في كتاب «سعوديون بين الطب والشعر» للدكتور عبدالله الشميمري..

الأطباء الشعراء يرون الدكتور إبراهيم ناجي قدوة لهم .

مؤلف الكتاب هو: عبدالله بن عبدالرحمن الشميمري، وهو أستاذ دكتور في كلية الطب بجامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية ويشغل أيضاً المدير التنفيذي لمركز تعزيز صحة المجتمع في الجامعة نفسها.. يستهل كتابه بالقول؛ عند ممارستي مهنة الطب زاملت وعايشت أطباء وصلوا إلى درجة الاحترافية والاتقان في تخصصات الطب المختلفة، وأبدعوا في مجالي الطب والأدب معاً، كما حققوا إنجازات علمية أصبحت مفخرة للوطن.. ونظراً لعدم قدرتي على حصر إنجازات الأطباء المبدعين في الأدب، البارعين في مختلف المجالات الطبية، فقد اخترت أن أجمع سير بعض الأطباء السعوديين الشعراء، تخليداً لذكراهم وتوثيقاً لإبداعاتهم الشعرية، مع الإشارة إلى أن الكتاب ليس دراسة أكاديمية أو رسالة دكتوراه، بل محاولة لدراسة نقدية أدبية لبعض إنتاج هؤلاء الأطباء، كما إنه لا يضم كل الأطباء الأدباء السعوديين في العصر الحديث.. ومن نافلة القول أن هناك أطباء سعوديين موهوبين غير أني لم أستطع الوصول إليهم، أو لم أعثر على ترجمة لهم، وربما يتحقق ذلك في طبعات تالية.. ثم يمضي الدكتور الشميمري إلى وصف كتابه بالقول إن فكرته كانت تراوده منذ أربعين عاماً عندما كان على مقاعد الدراسة في المرحلة الثانوية وفي حصة الأدب العربي بالذات، حيث كان الأستاذ يشرح الجماليات البلاغية في قصيدة الشاعر إبراهيم ناجي فأسهب في التغني بجمال أبياتها وإبداعات ناظمها. غير أنه استدرك وختم حديثه بجملة قال فيها: “تعارف النقاد في العالم العربي أن الأديب المبدع عندما يكون طبيباً لا يكون متميزاً في مهنة الطب”.. ويقول الشميمري عن إبراهيم ناجي أنه اُشتهر بلقبين هما: شاعر الأطباء وطبيب الشعراء.. ويقرر الدكتور الشميمري أن كل الأطباء الشعراء في العصر الحديث يرون الدكتور إبراهيم ناجي قدوةً لهم، فقد كان الدكتور ناجي يدعو إلى مرحمة النفوس، ويُعالج أدواء المشاعر والآلام، وقال ما قال بلا صَلف أو كبرياء ولذا ترك مِيراثاً شعرياً يتأسى به المحزونون، ويناجي به كل ذي قلب، ويفتح به مغاليق الأمور، ويشرح صدر من أعيته الحيل.. يقول الشاعر الدكتور إبراهيم ناجي عن علاقته بالشعر وأثره عليه كإنسان: “الشعر عندي هو النافذة التي أُطلُّ منها على الحياة، وأُشرف منها على الأبد، هو الهواء الذي أتنفسه، هو البلسم.. داويت به جراح نفسي، عندما عزَّ الأُساة هذا هو شعري”..  ويمضي الدكتور الشميمري إلى القول “صدمتني هذه المعلومة من أستاذي في المرحلة الثانوية وتوقفت عندها طويلاً حيث كانت لدي محاولات شعرية وفي الوقت نفسه كانت لدي رغبة في دراسة الطب فبدأت أتساءل إن كان في الإمكان أن يتميز الطبيب في مجال الشعر والأدب في آنٍ واحد”.. ويمضي إلى القول: “لم أبحث عن جواب لهذا التساؤل، بل عقدت العزم على الاجتهاد في دراستي الثانوية حتى أحصل على العلامة الكاملة لكي أتمكن من الالتحاق بكلية الطب وفي الوقت نفسه عملت على تطوير موهبتي في كتابة الشعر إلى أن شاركت في مسابقة عقدها نادي الطائف الأدبي في مجال الشعر وحصلت فيها على المركز الرابع وتم نشر قصيدتي في الكتيب السنوي للنادي.. كما تخرجت بعد ذلك من كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز ومقرها جدة وبتقدير سمح لي أن ألتحق بجامعة ميقيل الكندية في مونتريال للتخصص بأمراض الباطنة والصدرية والعناية المركزة، وعندما عدت إلى أرض الوطن زاملتُ وعايشتُ أطباءَ وصلوا إلى درجة الاحترافية والاتقان في تخصصات الطب المختلفة، وأبدعوا في مجالي الطب والأدب معاً، وحققوا إنجازاتٍ علميةً أصبحتْ مفخرةَ للوطن”.. ويضيف أن كتابه هذا ليس معجماً يضم كل الأطباء الأدباء السعوديين في العصر الحديث، فلا شك أن هناك العديد من الأدباء الأطباء الموهوبين الموجودين في كل مكان الذين لم أتمكن من الوصول إليهم، أو أن أعثر على ترجمة لهم، ولربما أعثر عليهم أو على ترجماتهم وأذكرهم في طبعة ثانية إنْ شاء الله، لأستعرض فيها مزيداً من الشواهد والمقتطفات من إبداعات العديد من الأطباء السعوديين الذين تميزوا وأبدعوا طبيًّا وأدبياً..  يقول: إن ظاهرة الطبيب الشاعر انتشرت في مختلف البلدان على مرّ العصور فلا يكاد يخلو بلد من ذلك حتى إن الشعب العربي قد عُرف بحبه للأدب والعلم، فاشتهر شعراء في بلدان عربية بتنوع قصائدهم في مختلف البحور والقوافي، وهذا يدل على أن الشعر العربي كان ملازماً لجميع أفراد المجتمع رغم اختلاف ثقافاتهم وعلومهم، ولعل الأطباء هم الأكثر شهرة لكون الشعر ينعكس من روحهم الطيبة وأخلاقهم الحميدة وإحساسهم الصادق بالمرضى، فتخرج كلماتهم العذبة مفعمة بالحيوية والصدق.. وكان للأطباء في المملكة العربية السعودية دورٌ مميزٌ في الأدب عموماً وفي الشعر بشكل خاص حيث استطاعوا أن ينافسوا العديد من الأدباء الاختصاصيين، بنظمهم قصائد لا تقل روعةً عن قصائد أهل الاختصاص.. وإذا كان النقاد القدماء يقولون: (لا يجتمع الذهب والأدب) فإنه باستطاعتنا أن نرى في وقتنا المعاصر مَن جَمَعَ بين الطب والأدب.. وأبدع في كليهما.