السطر الأول في سيرة سادن السير .

يقف الأستاذ محمد بن عبدالله السيف على رأس ثلاث مؤسسات ثقافية تُعد اليوم ضمن مؤسسات الصدارة محلياً وعربياً، الأولى رئيس تحرير المجلة العربية، والثانية ناشر دار جداول، أما الثالثة فتتمثل في ذاتة التي أوقفها لحقل السير والترجمات الرصينة، منتجاً عبر أسلوب استقصائي فريدة معماراً ولغة وموضيعية طرح متزن لا تجرفه أمواج أمزجة المراحل، فرائد غاية في الأهمية مثل سير؛ الطريقي والمنقور وحمزة غوث وغيرهم كثير. المحطات التي مرّ بها الأستاذ السيف مرور المقيمين أثراً وذكراً معروفة ؛ بدءً بصحيفة إيلاف ثم رئاسة القسم الثقافي بصحيفة الاقتصادية إلى جانب عمله مستشاراً ثقافياً بالمجموعة السعودية للأبحاث والنشر ثم رئيساً لتحرير المجلة العربية ومشرفاً عاماً على مركز الملك فهد الثقافي، وعضواً فاعلاً في العديد من مجالس إدارات الشأن الثقافي والإعلامي ولجانه، وهو ما يستدعي مراحل تكونه الأولى التي كان خلالها مهووساً بالثقافة، ولطالما تحدث إلى أصدقائه عن كتب الأدب والشعر والتاريخ والمجلات والصحف التي كان يطالعها عبر مكتبة المدرسة ومكتبة والده، حيث حفظ الكثير من شعر المتني ونزال قباني وغازي القصيبي، ثم تعمق متخصصاً في حقل التاريخ عموماً والتاريخ التنموي والإداري والثقافي السعودي، بل انكب على جمع القصاصات والصفحات والوثائق حتى كون إرشيفاً خاصاً للعديد من الموضوعات والشخصيات المعاصرة والتاريخية، وهنا ولدت الفكرة المفصلية في مسيرة محمد السيف، حين قرر أن يؤسس بالشراكة مع الدكتور يوسف الصمعان حمه الله (دار جداول للنشر والترجمة) عام 2010م في بيروت، ومن ذلك الحين تعالت جداول حتى باتت اليوم واحدة أبرز دور النشر العربية وأكثرها رصانة ومسؤولية وتجدداً. المنعطف المفصلي الآخر جاء عام 2015م حين أصدر معالي وزير الثقافة والإعلام آن ذاك الدكتور عادل الطريفي قرار تعيين الأستاذ محمد السيف رئيساً لتحرير المجلة العربية ومشرفاً على دار المجلة العربية للنشر والترجمة، حيث استمر توهج المجلة ودار نشرها مطوراً المحتوى عبر التركيز على ملفات الثقافة عامة والانفتاح على مختلف التخصصات بوصفها ثقافة لا أدب فحسب، ومولياً اهتماماً خاصاً بصفحة أعلام التي تطور عدد من شخصياتها إلى كتب ومؤلفات، فضلاً عن تطوير الحضور الرقمي للمجلة عبر موقعها الإلكتروني وحسابتها في شبكات التواصل الاجتماعي. المرحلة الفارقة والتي ربما تغيب عن الكثيرين، هي مرحلة تعيينه مشرفاً عاماً على مركز الملك فهد الثقافي عام 2015م، وهي لدى من يريد التأريخ للفعاليات الفنية الغنائية في الرياض، تعد المرة الأولى التي شهدت فيها الرياض حفلات غنائية جماهيرية في مؤسسة رسمية بعد عقود من الانقطاع، فضلاً عن النشاط الثقافي البارز الذي أحدثه السيف في مركز الملك فهد الثقافي عبر ما عُرف بـ ( الليالي الثقافية ) مثل ؛ ليالي الشعر النبطي، وليالي السينما، ولياليالرواية، وليالي الموسيقى وغيرها. أعود سريعاً للحديث عن الجوانب الشخصية التي عرفتها عن قرب عبر زمالة الصحافة ثم صداقتها، وليت لي مساحة أطول مما حدد الأصدقاء الكرماء في مجلة اليمامة العزيزة بقيادة رئيس التحرير