في مجموعة مرفت غزاوي القصصية (لو أن لنا كرة) ..
نساء بلا ملامح .. ونهايات تتراوح بين المفاجئة والعادية .
بعد عدد من الدواوين الشعرية المتتالية أطلت علينا الشاعرة مرفت فاروق غزاوي بمجموعتها القصصية الأولى (لو أن لنا كرة). المجموعة صدرت حديثا عن دار قلم الخيّال في أربع صفحات ومائة صفحة من القطع المتوسط. تضم ثماني عشرة قصة قصيرة كلها مستمدة من الواقع، يدور معظمها حول القضايا الاجتماعية لا سيما العلاقات الزوجية، أو علاقات الأقارب والأصدقاء. لا أريد أن أدخل في محاولة بعض النقاد مناقشة هل من حق الشاعر أن يجنح إلى السرد، ولا إلى تساؤلاتهم إن كان هناك من عودة للشعر مرة أخرى، أم أنه طلاق للشعر بائن. فمن حق كل مبدع تجريب قلمه ما دام قادرا ومستوفيا أركان كل فن يتناوله. أسلوب المؤلفة رشيق واضح العبارة دون تكلف، يناسب واقعية قصصها. سيطر على المجموعة ضمير الغائب، ما عدا القصة الأولى (إسقاط) فقد جاءت بضمير المتكلم. تتراوح القصص في هذه المجموعة بين القصص المحكمة النسج والحبكة التي يتوافر فيها عنصر المفاجأة، والقصص التي خلت من ذلك فاقتربت من العادية. وانتهى بعض القصص نهاية مفتوحة تتيح للقارئ التأمل والتوقع كما يريد خياله، في حين تختتم المؤلفة بعض قصصها بنهاية مغلقة لا تحتاج إليها لأنها مما لا يتوقع القارئ غيرها. في قصة بعنوان (مشاعر عقل) تخرج المؤلفة على الإجماع بأن القلب هو مصدر الحب، وتجعل العقل هو المسيطر على القلب وعلى الحب. زوجان قضيا مدة طويلة في العش الزوجي، زوجته مطيعة لطيفة مهتمة به وبأطفاله، لكنه يشعر بأنه ينقصه شيء مهم وهو الحب. هو لا ينكر إخلاصها لبيتها، لزوجها وأطفالها ولا يبخس جمالها وأدبها، لكن لا يشعر في قلبه بحبها لأنها لا تبوح له بشيء من ذلك، ولا تظهر دلالها وغنجها كما يسمع عن الأخريات مع أزواجهن. ولذلك وبأسلوب حضاري قرر الانفصال عنها، وهي ما زالت تحاوره وتجادله، وتطلب منه مبررا واحدا. لجأ إلى أمه التي أقنعته بالعودة إلى العقل، فليس القلب بالقائد دائما. وفي قصة أخرى بعنوان (ذات إخفاق) شاب مهتم بدراسته وبإكمال دراسته في الخارج، وفي الوقت نفسه يبحث عن شريكة حياة. خاض عددا من المحاولات لكنها انتهت جميعا إلى أن تتزوج الفتاة التي وعدته غيرَه من أهل الثراء، فيرسخ في ذهنه فكرة أن المرأة لا تحب إلا المال. قرر الاهتمام بأموره الاقتصادية واجتهد ليكون ثريا، وصار له ما أراد، فتزوج مرة وثانية وثالثة، وهو ما زال يعتقد بعدم وجود حب. وظل يسخر من الحب حتى إذا ما صادف أن رأى زوجين في زورق صغير يتهادى في بحيرة (كومو) أخذ يسخر منهما ومن ادعائهما الحب المكذوب. فقرر العوة لزوجته الأولى التي تنتظره. هنا لا بد أن يخطر في بال القارئ أيهما أسهل: الحصول على الثراء؟ أم على الحب؟ أم على الزوجة؟ القصة التالية بعنوان (حديث الصمت) تحكي تعرَّف اثنين، التقيا في ظروف الحياة العملية. تطورت علاقتهما إلى ارتياح وعشق، لكنه ظل في حدوده. كل منهما يعرف ظروف الآخر واستحالة الوصول بحبهما لغايته، فقررا أن يعيشا بالعشق الروحي. نأتي الآن إلى قصة (الأصوات لا ترسم) وهي - في رأيي - قصة رائعة، تقمصت المؤلفة فيها شخصية الفنان التشكيلي. قصة هذا الفنان عجيبة فرسوماته للمرأة كلها بلا ملامح. هكذا لاحظ كل من حضر معرضا له أو شاهد لوحاته. استبد الفضول بكل هؤلاء حتى اضطر أن يبوح بسره لأحد الصحفيين إرضاء لفضوله الصحفي، فقال إنه قضى حياة كئيبة، حتى إنه شرع يوما بمحاولة انتحار، أنقذه منها صوت نسائي: “نفسك هبة الله فمن ذا الذي يرد عطايا الرحمن؟ إخفاق اليوم هو نفسه دافع نجاح الغد...”. بعد أن هدأت نفسه أخذ يبحث عن تلك المرأة، لكنه لم يعثر عليها. ومن يومها صار يرسم النساء بلا ملامح. أما القصة المعنونة بـ (رحمة) فهي قصة مكررة الفكرة، لممرضة فقيرة يتقدم لها المريض الثري، وترفضه لقناعتها بأن الحاجة إليها، لا الحب هو من دفعه لطلب يدها. لكن غير المنطقي في القصة أن تأتي بأختها التي تصغرها معها لقصر الثري المريض، ولذلك من غير المستغرب أن تنتهي القصة بزواجه من أختها الصغرى. ومن القصص التقليدية قصة (حدث في باريس)، وهي قصة أمٍّ ألحت عليها ابنتها بقضاء الإجازة في باريس. هي لا تحب هذه المدينة بسبب ذكرى سيئة، إذ كانت قد تعرفت على شاب يدرس هناك وعدها بالزواج فور إنهاء دراسته والتحاقه بالعمل، على الرغم من أن ظروفه المادية جيدة. تخرج واختفى حتى كانت ذات يوم فريسة ظنونها ووحدتها زارتها صديقتها، وطلبت منها مصاحبتها لحفل زفاف لتصطدم بأن العريس هو حبيبها السابق. أرجو للكاتبة الشاعرة التوفيق والسداد على دروب الإبداع.