الرياض تقرأ.. والعالم يصغي..

تستيقظ الرياض كل خريف على موعدها السنوي مع الكتاب، فتغدو المدينة عاصمةً للحرف، وملتقىً للفكر، ومهرجانًا للجمال الإنساني في أنقى تجلياته. في معرض الرياض الدولي للكتاب، تتقاطع اللغات واللهجات، وتتجاور الحكايات القادمة من أربع جهات الأرض، كأن العالم جاء ليقرأ نفسه في رحاب المملكة. منذ اللحظة الأولى للدخول إلى رحاب جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، حيث تحتضن القاعات هذا العرس الثقافي، يتبدّى اتقان التنظيم، واتساع الفضاء، ورحابة الممرات التي تتيح للزائر أن يسير بين الأجنحة كما يسير في حديقة من المعاني. بين أكثر من ألفي جناح، تتوزع دور النشر المحليةوالعربية والدولية، إلى جانب الهيئات الثقافية والجامعات، في مشهدٍ يختزل رحلة طويلة من العناية بالمعرفة، والرغبة الصادقة في جعل القراءة فعلاً يوميًّا لا موسميًّا. الضيف هذا العام جمهورية أوزبكستان، بتاريخها العريق في العلم والأدب، فحضورها يذكّر بزمن البخاري والبيروني وابن سينا، ويعيد إلى الأذهان دور آسيا الوسطى في صناعة الحضارة الإسلامية. وقد كانت مشاركتها فاتحةً لحوارٍ ثقافيٍّ رحبٍ، يربط ما بين الضاد والحرف السيريلّي في نغمةٍ واحدةٍ تُنشد الإنسانية والعلم. والفنون الموسيقية والتراثية، وروائح الرز البخاريّ الذي خطفت قلوب السعوديين منذ عقود. الأيام الأولى للمعرض شهدت تدفّقًا لافتًا من الزوار، فغصّت الطرقات بالحركة، وامتلأت الأروقة بالوجوه المتعطشة للمعرفة، في مشهدٍ يبث الطمأنينة في قلب كل كاتبٍ وناشرٍ، ويؤكد أن شغف القراءة لا يزال حيًا نابضًا في المجتمع السعودي. هيئة الأدب والنشر والترجمة تمضي بثقة نحو جعل المعرض أيقونةً ثقافيةً عربيةً وعالمية، حيث تتجاور الكتب مع الندوات والأمسيات والحوارات الفكرية. وفي ختام الزيارة، يدرك الزائر أن معرض الرياض هو حالة من الوعي الجمعي، وعيدٌ سنوي للروح، فيه تُزهِر الكلمات، وتتعانق الثقافات، وتُكتَب فصول جديدة في ذاكرة الوطن القارئ. الحمدلله على نعمة السعودية.