الصديق العزيز الأستاذ عبدالله الصيخان، والصديق العزيز علي مكي، مقدراً لهما وشاكراً غاية الشكر مبادرتهما إلى إصدار هذا الملف التكريمي المستحق، أقول في سياق الجوانب الشخصية فضلاً عن إصداراته التي تبلغ 12 مؤلفاً، يحضر الأستاذ الرفيع محمد السيف بوصفه داعماً وممكناً للطاقات، زاهداً بكل صدق في الأضواء، جاداً في عمله ومنضبطاً بإنسانية عالية. في المجلة يباشر العمل بوصفه زميل يتشاور مع فريقه ويقرر ما يرجح في حوار الزملاء، متنازلاً بكبرياء رفيع عن سطوة الرئيس وصلاحية المسؤول، وهو بهذه الحال قائد خلاّق وإيجابي، وهو ما شهدته خلال عملي معه بمعرض الكتاب الذي شرفني بأن كنت ضمن فريق قيادته خلال عامي 2016 و2017م. وقبل أن أختم بموقف إنساني ثقافي عالي للأستاذ محمد السيف أشير إلى ثقافته الواسعة التي تمنح جليسه وقتاً من المتعة والفائدة لا حد لهما، يتحدث فيستحضر الوقائع والمواقف ليرويها بدقة فائقة وجمالية عرض لا مثيل لها، ثم يقدم رأيه الخاص مدعوماً بمطقية عرض غاية في الإقناع، ناهيك عن معرفة دقيقة يتمتع بها الأستاذ السيف بمراحل وشخصيات ورموز المشهد المحلي والعربي ثقافياً وفكرياً، وهو الأمر المرتبط بذاكرة حفظ وضبط عالية تجعله مرجعاً للكثير من المشتغلين بالمجالات التأريخية، ثم لن أضيف جديداً حينما أشهد له بخصلتين نبيلتين عرفها فيه كل من التقاه؛ الأولى نكران الذات رغم تنكر البعض ممن مروا بفضله وبمواقفه، والثانية إنسانيته العالية وفي الآتي ما يبرهن عليها. أختم بهذا الموقف الإنساني الذي يتمثل في شاب لا يملك مستحقات نشر رواية عبر أي دار نشر، استعان بي فبحثنا وطرقنا الأبواب ولم نجد سبيلاً، ثم رويت قصة هذا الشاب لأبي عبدالله فطلب أن أرسلها له، وماهي إلإ أشهر وإذا بالرواية صادرة عن دار جداول ومحولاً النسخ المجانية للمؤلف، دون مقابل، هذا الشاب الروائي كتب شكراً خاصاً وصادقاً للغاية وسأجتزئ منه ما يناسب حال احتفائنا بالصديق والأخ العزيز الأستاذ محمد بن عبدالله السيف: الجميل الذي فاضت جداوله بالنبل الأخ محمد السيف الحديث لشخص مثلك هو فظل، ولستُ ممن يرد فظل الله عليه، لذلك دعني أبدؤك بهذا. لم أعرفك عن قرب ولكني عرفتك بصديقك، وإن كنت حتى الآن لم ألتقي بك وجها لوجه، ولكني التقيتك في صنيعك، وقد وصل عطاؤك. ولأن الأحرار تعرفهم بصنائعهم، فقد رأيتك في هذا المعروف الذي لا يُنسى، وصافحت يدك التي ملأتها عطاءاً دون أن ألمسها. والعرفان جزء بسيط من رد المعروف، وهذا الكلام لا ينتمي إلى الشكر فقط، بل للجزء الأول من أحداث قصة رجلين كان أحدهما يتحدث بحرقة عن كاتب مغمور في زاوية بسيطة في قرية، فتكفل الآخر بحمل عبء صديقه الذي كان جل اهتمامه أن يظهر ذلك الكاتب. قد أكون زورقاً صغيراً في جداول مطبوعاتكم بين سفن كتاب عمالقة، ولكنك لمحتني في ثنايا حديث صديقك، لم تهتم لحجم الزورق، ولكنك نظرت لسماكة خيط السنارة فتخيلتني اصطاد حوتاً عملاقاً. وإلى أن نصل إلى الجزء الأخير من أحداث هذه القصة وإلى ما بعدها، ستظل دائما بين أكف الدعاء، وشريطاً مكرراً في الذاكرة، كشخص لم يتردد في أن يخرج روايتي من صمتها. فلك مني دائماً ذلك الشكر الذي لا يليق إلا بك.