ودّعت «ناجح» من مطار القريات.

ينتاب من يُعاني من الخوف من الطيران Aerophobia هلعٌ شديد كلّما اقترب موعد سفره بالطائرة، وهذا الخوف لا يبدأ مع صاحبه من أول سلالم الطائرة بل قبل أيام من ذلك، وهو خوفٌ لا يُقاوَم، بل هو مثل مرَضٍ صامت يتسلّل إلى القلب والعظام ثم يبدأ بالإعلان عن نفسه بشراسة، على الرغم من معرفته بأن السفر جوّاً هو أكثر أماناً من وسائل النقل الأخرى. إن صاحب هذا الشعور بعيش في قلقٍ مُستمرّ مهما امتدّت الساعات بين الإقلاع والوصول، وتجده يرتجف لكلّ مطبّ هوائي وتتناهبه أشباح الخوف، وحين تُقلِع الطائرة تجنح مُخيّلته إلى ما لا تُحمد عُقباه؛ هل ستسقط الطائرة على مياه المحيط وتغوص في أعماقه أم على اليابسة؟ هذا ما يفعله الخوف بضحيّته، وعندما يصل إلى مقصده بسلام، يقول بينه وبين نفسه: لعلّ المكروه الذي لم يحدث هذه المرّة سيحدث لا محالة في المرّة القادمة! كتب الروائي الأرجنتيني “ماريو بارغاس يوسا” مقالةً بعنوان: “كيف تغلّبتُ على خوفي من الطيران؟”، يصف فيها رُعبه من السفر بالطائره وعجزه عن تفادي ذلك الرعب؛ تُحاول المُضيفة عبثاً أن تُخفّف ممّا يُعانيه من خوفٍ يجعلهُ يتصبّب عرَقاً، وقد نصحه بعض الأصدقاء بعدّة نصائح؛ منها مثلاً تناول الحبوب المُهدّئة، لكنها سبّبتْ له الخفقان والكوابيس، وظلّ الخوف يُلازمه في جميع رحلاته. يقول “يوسا”: “إن الخوف من الطيران يحدث فجأة عندما يُدرك الأشخاص، من الذين لا ينقصهم الخيال والحساسية المُفرطة، أنهم يطيرون في الفضاء على ارتفاع ثلاثين ألف قدم، مُسافرون عبر السُّحب بسرعة ثمانمئة ميلٍ في الساعة، فيبدأون بالفزع والارتعاش..”. فكيف تغلّب “يوسا” على خوفه بعد كلّ تلك الرحلات المُرعبة؟ يقول: “جاء الحلّ في رحلةٍ من “بوينس آيرس” إلى “مدريد”، حين اشتريت من المطار رواية: “مملكة هذا العالَم” لأليخاندرو كاربنتييه”، كانت مكتوبة بطريقة رائعة، لا شيء يُمكن أن يُحذف منها أو يُضاف.. لقد امتصّني الكتاب جسداً وروحاً، واقتادني بعيداً عمّا يُحيط بي، نقلتني الرواية لعشر ساعاتٍ هي مُدّة الرحلة، بعيداً عن الليل المُتجمّد ذي النجوم المُتلألئة، وانتهت السُّطور الأخيرة عند هُبوط الطائرة.. كان ذلك الكتاب قد أخذني بعيداً عن مخاوفي طوال الرحلة”. هكذا تغلّب “يوسا” على خوفه بعلاجٍ لم يخذله أبداً في رحلاته الجوية التالية. وقد كان أمير الشُّعراء “أحمد شوقي” من أكثر الناس خوفاً من ركوب الطائرة، حتى أنه قال في قصيدة طويلة يصف فيها الطائرة: أركبُ اللّيثَ ولا أركبها وأرى ليث الشَّرى أوفى ذِماما ومطلعُ القصيدة: قُم سُليمان بِساطَ الرّيحِ قاما مَلَكَ القومُ مِن الجوّ الزّماما حين ضاق البَرُّ والبحرُ بِهمْ أسرجوا الرّيح وساموها اللّجاما وللشاعر “سليمان بن مطرود الشراري” أبيات طريفة يصف فيها مشاعره وإحساسه بالخوف حين ركب الطائرة للمرّة الأولى، يقول في بعض أبياتها: ودّعتْ “ناجح” من مطار “القريّات” يوم أركبونا الطائرة واشلعتنا لفّتْ ودارتْ وامرجتْ بين لحظات لولا الكراسي والمحازم رمتنا تكفى تشهّدْ يا “فهد” واقرأ الآيات الموت جانا والظروف اجبرتنا من قبل أشوف الغيم دون السماوات واليوم أشوفه يا “فهد” من تحتنا عزّ الله انّي ما حسبت الحسابات والا ترى سيارتي موصلتنا وش جابني للطايرة والمطارات والله معود ركوبها ان نزّلتنا