من الدقيق في معامل ــ تسمى مسابك ــ في صبيا! بعدما تنتهي الملكة ويبارك للعريس من قبل الرجال، والعروسة من قبل النساء، تقسم أكياس حلوى المضروب، والمشبك على الحاضرين والحاضرات، وهم ــ في الغالب ـــ من أقارب العريس والعروسة! يعتبر تقسيم حلوى ((العُتَّامة))، بداية الإشهار للعرس، وسريان نور الفرح، فحلوى ((العتامة)) تحوي نورا خفيا، سيسري في بيوت الحاضرين، والحاضرات للعرس، وهم الشهود الأولون على اللحظات الأولى للخصب، هذه اللحظة يمكن تسميتها بعتمة أول الليل، والتي تمثل دخولا إلى عتمة منتصف الليل ((فالعتمة الحقيقة هي عتمة منتصف الليل، كانت تمثل بلا شك تحررا من قيود النهار، لكنها لم تكن من دون نظام خاص بها، فلابد من ضوء نهار كاذب ــ أو حتى عتمة مزيفة ــ تحدد تخوم العتمة المقدسة حتى نستطيع أن نشهد مغامرة الدخول إلى العتمة الحقيقية 1)) إن ((العتمة الحقيقة))، مرتبطة بقصة الخلق الأولى للكون، ومنها خلق آدم وحواء، كما إن العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة، لابد تكون في عتمة؟ العتمة ساترة، إذا النور كاشف، لذلك تكره الممارسات الجنسية تحت النور، وتصل للتحريم عند بعض الشعوب! إذا عدت لطقس ((العُتَّامة)) وتوزيع الحلوى، وربطها بعالم الخصب والحب والآلهة القديمة، فربما يعود طقس ((العتامة)) إلى الاحتفال بموسم الحب والخصب والحصاد ونضوج الحبوب، فالأكل الحلو مرتبطا بالأعياد ومنها عيد الحصاد الكنعاني ــ كما تقدم ذكره ــ وكذلك الأفراح! من هذه الأفراح ، الأعراس في جازان، والتي كانت تقام ــ قديما ــ في نهاية موسم الخريف، بعد حصاد السنابل، ورفع غلة الموسم إلى البيوت، حيث يتفرغ الناس لأعراسهم، وكأن عرس الأرض وولادتها للخيرات، لابد يتواكب مه عرس المرأة، واهبة الحياة!