الرياض مركز إقليمي عالمي.

بلغ عدد الشركات الأجنبية التي افتتحت مكاتب لها في المملكة 675  شركة، كما صرح بذلك مؤخرًا معالي وزير الاستثمار، وهو ما يتجاوز المستهدف. وهذه الزيادة المضطردة في أعداد الشركات المنتقلة تعكس الثقة في البيئة الاستثمارية التي تحققت بفضل رؤية المملكة 2030. فالمستثمر الأجنبي حضر بخططه وتطلعاته، ويهمه الاستثمار في اقتصاد قوي، ومستقر سياسيًا، ومتعدد الفرص، وهذه العوامل جميعها تتوفر في مناخ المملكة الاستثماري بفضل الله تعالى. لكن ماذا يعني أن تنتقل هذه الشركات أو تفتتح مكاتبها الإقليمية في المملكة؟ إنه يعني أن المملكة لم تعد تراقب من بعيد تدفق رؤوس الأموال واتجاهات الشركات التجارية من حولها، بل أصبحت نبض القرار ووجهته وقبلته، تستقبل العالم لا كمستضيف، بل كشريك فاعل في صياغة مستقبله. ومركزا اقليميا لكبرى الشركات العالمية  والرياض تحديدًا، التي تحظى بالنصيب الأكبر من توافد هذه الشركات الأجنبية بخططها واستثماراتها وعجلتها الاقتصادية التي لا تهدأ، ترسم مشهدًا جديدًا لاقتصاد المنطقة، تُكتب فيه فصول الرؤية السعودية على أرض آمنت بقدرتها، وآمنت أن المستقبل يُصنع ويُعاد تشكيله بعقول أبنائها أولًا ثم بالشراكات المدروسة والفرص الواعدة . شركات نقلت فروعها، وأخرى استحدثت مكاتبها، وثالثة تنتظر دورها بحثًا عن فرصة للمشاركة في تنمية واعدة. المملكة اليوم تمضي بثقة من موقع المتلقي إلى موقع القائد، ومن حدود الحلم إلى رحابة الواقع، في تحول واضح بخريطة النفوذ والجذب الاقتصادي الإقليمي. فالشركات الكبرى لا تنتقل عبثًا، ولا تغيّر مواقعها إلا حين تجد أرضًا خصبة تتسع لطموحاتها، ومناخًا استثماريًا واعدًا بالاستقرار وفرصًا مستقبلية للنمو وتعظيم الأرباح. اليوم، ومع هذا العدد الكبير من الشركات الأجنبية التي افتتحت مكاتبها في المملكة،وأخرى تنتظر دورها بالموافقة يتضح أن المستثمر العالمي لم يأت بحثًا عن تجربة جديدة، بل إيمانًا بمستقبل واعد يراه يتشكل في رؤية 2030، وثقة في اقتصاد أثبت صلابته وقدرته على تجاوز التحديات الإقليمية والدولية، في ظل أنظمة تقنية ومالية وبنكية متطورة وجاذبة للاستثمار. وحين تختار هذه الشركات  المملكة والرياض تحديدا مقرًا إقليميًا لإدارتها، فهذا يعني ببساطة أن مركز القرار الاقتصادي بات يتشكل هنا، في قلب المملكة، أقوى اقتصاديات المنطقة، وإحدى دول مجموعة العشرين الأكبر اقتصادا . فالقرار يُتخذ من الداخل، والاستثمار يُدار من الداخل، والمواهب الوطنية باتت شريكًا أصيلًا في صياغة مستقبل هذه الشركات، ومن ثم في تشكيل اقتصاد الوطن. هذا التحول لا ينعكس فقط على مؤشرات الاقتصاد، بل يمتد أثره الأعمق إلى بناء الإنسان السعودي، إذ يفتح أمامه أبواب الخبرة والمعرفة وفرص العمل النوعية، والاحتكاك بالخبرات الدولية، ويمنحه فرصة التفاعل مع ثقافة مؤسساتية عالمية تحمل معها أساليب إدارة حديثة ورؤى متقدمة، تسهم في تطوير التكنولوجيا والابتكار والبحث والتطوير في مختلف القطاعات، ما يعكس تحول المملكة إلى مركز إقليمي محوري للاستثمار والأعمال. إنه مشهد يختصر نجاح رؤية 2030 في تحويل المملكة من مجرد سوق استهلاكي إلى مركز إقليمي لصناعة القرار والاستثمار، ومن متابع للتحولات إلى دولة تُصنع فيها التحولات. الرياض اليوم باتت عاصمة القرار الاقتصادي الجديد في الشرق الأوسط، والعالم لم يعد يتجه نحوها لمجرد التبادل التجاري، بل ليتخذ منها منطلقًا لإدارة أعماله التجارية واللوجستية نحو المستقبل.