السودان.. قتل الهوية.

منذ أن قتل قابيلُ أخاه هابيل والإنسان عبر التاريخ لا يتوانى عن قتل أخيه، إن كان في الدين أو الوطن أو حتى في النسب والدم. هذا بالضبط ما يجري في السودان منذ ما يزيد عن السنتين، قتال له تراكماته السابقة نتيجة سياسات أنتجت في ذلك الوقت تقسيم السودان إلى شمال وجنوب، وربما تمتد الآثار إلى تقسيم ما هو مقسّم اليوم. منذ اليوم الأول لاندلاع الأزمة السودانية أخذت المملكة العربية السعودية على عاتقها لم شمل إخوة الوطن الواحد، فدعت إلى مبادرة حوار في جدة نتج عنها اتفاق الأطراف السودانية على تأمين المواطنين العزل، كما كان للمملكة الدور الأكبر منذ بداية الأزمة في إجلاء رعايا عدد من الدول. إلا أن قوات الدعم السريع لم تلتزم بما اتفقت عليه في جدة، وهو ما جعل المملكة تدين تلك الاعتداءات السافرة على المدنيين الأبرياء في الفاشر. وكل هذا يأتي في سياق سعي المملكة الدؤوب لإحلال السلام حول العالم؛ إيماناً منها بأنه الوسيلة الوحيدة لتحقيق ازدهار هذا العالم، من الأزمة الروسية الأوكرانية ودعوتها للطرفين إلى تغليب الدبلوماسية والمصالح المشتركة، إلى ما حصل مؤخراً من توتر بين باكستان وأفغانستان وما بذلته جهود الوساطة السعودية في سبيل إنهاء الأزمة بين الجارين، مروراً بالحرب على غزة وحشد المملكة للمجتمع الدولي لإنهاء الحرب والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. في السودان اليوم مأساة وظلم بمعنى الكلمة، قوات الدعم السريع المارقة لم تتورع عن قتل العزل والأبرياء بدم بارد، وبمساعدة أطراف من خارج السودان، الكثير والمروّع من مشاهد القتل والاغتصاب وسفك دماء أبناء الوطن الواحد؛ ليبقى الإنسان السوداني هو الضحية لكل تلك الأيادي الباحثة عن مصالحها بمختلف اتجاهاتها. السودان الذي كان يوصف يوماً ما بـ»سلة غذاء العالم» لم يعد اليوم سوى سلةً مُهملةً تتداعى الأكلة على ما تبقى فيها من فتات بالكاد يكفي أهلها. السودان اليوم أمام ضمير العالم أجمع ليسارع بالتدخل الفوري لإيقاف نزيف الدم السوداني أولاً، وأمام الأطراف المتنازعة لتغليب مصلحة وطنهم وتجنيب مواطنيهم ويلات القتل والظلم والتشريد، وتحييد المطامع والأجندات الضيقة؛ فإن هذا هو ما يجلب الخراب – عبر التاريخ – للدول والممالك، ويقتل الحضارات والإنسان والقيم.