غزة تنهض من تحت الركام.

بعد عامين كانت خلالها أبواب الجحيم مفتوحة على غزة من السماء والأرض، وبعد عامين من العربدة الإسرائيلية التي قطّعت القطاع المنكوب وحولته إلى ركام، وبعد أن صودر حق الإنسان في الأمل، حتى في مجرد الأمل، جاءت اللحظة التي تخرج فيها غزة من تحت الأنقاض، تنفض عنها غبارها، وتحتضن أبناءها، تبتسم لأمل جديد ينبثق من تحت الركام والفوضى كنبتة صبار بين كومة حجارة استطاعت عروق الحياة فيها أن تمنحها النماء، فشقت طريقها من بين الصخور لتطلّ باخضرارها فتقول لكل بائس: لا يزال للحياة معنى. بجهود عربية ودولية، جاءت اللحظة التي أعلن فيها وقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء الحرب، وربما للأبد كما يأمل العقلاء حول العالم. أثمرت الجهود التي بذلتها دول عديدة في وقف نزيف الدم، وإعلان ولادة أمل جديد يليق بالفلسطينيين، الشعب الذي ظل حتى اللحظة محروماً من أبسط أبجديات مقومات الحياة، ليس هذا فحسب، بل حتى في الأمل الذي ظل ممنوعاً عليه كي يحيا به ويمنّي نفسه قليلاً. جاءت اللحظة التي بات فيها هواء فلسطين جديراً بأن يملأ صدور أهلها بالسكينة والرجاء في غدٍ أكثر استقراراً وإشراقاً، كل هذا يأتي بالتزامن مع جهود المملكة وفرنسا في حشد دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ فكأن الأقدار سيقت لصناعة هذه اللحظة التاريخية من عمر قضية نالت اهتمام المنطقة وشعوبها وقادتها على السواء، مثلما أنهكت الضمير العالمي في كل مرة تعربد فيها آلة القتل والدمار، وتُرفض لغة العقل والسكينة والسلام. في هذا التوقيت تحديداً، وعطفاً على الأحداث المتلاحقة، فإنه يمكن للفلسطينيين في المرحلة الانتقالية التالية من إدارة قطاع غزة أن يتولّوا بأنفسهم إدارة شؤونهم، كما يمكن لهم تقرير مصيرهم؛ فالشعب الفلسطيني لا تنقصه الكوادر المؤهلة، ولا الطاقات القادرة؛ حيث من المعروف أنهم من أكثر الشعوب ذكاءً حول العالم؛ إلا أنه ينبغي عليهم تغليب مصلحة فلسطين وشعبها فوق أية اعتبارات حزبية أو فئوية، وألا يسمحوا لمن لا يأمل الخير لفلسطين أن ينجح في جرّهم للوراء، وأن تكون «فلسطين أولاً» كعنوان لهذه المرحلة الفارقة في مصيرهم.