في كل حكاية شخصية هناك بداية ونهاية وحبكة وهذا ليس بالأمر الغريب، فهذه هي عناصر القصة ولكن ما يثير الدهشة في مجموعة الكاتب القصصي السعودي نايف مهدي والمعنونة بـ” بصمات مرتجفة”، هو تمكن الكاتب من جذب القارئ لدرجة تشعر فيها انك تتجول داخل مشاهد منفردا تتعايش مع الوجوه والأحداث. المثير للدهشة أكثر هو كيف استطاع الكاتب أن يجعلك تتعلق بالموضوع والشخصيات بل بأدق التفاصيل والاحداث عبر كلمات لا تتجاوز في معظمها السطر الواحد أدوات وعناصر دائما ما كانت العناوين دلالة لكنها هنا كانت ومضة تجعلك تفكر وفي حيرة من أمرك. لم تكن مفتاحا بل كانت لغزا يجبرك على المتابعة والتعلق والتفكير امتلاك كل هذه الأدوات وتوظيفها بهذه القدرة العالية مع مراعاة الكاتب لإدماج القارئ في كل تفاصيل عمله منذ نسجه الخيوط الأولي وحتي حياكتها وصولا الى الغلاف الذي كان يعبر علي أن هناك الكثير والكثير في طيات تلك الأوراق الخريفية. الجميل في كل قصة أنها كانت تحتوي على وصف دقيق للشخصيات في كلمة أو اثنتين مما يفتح باب وجاهزية لعقل القارئ ليتساءل منذ للوهلة الأولى ماذا بعد وما سيحدث من هذه الشخصيات وما أن تبدأ الأحداث في التسلسل حينها يصطدم القراء بدهشة النهاية لقد كان اثر الدهشة مطبوعا كعلامة مميزة انفرد بها الكاتب في أغلب قصصه. اما عن اللغة فقد كانت سلسلة متوازنة دقيقة ورصينة. بعض الكلمات تدل علي براعة صاحبها فلن يكون من السهل علي القارء غير المتمكن باللغة من فهم بعضها المواضيع والقصص اما عن المواضيع فقد تنوعت لتشكل سيمفونية تعزف برشاقة و بهاء في عرض مبسط و متجانس. كان اختيار المواضيع دقيق جدا جدا كما كانت القصص قصيرة جدا. افسح الكاتب المجال للمرأة في الكثير من بصماته. فقد تناولت مواضيعه الإبنة، الحبيبة، الزوجة، والأم وربطها بعلاقتها بالرجل و المجتمع بطريقة ذكية ، كثيرمن الاحيان كانت هي المتحدثة في ومضاته واحيانا أخرى كان الزوج هو من يصف استيائه من زوجته، والأب يروي تقديره لابنته وغيرها الكثير ،اما عن الرجل فقد أجاد الكاتب حيث أعطى مساحة للكثير من الشخصيات والحالات الموجودة بالمجتمع الذكوري مثل ما يطلق عليه. فقد طرح تسلطه في قصة “إرث” وكيف تأثر الابن بطريقة الاب ليرث عنه صفاته وطباعه وأسلوبه مما يؤثر علي المجتمع والأسرة. لم ينسى الكاتب الوطن فقد اختزله بطريقة ذكية وبوصف مجازي معبرا عنه بأحضان الام في أربع كلمات وصف وطن. كان للكاتب طريقته في التهكم علي الواقع في العديد من المواقف حملت تهكم من سعي الإنسان للتطبيل والتزييف والتملق والعجرفة وكان هذا الجزء تحديدا يمثل براعة عالية حيث كانت المواضيع حساسة و بذات الوقت تطرح تناقضات عديدة. لم ينسى الكاتب العشق والحب فقد أظهره في لوحات عديدة وأنماط مختلفة بصمات تترك العقل في دهشة بصمات لم تكن مرتجفة بل جعلت العقل في حيرة. حالات واسطر عبر عنها الكاتب ليأخذ القارئ في عالمه حيث تشعر كأنك داخل سفينة تبحر بك من مرسى الى مرسى تتجول وتعيش داخل حكايته و تتعايش مع تناقضات البشر و دهشة المواقف. قضايا مجتمعية تعالج بعمق لذلك أشرت أن مع كل حكاية يفتح باب وكل باب يفتح نافذة تطلعك علي زاوية مختلفة؟ أستطيع أن أقول بأن القارئ سيخرج مندهشا، محتارا وملئا بالمشاعر المتناقضة ولا شك بأن بصمات قصص الانامل المرتجفة ستظل مرسومة بذاكرته ووجدانه أما فكره لن ينقطع عن التفكير في ماذا لو؟ بواقع الدهشة من نهايات البصمات المرتجفة. *كاتبة ليبية