مراهقة كروية!

السؤال الذي ظل يراودني بين فترة وأخرى حول السبب الذي يجعل شخصاً رزيناً ومتعلماً، ويحلل الأمور بشكل مدهش، يتحول إلى شخص مندفع لا يسيطر على انفعالاته، وكأنه تحول إلى شخص آخر تماماً، عندما يتحول الحديث إلى الرياضة، وقتها يسقط المنطق وتتلاشى المعايير، وتحضر نظرية المؤامرة، والأساطير، والشتائم أيضا! أتفهم أن جزءاً كبيراً من هذه الحالة يمكن فهمه من خلال ما يُسمى بالتنفيس الانفعالي (Catharsis)، فيتحرر الشخص من ضبط مشاعره، ولأن التشجيع الكروي مساحة آمنة للتعبير عن الغضب، والأهم أن ذلك أصبح مقبولاً اجتماعياً، فيبدو وكأنه تحول لشخص آخر أثناء التشجيع، وكم أشعر بالأسف عندما أرى طفلاً في غاية الحزن، وهو يبكي بمرارة بعد هزيمة فريقة المفضل، وهذه الحالة أصبحت ظاهرة خاصة بعدما أصبحت (السوشال ميديا)، تشكل ذائقة الأطفال وتوجههم، ولا أُبالغ إذا قلت وحتى تربيتهم، فحالة الحزن التي تخلقها هزيمة فريقك المفضل ليس بسبب الهزيمة داخل الملعب، بل بسبب (التنمر) الذي سيواجهه الطفل أو المراهق (بالسوشال ميديا)، ففي الوقت الذي يُعانق فيه أفراد الفريقان بعضهم بعد انتهاء المباراة، ويكون من المفترض وقتها أن يكون انتهى كل شيء، تبدأ حفلات الحزن، فلم تعد كرة القدم للمتعة، بل لا تتفاجأ عندما تكتشف أن بعض هؤلاء المشجعين لم يتابعوا المباراة أصلاً، ولا يستمتعون بكرة القدم كلعبة، لكن تستهويهم حفلات الردح، تلك الحفلات التي تجعل شاباً (مشورباً) لا يرى بأساً في البكاء والولولة، دون أن يحتج عليه أحد، فمن يبكي على خسارة في لعبة كيف سيصمد أمام الخسائر التي لا شك ستواجهه في هذه الحياة! في الجانب الآخر نرى الإعلام الرياضي أصبح جزءاً من انفعال المدرج، بل إن (صراخ الاستديو) أصبح أكثر إزعاجاً وفوضوية من المدرج، وأصبح يجاهر باستقطاب مشجعين بمسمّى (إعلامي) ليدافع كل منهم عن فريقه (بالطيب والا بالعلوم الردية) ويحطّ من قدر الفريق المنافس، أما إذا وصل الكلام عن (المساحات الصوتية بتطبيق X) فهذه لا تحتاج لكلام بقدر ما تحتاج لــ(مخطر..بمنتصف الهامة)! ما نحتاجه هو نشر ثقافة المنافسة، واعتبار الرياضة نُبلاَ وفروسية، وقبل ذلك باعتبارها فناً بحد ذاته، بحاجة أن نبني جيلاً واعياً بقدر وطننا العظيم، أن نقول بصوتٍ عال إن الدمع أجلّ وأسمى من أن يسفك على خسارة (لعبة)، الأوطان لا تُبنى بعزائم رخوة مترددة!، وكأن لغتي الآن بدأت تميل للخطب والمواعظ، رغم أنني لا أصلح أن أكون واعظاً، وأن نقول لأولئك (الإعلاميين) يجب أن تعوا أن حضوركم يصنع جيلاً، فاستشعروا المسؤولية وفكروا أي جيل من الممكن أن تصنعه رغبتكم في (الترند)، أو (اختشوا) ولو قليلاً، لعلّ تصدق عليكم مقولة: (اللي اختشوا ماتوا..).. اختشوا لعل تتحقق النتيجة!