
في غضون سنوات قليلة، تحولت السينما السعودية من مجرد حلم إلى واقع ملموس، وشهدت قفزة نوعية أدهشت المتابعين. لم يكن هذا النجاح وليد الصدفة، بل هو نتاج استراتيجية واضحة ودعم لا محدود من جهات حكومية وخاصة عملت على تأسيس بنية تحتية قوية وتحفيز الإنتاج. هذا المقال يستعرض أبرز محركات هذا النمو، ويكشف بالأرقام كيف أصبحت المملكة العربية السعودية قوة سينمائية صاعدة في المنطقة. أداء القطاع السينمائي في المملكة وفقًا لتقرير هيئة الأفلام، شهد القطاع نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة: * إيرادات شباك التذاكر: تجاوزت إيرادات شباك التذاكر في عام 2024 مبلغ 845.6 مليون ريال سعودي (ما يقارب 225 مليون دولار أمريكي). * عدد الشاشات ودور العرض: توسعت البنية التحتية للسينما بشكل كبير، حيث وصل عدد الشاشات إلى أكثر من 630 شاشة في حوالي 60 موقعًا في عام 2024. ومن المتوقع أن يصل عدد الشاشات إلى 2600 شاشة بحلول عام 2030. * حصة الأفلام السعودية: بدأت الأفلام المحلية في حجز مكانتها، حيث بلغت إيراداتها 76.6 مليون ريال سعودي في عام 2024، مما يعكس تزايد إقبال الجمهور على المحتوى المحلي. مقارنة بإيرادات شباك التذاكر العالمية: تُظهر المقارنة أن السوق السعودية، رغم حداثتها، تُعد الأسرع نموًا في المنطقة، وتتصدر المشهد العربي: * السعودية مقابل دول الخليج والعالم العربي: تتصدر السعودية بوضوح إيرادات شباك التذاكر في المنطقة، حيث تجاوزت إيراداتها نظيراتها في الإمارات ومصر، لتصبح أكبر سوق سينمائي في العالم العربي من حيث الإيرادات. * السعودية مقابل الأسواق العالمية: رغم أن إيراداتها لا تزال أقل من الأسواق العملاقة مثل الولايات المتحدة (أكثر من 6 مليارات دولار أمريكي) و الصين (حوالي 5.8 مليار دولار أمريكي) و الهند (حوالي 1.4 مليار دولار أمريكي)، إلا أن نسبة النمو السنوي في السعودية استثنائية. هذا يشير إلى أنها قد تصبح واحدة من أكبر 10 أسواق سينمائية في العالم خلال السنوات القليلة المقبلة. جهات سعودية تدعم السينما : * هيئة الأفلام: هي الركيزة الأساسية لتطوير القطاع. تعمل الهيئة على تنظيم الصناعة، وتقديم التراخيص، ودعم المشاريع السينمائية من خلال التمويل والمنح. كما أنها تستثمر في التدريب وورش العمل لتأهيل الكوادر السعودية الشابة في كافة المجالات. * وزارة الثقافة: تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الإنتاج المحلي وتشجيع التعاون الدولي. وتشمل مبادراتها برامج دعم ثقافي وفني تساهم في تمويل المشاريع السينمائية ذات القيمة الفنية العالية. * صندوق التنمية الثقافي: أعلن الصندوق عن إطلاق صندوق استثماري بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لدعم قطاع الأفلام، بالإضافة إلى برنامج تمويلي بقيمة 234 مليون دولار أمريكي لتعزيز المشاريع الثقافية والإبداعية. جهات غير حكومية وشركات خاصة * مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي: يعتبر هذا المهرجان من أهم المحركات للسينما في المنطقة. فهو لا يقتصر على عرض الأفلام فقط، بل يمتلك صندوقًا لدعم الأفلام يوفر تمويلًا لإنتاج ومرحلة ما بعد الإنتاج للأفلام السعودية والعربية. وقد قدم الصندوق منذ انطلاقته منحًا تجاوزت قيمتها الإجمالية 14 مليون دولار أمريكي لدعم أكثر من 280 فيلمًا. * شركات الإنتاج الخاصة: تساهم الشركات الخاصة بشكل كبير في دعم الصناعة. على سبيل المثال، تستثمر استوديوهات MBC والمجموعة السعودية و روتانا وغيرها في إنتاج الأفلام والمسلسلات السعودية، مما يتيح للمواهب المحلية فرصًا أكبر للعمل والظهور. * صندوق «Big Time»: يعتبر هذا الصندوق، الذي أطلقته الهيئة العامة للترفيه، مبادرة استثمارية فريدة لدعم المحتوى العربي. يركز الصندوق على تمويل وإنتاج أفلام ومسلسلات عالية الجودة بمشاركة نخبة من النجوم العرب. ويهدف الصندوق إلى أن يكون نموذجًا استثماريًا مربحًا يساهم في نمو الصناعة بشكل مستدام، مع خطط مستقبلية لتأسيس استوديوهات خاصة في الرياض. تكامل الأدوار وتطلعات المستقبل: وفي الختام، لا يمكن فصل هذا النمو السينمائي الهائل عن رؤية السعودية 2030 التي تضع الثقافة والإبداع في صميم أولوياتها. فما نشهده اليوم من أرقام وإنجازات ليس سوى بداية لمستقبل أكثر إشراقًا. ومع استمرار الدعم الحكومي والخاص، ووجود جيل جديد من المبدعين السعوديين، فإن السينما السعودية على موعد لتكون واحدة من أبرز القوى السينمائية ليس في المنطقة فحسب، بل على الخريطة العالمية.